شحنات السلاح تمر عبر المغرب: دعم خلف الستار لحرب الاحتلال على غزة

بقلم كارولين دوبي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

عند المرور بالموانئ المغربية، فسوف تلاحظ سيطرة شركة ميرسك على حاويات الشحن، ولم يكن الوجود المكثف للشركة الدنماركية في موانئ الدولة الواقعة في شمال إفريقيا مثيراً للاهتمام لو لم تكن شركة الخدمات اللوجستية الدولية العملاقة معروفة بشحن المعدات العسكرية إلى إسرائيل خلال حربها على غزة.

لقد أصبح المغرب موقعاً أساسياً على طريق الأسلحة الذي يسهل شحنات البضائع العسكرية إلى إسرائيل خاصة عبر شركة ميرسك،  ويشمل ذلك مكونات طائرات إف-35، التي غذت الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين.

أشار تقرير حديث صادر عن موقع Declassified UK ووكالة الأخبار الاستقصائية الإيرلندية The Ditch إلى دور المغرب في نقل مكونات الطائرات المقاتلة من طراز F-35 عبر شركة ميرسك.

على سبيل المثال، ذكر التقرير بأن شحنة في إبريل الماضي، اشتملت على المعدات النفاثة، أبحرت من ميناء هيوستن بالولايات المتحدة، وبعد أسبوعين، وصلت سفينة ميرسك ديترويت التي ترفع العلم الأمريكي إلى طنجة بالمغرب، حيث تم نقل الشحنة إلى سفينة حاويات أخرى تدعى نيكسو ميرسك.

بعد ذلك، أبحرت الشحنة عبر البحر الأبيض المتوسط ​​قبل وصولها إلى ميناء حيفا الإسرائيلي، وتم بعد ذلك نقل الشحنة العسكرية إلى قاعدة نيفاتيم الجوية، وهي نقطة انطلاق رئيسية للقوات الجوية الإسرائيلية لقصف غزة.

عندما صدرت هذه المعلومات في إبريل، انتشر الغضب الشعبي في المغرب، وخرج المتظاهرون بالآلاف في موانئ الدار البيضاء وطنجة المتوسط، فيما استقال ما لا يقل عن 8 من عمال الرصيف بسبب شحنات ميرسك تلك.

هناك تقارير متضاربة حول الوقت الذي بدأت فيه شحنات مماثلة بالرسو في موانئ المغرب، ولكن المؤكد هو أن الموانئ المغربية أصبحت خياراً جذاباً على طريق النقل بعد منع شحنتين من شركة ميرسك من الرسو في إسبانيا في نوفمبر الماضي بسبب الاشتباه في أنهما كانتا تحملان أسلحة إلى إسرائيل، وبدلاً من ذلك، رست السفينة في ميناء طنجة المتوسط، الأمر الذي أثار أيضًا احتجاجات في المغرب.

في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار الباحث في شؤون السلام والنزاعات المسلحة ونزع السلاح في مركز ديلاس، أليخاندرو بوزو، بأن عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل عبر الطريق بين إسبانيا والمغرب “ظلت منتظمة ولم تتوقف”، وفقاً لقواعد البيانات التي تمكن مركز الأبحاث الإسباني المستقل من الوصول إليها.

من جانبها، أصدرت شركة ميرسك بياناً في مارس الماضي زعمت فيه بأنها “تتمسك بسياسة صارمة تتمثل في عدم شحن الأسلحة أو الذخيرة إلى مناطق النزاع النشطة، مما يضمن الامتثال للوائح الدولية”.

“تعتمد إسرائيل بشكل كبير على واردات الأسلحة في حربها في غزة وعملياتها العسكرية في دول أخرى في المنطقة، فوجود طرق موثوقة وآمنة لنقل الأسلحة والمكونات أمر مهم للغاية بالنسبة لإسرائيل، ودعم دول معينة هو المفتاح لتحقيق ذلك” – زين حسين- الباحث في برنامج نقل الأسلحة التابع لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)

وقد أخبر ممثل شركة ميرسك Declassified UK بأن شركتي ميرسك ديترويت وميرسك نيكسو “تحملان حاويات تحتوي على أجزاء من طائرات F-35، ومع ذلك، فإن هذه الشحنات متجهة إلى دول أخرى مشاركة في برنامج F-35″، موضحة بأن برنامج طائرات F-35 “يعتمد على شبكة معقدة من الشركاء والموردين الدوليين عبر دول متعددة”.

“يختبئون وراء الكلمات”

من جانب آخر، فقد أقرت الشركة بعقودها مع الحكومة الأمريكية من خلال مشاركة شركتها التابعة التي ترفع العلم الأمريكي، ميرسك لاين المحدودة (MLL) ضمن برنامج الأمن البحري (MSP).

ويتطلب هذا البرنامج، الذي انضمت إليه شركة ميرسك في عام 1996، من الشركات إتاحة السفن للسلطات الأمريكية مقابل مبلغ كبير من المال لنقل المعدات اللازمة للحروب، فتصبح بذلك شركة الشحن هي الميسر لعملية نقل الأسلحة.

ومن خلال دعم ميرسك للسياسة الأمريكية، تشمل عقودها شحن البضائع إلى أكثر من 180 دولة “في إطار برامج التعاون الأمني ويشمل ذلك نقل البضائع المدنية والعسكرية إلى إسرائيل”، حسبما جاء في بيان الشركة الصادر في مارس الماضي.

بدورها، أكدت شركة ميرسك لمنفذ Danwatch الدنماركي بأن رحلات سفنها إلى إسرائيل “لم تكن جزءاً من برنامج MSP”، بل كانت جزءاً من برنامج عسكري آخر تحت إشراف السلطات الأمريكية، رغم إشارة تقرير صادر عن مركز ديلاس إلى أن السفن على الطريق كانت جزءاً من برنامج MSP، حيث أدرج مركز ديلاس شحنات MSP للمساعدة في تحديد السفن التي من المحتمل أن تنقل أسلحة إلى إسرائيل.

وفقاً للمركز، فإن شحنات MSP التي تتوقف عادة في المغرب وجنوب إسبانيا تعني أن الرحلة التالية إلى إسرائيل، وبالنسبة لبوزو، فقد حدثت الاحتجاجات بسبب شحنات معينة لأن المعلومات أصبحت علنية وليس لأنها كانت المناسبات الوحيدة.

أما المغرب، فقد التزم الصمت حول تورطه في عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، ويرى العديد من المراقبين بأن هذا الصمت في حد ذاته يثير الشكوك، فقال بوزو لموقع ميدل إيست آي: “بالطبع، يمكن للحكومة أن تعرف ما هو موجود داخل حاوية الشحن إذا أرادت أن تعرف ذلك”.

وأضاف بأن المتورطين في عمليات نقل الأسلحة “يختبئون وراء الكلمات مثل قول معدات أو مكونات عسكرية”، وأكد بوزو على أنه رغم إيقاف الحكومة الإسبانية لـ3 شحنات بسبب الضغط الشعبي، إلا أن “إسبانيا لم تفرض أي إجراءات إدارية على عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل”.

روابط مغربية إسرائيلية

كشفت حركة الشباب الفلسطيني في نوفمبر عام 2024 عن قيام شركة ميرسك “بشحن ملايين الجنيهات الاسترلينية من البضائع العسكرية إلى الجيش الإسرائيلي من الولايات المتحدة، عبر أكثر من 2000 شحنة على مدار 12 شهراً من سبتمبر عام 2023”.

وقد أكد الباحث في برنامج نقل الأسلحة التابع لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، زين حسين، خلال حديثه لموقع ميل إيست آي، بأن غالبية القدرة التسليحية الإسرائيلية تأتي من الواردات خاصة من الولايات المتحدة، فقد وافقت إدارة ترامب على ما يقرب من 12 مليار دولار من المبيعات العسكرية الأجنبية الكبرى لإسرائيل حتى الآن.

قال حسين: “تعتمد إسرائيل بشكل كبير على واردات الأسلحة في حربها في غزة وعملياتها العسكرية في دول أخرى في المنطقة، فوجود طرق موثوقة وآمنة لنقل الأسلحة والمكونات أمر مهم للغاية بالنسبة لإسرائيل، ودعم دول معينة هو المفتاح لتحقيق ذلك”.

وفي الرجوع إلى المغرب، فقد افترض بوزو بأن السبب وراء كون المغرب موقعاً مستقراً على طريق نقل الأسلحة عبر مضيق جبل طارق هو موقعها الجغرافي، فقال: “لا أستطيع إلا أن أفترض أن أحد الأسباب هو الموقع الجغرافي، فقرب المغرب من الولايات المتحدة يتيح الكفاءة في الخدمات اللوجستية وتوفير تكاليف الطاقة”.

