سارة أثير
على مدى عدة أيام وفي تحدٍ لبرد الشتاء، احتج المئات من المسلمين المقيمين في هالدواني، بولاية أوتاراخاند شمال الهند، على قرار محكمة هندية بهدم أكثر من 4000 منزل بزعم تعديها على أراضي السكك الحديدية.
ورغم تعليق المحكمة العليا في البلاد الشهر الماضي للقرار الذي سيلحق الضرر بـ 50 ألف شخص، إلا أنها لم تبتّ بعد في قضية ملكية الأراضي.
لم تكن هذه الحملة هي الأولى من نوعها وإن كانت استثنائية في مستوى ضخامتها، ففي العام الماضي، تم استهداف ممتلكات المسلمين بالهدم في أوتار براديش وماديا براديش ونيودلهي وغوجارات ومناطق أخرى، وغالبا ما كان الهدم يتم بذريعة “التعدي غير القانوني”.
إذا انتهى وجودنا على الخريطة، فهل نظل شركاء في المجتمع السياسي؟
تغير الطبيعة المفاجئة لعمليات الهدم التي لا تترك مجالًا كبيرًا للتحقيقات القانونية بشكل عميق نظرة المسلمين إلى الحياة الطبيعية في الهند، حيث تُطمس الخطوط الفاصلة بين المساحات العامة والخاصة.
وبينما تتسبب عمليات الهدم في أضرار اقتصادية للمسلمين، فإنها تضر أيضًا بمكانتهم السياسية.
وبطريقة ما، يبدو أن هناك اعتقادًا بأن العنف ضد منازل المسلمين يُعتبر أقل حدة من العنف ضد الأشخاص، الذي ينظر إليه كشكل من أشكال “الأضرار الجانبية” التي لا تتطلب أي إجراء عاجل، لكن هذا الاعتقاد يتجاهل البعد السياسي لهدم المنازل، والذي يهدف إلى القضاء على قدرة المجموعة المستهدفة على البقاء.
في قضية هالدواني، تبنت وسائل الإعلام الوطنية رواية شائنة تصور المتظاهرين المسلمين على أنهم “عصابة جهادية” في تطبيق لنظرية المؤامرة التي تم توظيفها ضد مسلمين آخرين، باستخدام الادعاء الكاذب بأنهم يحتلون أراض هندوسية بشكل غير قانوني.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت سياسة الهدم جزءًا لا يتجزأ من الخطاب الإداري لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.
والطريق من التشرد إلى انعدام الجنسية ليس طويلاً كما يود البعض أن يتخيله، فإذا انتهى وجودنا على الخريطة، فهل نظل شركاء في المجتمع السياسي؟ وإذا لم نكن جزءا من المجتمع السياسي، فما الذي سيحول دون أن نصبح مجرد نكرات؟
رواية “المتعدين”
وفي حين أن بعض الإجراءات مثل قانون تعديل المواطنة في الهند والسجل الوطني للمواطنين تهدد الوضع القانوني للمسلمين كمواطنين في الأمة، فإن تصدير الرواية التي تصفهم بــ “المتعدين” يهدف إلى توصيف المسلمين بالإجرام عبر تصويرهم كخارجين عن القانون، يستولون على الأراضي التي تعود ملكيتها الشرعية للهندوس.
وكانت ولاية أوتاراخاند، التي تضم هالدواني، محور الدعاية القوية للهندوتفا التي تروج للولاية باعتبارها “أرض الآلهة”، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن المسلمين الذين يعيشون هناك هم غرباء.
ولم يكن من قبيل الصدفة ادعاء القوميون الهندوتفا خلال جائحة كوفيد -19 أن الأحياء الإسلامية كانت هي المسؤولة عن انتشار الفيروس في الهند، حيث وصفت وسائل الإعلام الوطنية انتشار الفيروس بـ “جهاد الكورونا”.
وراجت المصطلحات المهينة مثل “النمل الأبيض” و “الصراصير” و “العلق” كجزء من قاموس هندوتفا الذي يتم استخدامه بانتظام ضد المسلمين، حتى أصبحت عمليات هدم منازلهم تُقدم للجماهير على أنها عمل ضروري.
تعتمد سياسة حزب بهاراتيا جاناتا بشدة على الدفع بإعادة تصور الأرض الهندية كأرض هندوسية مقدسة تحت تهديد دائم بالانتهاك من قبل “الغزاة” المسلمين.
وفي حين اكتسبت هذه الرواية شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة، إلا أن جذورها أعمق بكثير، حيث أكدت الشخصيات الأساسية التي أرست أسس القومية الهندوسية، وخاصة فيناياك دامودار سافاركار وإم إس غولوالكار، على الإزالة الثقافية للمساحات الإسلامية كخطوة ضرورية نحو تحقيق الأهداف القومية.
ومع تنامي شعبية القومية الهندوسية، ازدادت أيضًا النظرة القائمة على إعادة التأكيد بعنف على احتكار الأماكن العامة، الأمر الذي يتحدى المفهوم التعددي للأرض الهندية، فيما قاد القوميون الهندوس حملات ضد صلاة المسلمين العامة واستخدام مكبرات الصوت في المساجد للأذان.
لم يكن الفضاء المادي هدفًا للقوميين الهندوس فحسب، بل أصبح أيضًا الوسيلة التي يتم من خلالها خوض حرب داخلية غير معلنة ضد المسلمين الهنود، وبينما يتم شن حرب تقليدية في ساحة المعركة، تتسرب هذه الحرب إلى كافة جوانب الحياة، وتحول حتى أكثر اللحظات العادية في الحياة اليومية إلى صراعات وعسكرة.
تحولات الأحداث
لفهم هذه الظاهرة، يحتاج المرء فقط إلى النظر إلى التحولات التي مرت بها أكثر الأحداث سخافة، حيث شهد عام 2022 تغييراً هائلاً في كيفية تنظيم التجمعات والمواكب الدينية الهندوسية.
فالاحتفالات بمناسبة ارتداد رام نافامي وهانومان جايانتي عن أصولهما الدينية يعاد توظيفها كمناسبات لمظاهرات سياسية معادية للمسلمين.
وفي حينه، اندفعت حشود من الرجال إلى أحياء المسلمين ملوحين بالسلاح ورددوا شعارات الإبادة الجماعية، مما أدى إلى اندلاع مواجهات في بعض الحالات، حيث قوبل سكان الأحياء التي أظهرت قدرًا ضئيلاً من المقاومة بقمع قوي من الدولة، شمل هدم الممتلكات وترك العائلات بلا مأوى.
في العديد من هذه المظاهرات، ورد أن حشود هندوس حاولوا وضع أعلام الزعفران فوق المساجد، كرموز للفتوحات في أراضي العدو، وهي طريقة تاريخية للمطالبة بالملكية أو السيادة على منطقة.
وأثناء وضع حجر الأساس لطريق جانجا السريع في أوتار براديش في ديسمبر 2021، أيد رئيس الوزراء ناريندرا مودي سياسة الجرافة، قائلاً: “عندما تصطدم الجرافة بالمافيا … فإن الجرافة تدهس المبنى غير القانوني، ولكن الشخص الذي يقوم برعايته “يشعر بالألم “.
يشير هذا إلى جانب حاسم في الدافع وراء سياسة الهدم، وهو عدم مهاجمة الناس جسديًا، بل على المستوى النفسي، وحرمانهم من أي أمل في مستقبل آمن.
تسمح الهندسة المعمارية، من خلال وهم البقاء، لأفراد المجتمع بتخيل أنفسهم في الماضي وفي المستقبل الذي يمتد إلى ما بعد حياة أجسادهم، لكن مع انهيار كل ما تم بناؤه، ينهار هذا الرابط الذي يؤكد انتماءنا للأرض.
السياسات التمييزية
ما كان يومًا ما منزلًا لعائلة يصبح قطعة أثرية يمكن للمدينة أن ترى فيها تذكيرًا عدوانيًا للمسلمين بأنهم لم يعودوا يتمتعون بالحق في الحياة الخاصة.
وفي بلد تم فيه نبذ المسلمين اجتماعيًا، لا يصعب حساب الدمار الذي يمكن أن ينجم عن فقدانهم للمأوى، كما أن الوضع القانوني الغامض لمثل هذه الأعمال يزيد من صعوبة الرد عليها.
أكثر الناس تضررًا من عمليات الهدم في المجتمع الإسلامي هم أولئك الذين يعانون بالفعل من الحرمان الاقتصادي ويفتقرون إلى الموارد والقدرة على الانتقام، وفي الوقت نفسه يصبح الأفراد داخل المجتمع المسلم الذين يتحدثون علانية ضد سياسات الحكومة التمييزية أهدافًا رئيسية.
في الأساس، يتم تعليق القانون والنظام مؤقتًا بناءً على أهواء سلطات الدولة، ويتم إرسال رسالة أكبر للمسلمين مفادها أن الدولة لا تحميهم بالضرورة، وبالتالي، ينبغي النظر إلى عمليات الهدم على حقيقتها، باعتبارها ليست مجرد هجوم على جدران المنزل.
ليست حقوق المسلمين وحدها هي التي تتعرض للهجوم، ولكن كما صاغتها الفيلسوفة حنة أرندت، “حقهم في التمتع بحقوق” وحقهم في الدفاع عن أنفسهم.
مع إدخال الجرافات، لم يعد على الحكومة أن تقول بوضوح ما هو السلوك المقبول، بدلاً من ذلك، يمكنها ببساطة خلق إطار ضيق من الاحتمالات، حيث يجب على المسلمين الاختيار بين حياة الذل أو موت الذل.
للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)