سلطة مشلولة واحتلال مكلف ومقاومة مؤثرة! أي أن أوسلو ماتت والإسرائيليون يجهزون جوازاتهم الأصلية!

بات واضحاً وبشكل واضح أن نسبة قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة تعرف نفسها بأنها يهودية هي صفر. لا شك أن اتفاقية أوسلو كطريق للتوصل إلى حل لهذا الصراع قد ماتت.

يوجد اليوم 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وليس ثمة سياسي أو حزب إسرائيلي واحد مستعد لإخراجهم، على العكس تماماً، تمضي عملية الضم بمسارين: الضم الزاحف الذي تفضله مجموعة كبيرة من النخبة السياسية الإسرائيلية، من الوسط إلى اليمين. والضم المستقبلي الذي اقترحه الحزب الوطني الديني.

لقد فقدت السلطة الفلسطينية بوصلتها الوطنية وشعبيتها، وأصبحت قائمةً كامتداد للسياسة الأمنية الإسرائيلية، حتى أن قدرتها المالية و نفوذها الدبلوماسي في العالم العربي قد تقلصا، فعندما أقدمت الإمارات العربية المتحدة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، علقت الأخيرة خطط ضم الأراضي في الضفة الغربية، وهو أمر لا معنى له في سياق الحكومة الإسرائيلية الحالية.

في قائمة المطالب التي يحملها وفد السلطة الفلسطينية إلى الرياض سنرى ما الذي يمكنه الحصول عليه، وكما كتبت من قبل، أشك في أن المملكة العربية السعودية سوف تقوم بالتطبيع مع إسرائيل لمجموعة من الأسباب التي لا علاقة لها بالفلسطينيين، ليس أقلها رغبة إسرائيل في معرفة المدة التي سيستمر فيها التطبيع الحالي مع إيران.

حتى لو حدث ذلك، فأنا لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية ستحقق الكثير في وقت ازداد فيه دعم الشارع العربي للفلسطينيين بشكل واضح وأكبر عما كان عليه من قبل.

لا يمكن تصور نجاح حل الدولتين، ومع ذلك فالمجتمع الدولي وكل لاعب رئيسي فيه بدءاً من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والصين، والهند، وروسيا، وكل دولة أوروبية، وكل حزب سياسي داخل تلك الدول أيضاً يدعو إلى حل الدولتين رغم عدم إمكانية التوصل إليه، فلماذا؟ 

الجواب، لأن أوسلو، وهي آلية لدعم الدولة الواحدة التي تستمر في الوجود والتوسع، لا توشك على الانهيار، لقد تم ترسيخها كأداة لدعم الحق الحصري في السيادة لشعب واحد فقط بشكل دائم مثل الجدار الفاصل والحواجز التي تقسم الضفة الغربية إلى عدد لا يحصى من السجون.

أوسلو مازالت قائمة بذات القدر من الإصرار الذي يظل فيه محمود عباس متمسكاً بالرئاسة رغم بلوغه 87 عاماً من العمر، سيبقى رئيساً طالما ظل يرفض إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

لا تزال أوسلو حية حيث تعمل قوات الأمن الوقائي الفلسطيني كعيون وآذان الشاباك، وأوسلو حية أيضاً في كافة التصريحات المراوغة والمزدوجة للغاية الصادرة عن المجتمع الدولي والتي تشير ضمناً إلى مساواة العنف، وهي لا تزال قائمة بينما يغض الغرب النظر عندما يجتاح المستوطنون البلدات العربية تحت حماية الجنود الإسرائيليين.

سلطة فلسطينية مشلولة

تبقي إسرائيل السلطة الفلسطينية مشلولة على أجهزة الإنعاش حالياً دون أي نية لاستئناف المفاوضات معها. والسبب في حرص إسرائيل على إبقاء السلطة هو أن مصلحة الدولة اليهودية المتوسعة أن تكون هناك سلطة فلسطينية قائمة.

فالحدود الشرقية، حيث تكون إسرائيل أكثر عرضة للخطر، تبقى هادئة مادامت السلطة موجودة. وفي الحقيقة، فإن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعلن أنه سيعزز السياج بجدار، وطالما ظلت السلطة الفلسطينية قائمة، فإن منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني يظلان مجرد صورتين عن حالهما السابق، وليس من مصلحة إسرائيل حل السلطة الفلسطينية التي تلعب دورًا رئيسيًا في إبقاء الاحتلال غير مؤلم قدر الإمكان بالنسبة للمحتل.

لقد جاء اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل عام 1993 بمثابة كارثة حلت بالقضية الوطنية الفلسطينية، وفي ظل أوسلو، لا يمكن أبداً تكوين حكومة وحدة وطنية تمثل كافة الفصائل الفلسطينية، كما لا يمكن الدخول في مفاوضات مناسبة، لأن فصيلاً فلسطينياً واحداً هو من يقود العملية.

أما بالنسبة لإسرائيل، فالعكس هو الصحيح إلى حد ما، فقد ارتفع عدد الدول التي تعترف بإسرائيل من 110 دولة عام 1993 إلى 166 دولة تمثل 88% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

أما عدد المستوطنين في الضفة الغربية فقد تضاعف أربع مرات، من 115 ألفاً إلى 485 ألفاً، دون احتساب القدس الشرقية، وبالتالي فقد اختفى حق العودة كمطلب. ولكن، هل كان من الممكن أن تؤدي أوسلو إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة؟ أنا أشك في ذلك.

سيختلف معي العديد من ذوي المعرفة العميقة من الذين شاركوا في مؤتمر مدريد عام 1991 وسيقولون إن مدريد تعرضت للخيانة بعد ثمانية أشهر من المفاوضات السرية الجارية في العاصمة النرويجية.

لا أملك سوى مصدراً واحداً يدعي أن مؤتمر مدريد كان محكوم عليه بالفشل قبل أن يبدأ، وهو مصدر أردني، لكنه يستحق الاستماع إليه.

“لن تكون هناك دولة فلسطينية”

كان عدنان أبو عودة، الذي توفي العام الماضي، هو المستشار الفلسطيني للملك حسين الذي انتقاه حين كان رائدا في المخابرات وحوله لتلقي التدريب على يد جهاز الاستخبارات السرية في لندن، وعينه وزيرا للإعلام.

وفي آذار / مارس 1991، أرسل الحسين عودة إلى واشنطن لمقابلة وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، في مهمة حساسة كان لا بد من ترتيبها في قدر من السرية، وقد رافق عودة الأمير الحسن إلى مؤتمر في سان فرانسيسكو كغطاء على أن ينتقل عودة بعد وصوله سراً إلى واشنطن.

حين التقيته روى عودة لقاءه مع بيكر بشيء من التفصيل، موضحاً أن الأمر بدأ بشكل مشؤوم، حيث تلخصت مهمة عودة في معرفة نية جورج بوش الأب من الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي في مدريد.

خلقت أوسلو نموذجًا لجعل الاحتلال غير مؤلم قدر الإمكان للمحتل، والسؤال هو إلى متى سيبقى الأمر كذلك؟

لقد خدعه بيكر بالعبارات المبتذلة لمدة 15 دقيقة وانتهى بالسؤال:” هل كنت واضحًا؟”، فرد عودة: لا، وظل ثابتاً في مقعده، وكانت هناك ساعة في غرفة وزير الخارجية مرتبطة بالساعة الموجودة في غرفة الانتظار، تدق كل 15 دقيقة، وفي كل مرة تفعل ذلك، يظهر سكرتير لمرافقة عودة إلى الخارج. 

لكن عودة رفض التزحزح، فاستمر بيكر في الحديث لمدة 15 دقيقة أخرى، وعندما دقت الساعة مجدداً وظهر السكرتير من جديد، لم يكن عودة راضياً، فسأله بيكر: ماذا تريد؟ وأجاب عودة:” أريد أن أعرف نهاية اللعبة”، فأمر بيكر سكرتيرته بالخروج للمرة الثانية.