 “في منظمة العفو الدولية، نعمل على فضح هذه الانتهاكات والمطالبة بالمساءلة، يجب أن نطالب بالشفافية ويجب أن نتكلم بصوت عالٍ، لأن الصمت في مواجهة الإبادة الجماعية ليس حياداً بل خيانة” – ناشطة مغربية لموقع ميدل إيست آي

من ناحية أخرى، أوضح تقرير مركز ديلاس بأن الطريق البديل هو الإبحار حول إفريقيا والوصول عبر البحر الأحمر وهو مسار أطول وأكثر تكلفة وخطورة.

علاوة على ذلك، فإن المغرب في المقابل يعتمد على إسرائيل في توفير المعدات العسكرية، كما يتضح من تحرك المملكة الأخير لاختيار شركة ألبيت سيستمز الإسرائيلية كأحد موردي الأسلحة الرئيسيين لها.

يذكر أن المغرب قام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في ديسمبر عام 2020، حيث انضمت المملكة إلى اتفاقيات أبراهام في عهد الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، مقابل اعتراف الولايات المتحدة وإسرائيل بالمطالبة المغربية بالسيادة على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها.

ومنذ ذلك الحين، ازدهر التعاون بين البلدين بما في ذلك في المجال العسكري، حيث اتهم المغرب باستخدام الأسلحة الإسرائيلية في صراعه المستمر مع جبهة البوليساريو، وهي حركة استقلال صحراوية تدعمها الجزائر المجاورة.

وقد أوضح بوزو: “إن إسرائيل والولايات المتحدة تعرفان أن المغرب سيتعاون، وهناك أيضاً الجانب السياسي المتمثل في اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء الغربية كجزء من المغرب، مما يضيف بعداً آخر لهذا التعاون”.

“خيانة”

على عكس إسبانيا، لم يوقف المغرب بعض شحناته عندما قوبل باحتجاجات عامة، فقد أوضحت ناشطة مغربية في الفرع المحلي لمنظمة العفو الدولية، فضلت عدم الكشف عن هويتها، لموقع ميدل إيست آي، بأنه “من المؤلم” بالنسبة لها أن “ترى ارتباط بلدها بآلية الإبادة الجماعية في فلسطين”.

واضافت: “المقاومة تتجاوز السياسة فهي تتعلق بإنسانيتنا ومسؤوليتنا الأخلاقية، كل قنبلة تسقط وكل طفل مدفون تحت الأنقاض، يجب أن تهزنا حتى النخاع، فالجمهور يريد من المغرب أن يقطع علاقاته مع إسرائيل وأن يتخذ موقفاً حازماً ضد الاحتلال والفصل العنصري”.

وختمت بالقول: “في منظمة العفو الدولية، نعمل على فضح هذه الانتهاكات والمطالبة بالمساءلة، يجب أن نطالب بالشفافية ويجب أن نتكلم بصوت عالٍ، لأن الصمت في مواجهة الإبادة الجماعية ليس حياداً بل خيانة”، مشيرة إلى وجود “تهديد مستمر بالقمع” ضد النشاط المؤيد للفلسطينيين في المغرب رغم إصدار بيانات رسمية في دعم القضية الفلسطينية بانتظام!

وفقاً لبيانات الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، وهو تحالف يضم حوالي 20 جمعية واتحاداً وحزباً سياسياً، فقد تم اعتقال 20 ناشطاً وحكم عليهم بالسجن منذ عام 2021، كما تزايد عدد الاعتقالات منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر عام 2023.

في حديث مع ميدل إيست آي، أشار خبير في معهد كارنيجي، رفض الكشف عن هويته بأنه “رغم حجم الاحتجاجات إلا أنها لم تؤدِ بعد إلى تحول جوهري في السياسة”، ولكن في نفس الوقت، ومع صدور آخر بيان عن حزب العدالة والتنمية المعارض والذي كرر “انتقاد الحزب للتطبيع”، أوضح الخبير بأن هناك إمكانية لحدوث تغيير قادم، قائلاً: “يمكن أن يكون للمشاعر العامة تأثير مقيد أو تراكمي، خاصة عندما تتقاطع مع قضايا الشرعية الداخلية أو تغذي خطاب المعارضة وحشدها”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة