كشفت منصة Beam Reports السودانية، المتخصصة في التحقيقات الرقمية ومكافحة التضليل، عن حملة منظمة شاركت فيها حسابات إماراتية وحسابات تابعة لدولة الاحتلال ومؤثرون من اليمين المتطرف، بهدف ترويج مزاعم كاذبة عن “إبادة المسيحيين على يد إسلاميين” في السودان، بعد سيطرة قوات الدعم السريع (RSF) على مدينة الفاشر في إقليم دارفور.
وقالت المنصة في تقريرها الصادر الأربعاء إن المحتوى المضلل بدأ بالظهور على وسائل التواصل الاجتماعي “بصورة متزامنة ومنسّقة”، فور سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر قبل نحو شهر. وخلص التقرير إلى أن أهداف هذه الحملة شملت حرف الانتباه عن الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في المدينة، وإعادة تصوير الحرب السودانية كصراع ديني لاستدرار تعاطف خارجي، وإغراق الفضاء الرقمي بمحتوى مفبرك يُربك التغطية الإعلامية العالمية.
ووثّق التقرير أن قوات الدعم السريع ارتكبت عمليات قتل جماعي وانتهاكات واسعة خلال اقتحام الفاشر، بعضها سجّله مقاتلوها بأنفسهم، وتأكد جزء منها عبر صور الأقمار الصناعية وشهادات مستقلة.
أمجد طه.. “مهندس الحملة الرقمية”
حددت منصة Beam الناشط الإماراتي أمجد طه بوصفه المحرّك الأساسي للحملة، إذ نشر سلسلة ادعاءات حول وجود “إسلاميين” يهاجمون المسيحيين في السودان، قبل أن تُعاد مشاركتها وتضخيمها عبر شبكة من الحسابات.
ومن بين الادعاءات التي روّج لها طه: أن “بريطانيا على وشك منح الجنسية لجهادي سوداني بينما يُذبح المسيحيون في السودان ونيجيريا على يد متطرفين إسلاميين”.
كما زعم أن الجيش السوداني “قتل مليوني مسيحي وشرّد ثمانية ملايين واغتصب 15 ألف امرأة”، دون الاستناد إلى أي مصدر موثوق. وادعى أيضاً أن ضابطاً في الجيش السوداني “أكل قلب رجل بعد قتله وقتل أطفاله”، وهي رواية لم يُقدَّم لها أي دليل، رغم تداولها على نطاق واسع عبر حسابات إماراتية وأخرى من دولة الاحتلال واليمين المتطرف. وخلال الأشهر الماضية، كثّف طه محاولاته لربط الجيش السوداني بحركة “الإخوان المسلمين” وحركة حماس في غزة، رغم أن قطاعات واسعة من السودانيين، على اختلاف خلفياتهم، اصطفت خلف الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، برغم تاريخ الجيش في الانقلابات والحكم العسكري.
وفي مقالة سابقة بصحيفة Jewish News البريطانية، وصف طه الجيش السوداني بأنه “حماس أفريقيا”.
صور الضحايا في الفاشر تُستخدم لإنتاج روايات كاذبة
وكشف التحقيق أن عدداً من الحسابات أعاد نشر صور ضحايا الفاشر الذين قُتلوا على يد قوات الدعم السريع، وقدّمها بشكل مضلل باعتبارها “هجمات إسلاميين ضد مسيحيين”.
من بين الأمثلة ما نشره المؤثر الأمريكي نيما ياميني، الذي شارك صوراً من الفاشر مع تعليق يدّعي أنها “مجازر بحق المسيحيين في السودان لا يتحدث عنها أحد لأن دولة الاحتلال ليست طرفاً ليُلقى عليها اللوم”، بل ذهب إلى الادعاء بأن “الدم يمكن رؤيته من الفضاء”.
وفي الواقع، فإن الصور الجوية التي ظهرت في تقارير حقوقية وصور أقمار صناعية تعود لمناطق قُتل فيها سكان الفاشر على يد قوات الدعم السريع.
أما السياسي اليميني البولندي دومينيك تارتشينسكي فنشر صورة لأم وطفل في الفاشر مرفقة بعبارة مضللة: “السودان: إبادة المسيحيين على يد الإسلاميين”.
حرب بلا طابع ديني
أكّد التحقيق أن السودان بلد مسلم بنسبة تفوق 90%، وأن الحرب الدائرة ليست صراعاً دينياً، كما أشار تقرير بعثة تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي إلى تلقيها ادعاءات موثوقة عن هجمات على أماكن عبادة ارتكبها طرفا النزاع، حيث قصفت قوات الدعم السريع كنائس في الفاشر، وقصف الجيش السوداني مساجد وكنيسة في ود مدني والخرطوم.
جذور الحرب ودور الإمارات في تسليح قوات الدعم السريع
اندلعت الحرب في أبريل/نيسان 2023 بعد خلافات بين الجيش السوداني، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش. وسرعان ما تحولت الخلافات إلى حرب واسعة تسببت في مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 13 مليون شخص، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وكانت تقارير ميدل إيست آي قد كشفت في يناير/ كانون الثاني 2024 أن الإمارات تمدّ قوات الدعم السريع بالأسلحة عبر شبكة معقدة تمتد عبر ليبيا وتشاد وأوغندا والصومال. كما أكدت تقارير استخبارية أمريكية، نشرتها وول ستريت جورنال الثلاثاء الماضي، أن الإمارات زادت من تزويد قوات الدعم السريع بطائرات مسيّرة صينية وأنظمة تسليحية متطورة.
وتواجه قوات الدعم السريع اتهامات واسعة بارتكاب جرائم حرب ومجازر جماعية، بما في ذلك ما وصفتها منظمات حقوقية بـ”الإبادة” في مناطق أخرى من دارفور، كما وُجّهت اتهامات للجيش السوداني بارتكاب انتهاكات خطيرة خلال العمليات العسكرية في العاصمة ومدن أخرى.