قال بيكر:” انظر يا سيد عودة، كوزير للخارجية سأخبرك بأمر واحد، لن تكون هناك دولة فلسطينية، يمكن أن يكون هناك كيان أقل من دولة، وأكثر من حكم ذاتي، تمام؟ هذا أفضل ما يمكن أن نحصل عليه من الإسرائيليين”.

بالنسبة للأردنيين، لم يكن هناك جديد في هذا الخبر، ففي عام 1981، جاء المستعرب الروسي يفغيني بريماكوف، الذي كان حينها مديراً لمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي والنائب الأول لرئيس لجنة السلام السوفييتية، إلى مكتب عودة وقال له بصراحة: “عدنان، انسَ الأمر، لن يكون هناك شيء، لن تكون هناك دولة فلسطينية”.

جيل جديد من المقاومة

خلقت أوسلو نموذجًا جعل الاحتلال غير مؤلم قدر الإمكان للمحتل، والسؤال هو إلى متى سيبقى الأمر كذلك بينما النار تحت أقدام المحتل مشتعلة بقوة كما كانت دائما؟

لقد امتدت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 لتسعة أشهر، وقبل ذلك، قتلت العصابات الإرهابية اليهودية مثل الهاغاناه والأرغون قادة القرى وأجبرت الفلسطينيين على الرحيل، لقد استغرق الأمر حوالي عام لنفي 700 ألف فلسطيني إجبارياً فيما يعرف باسم النكبة.

وفي حرب الأيام الستة عام 1967، اكتسح الجيش الإسرائيلي كل شيء أمامه في غضون أيام، لكن الفلسطينيين هذه المرة لم يغادروا بنفس الكثافة، لقد فشلت خطة ديفيد بن غوريون الأصلية المتمثلة في الاستيلاء على أوسع مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين، وها هي إسرائيل تعيش اليوم العواقب.

عواقب أوسلو لم تؤد أيضاً إلا إلى تعميق فشل بن غوريون، فبينما زاد عدد المستوطنين أربعة أضعاف زاد عدد الفلسطينيين من نهر الأردن إلى البحر كذلك.

وبحسب علا عوض، مديرة مكتب الإحصاء المركزي التابع للسلطة الفلسطينية فإن عدد اليهود والفلسطينيين الذين يعيشون بين النهر والبحر متكافيء بما يقرب من سبعة ملايين في كل مجموعة.

كما أن جيلاً جديداً من المقاومة يتكون بسرعة، وهو أيضاً رد فعل على أوسلو التي لم تمنح الفلسطينيين الذين لم يغادروا عندما أعلنت دولة إسرائيل (فلسطينيو الــ 48) أي دور، لقد أصبح هؤلاء الآن، ومثلهم سكان القدس، جزءًا لا يتجزأ من القضية الوطنية الفلسطينية، واعتبارًا من عام 2021، أصبح الشعب الفلسطيني واحدًا مرة أخرى، وأصبح الخط الأخضر أكثر غموضًا.

لقد أدرك الفلسطينيون أن أوسلو لن تحررهم فراحوا ينخرطون في مقاومة مباشرة وهم على علم تام بأنهم تعرضوا للخيانة من قبل القيادة التي جرتهم إلى أوسلو والمجتمع الدولي.

إن هذا الإدراك لا يقل أهمية عن المقاومة السلبية التي أبداها المزارعون في تلال جنوب الخليل أو في شعفاط في القدس أو في أي مكان يرفض فيه الفلسطينيون ترك أراضيهم تحت ضغط المستوطنين والجيش.

صراع على السلطة في إسرائيل

كشف تعمق الاحتلال الانقسامات العميقة بين المحتلين، فأتباع إسحق رابين يفقدون السيطرة على المجتمع الإسرائيلي، فقبل أوسلو، كانت هناك روايتان، واحدة فلسطينية والأخرى إسرائيلية، أما الآن فلدينا ثلاث روايات على الأقل، هناك معركة طاحنة بين الصهيونية الليبرالية والحركة الدينية القومية اللتان تصطرعان على السلطة من أجل السيطرة على إسرائيل.

لقد بات من المؤكد أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير أصبح في وضع يسمح له بالفوز في الانتخابات، وقد أوضح الكاتب اليهودي الأمريكي بيتر بينارت هذه النقطة في آخر فيديو له من نيويورك، حيث قال لليبراليين إن اليمين الاستيطاني سيسحقهم ما لم يتوصلوا إلى شراكة مع الفلسطينيين الذين تم استبعادهم من الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية.

ويقول بينارت وهو واحد من الصهاينة الليبراليين السابقين الذين أكملوا دائرة أوسلو، إن حل الدولة الواحدة ذات الحقوق المتساوية بين المواطنين المتساويين، الفلسطينيين واليهود، هو وحده الذي سينهي الصراع.

من سيجد إغراءً أكثر بترك ساحة المعركة والتوجه إلى أوروبا؟ الفلسطينيون أم اليهود الأشكناز الذين يحوزون جوازات سفرهم الأوروبية؟

ويصف بينارت، وهو محق، محاربة اليمين الديني من جهة وقصف جنين من جهة أخرى بالرهان خاسر.

سيتم ابتلاع ما يسمى بالجناح الليبرالي في الجيش والشاباك والقوات الجوية من قبل اليمين الديني إذا لم يتحالفوا بشكل كامل مع القضية الفلسطينية، وفي الوقت الحالي، يتمتع اليمين الديني بكل الزخم والشباب إلى جانبه.

ومن سيكون أكثر عرضة للإغراء بترك ساحة المعركة والتوجه إلى أوروبا؟ الفلسطينيون أم اليهود الأشكناز الذين يحوزون جوازات سفرهم الأوروبية؟ سوف يهرب الأشكنازي بالفعل من إسرائيل إلى الولايات المتحدة وتركيا وأوروبا.

وبعد أن أعلنت البرتغال أنها ستسمح بدخول أحفاد اليهود السفارديم الذين طردوا بعد محاكم التفتيش، تقدم ما يقرب من 21 ألف إسرائيلي بطلب للحصول على جوازات سفر، وهو أكثر من عدد المتقدمين من البرازيل، مستعمرة البرتغال السابقة.

لن يختفي الفلسطينيون، ولكن الليبراليين الإسرائيليين يمكن أن يختفوا بالفعل.

حين تم إخلاء 8000 مستوطن من 21 تجمعاً استيطانياً في غزة على يد آرييل شارون عام 2005، تم زرع ضعف هذا العدد في مستوطنات الضفة الغربية في العام التالي، أي أن العدد الإجمالي للمستوطنين زاد ولم ينخفض. 

يمثل هذا الصراع معركة استنزاف ومعركة إرادات، فأوسلو لم تكن فترة راحة، بل استخدمت كسلاح آخر في الصراع، واليوم لدينا درس موضوعي حول ما لا ينبغي القيام به.

إسرائيل لن تدخل المفاوضات إلا عندما لا تتمكن من الحفاظ على مستوى القوة المطلوبة لفرض هيمنتها على حياة الأغلبية الفلسطينية، وقد يستغرق الأمر انتفاضة أخرى وعقوداً للوصول إلى هذه النقطة.

ولكن حين يحدث ذلك، فلن يكون هناك سوى حل واحد الآن: دولة واحدة لجميع شعوبها الذين يعيشون على قدم المساواة، وعندها فقط سوف تقوم الدولة الفلسطينية حقاً، عندها فقط سينتهي كابوس الاحتلال وكابوس أوسلو أيضاً.

بقلم ديفيد هيرست

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة