بقلم أحمد السماك
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
عاش المسن الفلسطيني شحادة طه، 85 عامًا، النكبة مرتين، المرة الأولى في العام 1948 عندما كان يبلغ من العمر 11 عامًا، حيث قامت الميليشيات الصهيونية المسلحة بتهجير 750 ألف فلسطيني من أراضيهم لتأسيس ما يسمى الآن بإسرائيل.
أما النكبة الثانية جاءت في عامه الخامس والثمانين عندما دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزله أثناء قصفها لمنزل مجاور في العدوان الأخير على غزة، الذي تركه هو وأبناءه وأحفاده التسعة عشر بلا مأوى.
في مشهد مؤثر ومحزن مسن #فلسطيني يبكي بعد قصف الاحتلال منزله شمال #قطاع_غزة pic.twitter.com/zGsUVb9up5
— عربي21 (@Arabi21News) May 13, 2023
شهد طه، الذي ينحدر أصله من قرية بيت لاهيا شمال غزة، كيف أجبر الإسرائيليون المسلحون الفلسطينيين على الفرار إلى قطاع غزة تاركين وراءهم كل ما يملكون.
وخلال تلك الفترة، ارتكب الإسرائيليون اعتداءات ومذابح عديدة أسفرت عن مقتل 13 ألف فلسطيني وتهجير 530 قرية وبلدة، واستمع خلالها طه لروايات مباشرة من النازحين الفلسطينيين.
وقال: “لقد استمعت إلى القصص التي تدمي القلوب عن المدنيين المطرودين، وسرد الفظائع والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحقهم، فقد كانوا يقتلون الجميع”.
ويقول طه، الذي تزوج وهو في سن الـ 15عامًا من زوجته هنية التي كانت تكبره بثلاث سنوات، أن والده اشترى له سيارة أجرة في ذلك الوقت، وأنه يتذكر ما حدث في السبعينيات والثمانينيات عندما سُمح للفلسطينيين بالقيادة بحرية بين غزة ومصر، ولبنان، والأردن، وإسرائيل.
كان طه سائق تاكسي معروفًا ينقل عمال غزة إلى أماكن مختلفة في إسرائيل.
“لا زلت احتفظ بذكريات حية عن جثث رجال ونساء من غزة قُتلوا برصاص القوات الإسرائيلية في الشوارع.’ – شحادة طه
عندما بلغ سن التاسعة والعشرين، شنت إسرائيل حرب النكسة واحتلت غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان وصحراء سيناء.
وأسفرت الحرب عن مقتل حوالي 20 ألف عربي، من بينهم ما يقارب 6 آلاف فلسطيني.
ويقول طه: “لا زلت احتفظ بذكريات حية عن جثث رجال ونساء من غزة قُتلوا برصاص القوات الإسرائيلية في الشوارع أثناء احتلالهم لغزة، لقد قتلت إسرائيل عددًا كبيرًا من الأشخاص، لا سيما في المناطق التي كانت تتمركز فيها قواتهم “.
نجا طه وأبناؤه بأعجوبة رغم الصعاب، ففي أوائل الثمانينيات، وبينما كان يقود سيارته الأجرة في مدينة ريشون لتسيون بالقرب من تل أبيب، أطلق جنود إسرائيليون النار عليه أثناء عمله، ما أدى إلى إصابته بجروح في قدميه، فيما فقد أحد الركاب حياته بشكل مأساوي.
وتابع طه سرد الأحداث قائلاً: “لقد غادرت السيارة بسرعة واختبأت بين الأشجار المجاورة، ولم يستطع الجنود العثور علي رغم بحثهم عني لفترة، وبمجرد مغادرتهم، تمكنت من العودة إلى السيارة، لكن انتهى بي الأمر بالإغماء، وعندما استعدت وعيي، وجدت نفسي في مستشفى إسرائيلي، ولحسن الحظ، سُمح لي في النهاية بالعودة إلى غزة “.
وأضاف: “ما زلت لا أفهم لماذا أطلقوا علي النار بلا سبب، لقد كانت مجرد رحلة روتينية. لقد تواصلوا معي بعد عام، وطلبوا مني التعاون معهم، لكنني رفضت وبرغم الضغط الكبير الذي مارسوه علي بقيت مصرا على موقفي”.
وتحدث طه عن ماضيه قائلاً: “كنت أجني مالاً جيداً وكنت سعيداً وغنياً”.
لقد سمح له هذا الاستقرار المالي بالزواج من ثلاث زوجات وإنجاب 21 طفلاً، على الرغم من وفاة أربعة من أبنائه بسبب الأمراض في الستينيات والسبعينيات.
كما فقد طه اثنتين من زوجاته في العقدين الماضيين، خلال الحروب الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة، وتعرض منزله لأضرار جزئية في ثلاث مناسبات منفصلة.
النكبة الثانية
في 12 أيار/ مايو، قصفت إسرائيل منزلًا مجاورًا لمنزل طه، ما ألحق به أضرارا جسيمة جعلته غير صالح للسكن.
جاء هذا الاعتداء ضمن العدوان الأخير على غزة حيث شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية على القطاع في 9 أيار/ مايو، استمرت لمدة 5 أيام وأسفرت عن ارتقاء 33 فلسطينيًا، من بينهم 6 أطفال و6 نساء وشخصين مسنين، كما أصيب 190 شخصًا بينهم 64 طفلاً و38 امرأة و13 مسناً.
ويقول طه: “عندما رأيت أنقاض منزلي، غمرني حزن عميق وصرخت، لقد كان ملاذًا لنا، اليوم أصبحنا نعيش جميعنا داخل الخيمة.
وبينما كان يعتصره الألم قال: “أنظروا إلى غرفتي، لقد دمرت بالكامل، كل ملابسي مدفونة تحت الأنقاض. أين سنذهب؟ ما زلت أنتظر المساعدة من مؤسسة خيرية لتزويدنا بملابس جديدة”.
خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على غزة، تضرر ما مجموعه 2041 وحدة سكنية بينها 93 وحدة دمرت بالكامل، و128 وحدة أصبحت غير صالحة للسكن.
في 11 أيار/ مايو، اتصل الجيش الإسرائيلي بنجل طه، أحمد، وأمره بإخلاء منزلهم وإخطار جيرانهم بالشيء نفسه، حيث كانوا يعتزمون قصف منزل مجاور.
وأوضح أحمد، البالغ من العمر 42 عامًا، بالقول: “بعد إبلاغ جيراني، اتصل بي الجيش الإسرائيلي مرة أخرى، وقالوا لي إنهم لم يعودوا يعتزمون قصف المنزل من أجل سلامة أطفالنا ونسائنا”.
وأضاف: “لكن، تلقيت في اليوم التالي مكالمة أخرى تطالبنا بإخلاء منزلنا في غضون 10 دقائق، كنا 53 شخصًا نعيش في منزلنا، لجأنا إلى مدرسة قريبة تابعة للأونروا لحماية أنفسنا”.
وقال أحمد: “اتخذنا القرار الصعب بعدم إبلاغ والدي عن الدمار الذي لحق بمنزلنا بعد القصف. فهو رجل مسن وليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”، مشيرًا إلى الظروف الصعبة التي واجهوها في العثور على سكن بديل.
وعلى الرغم من كل الظروف، أصر طه على رؤية منزله، ووثقت العديد من مقاطع الفيديو رد فعله المؤلم وهو يبكي بصوت عالٍ عندما شاهد هدم منزله.
وقال احمد الذي كان يمتلكه الغضب: “لم نتمكن حتى من إنقاذ ملابسنا، ما الذي فعلناه لنستحق ذلك؟ نحن مدنيون فقراء بلا انتماءات عسكرية أو سياسية، الآن أصبحنا بلا مأوى. أين ستجد ابنتي التي تكافح السرطان ملجأً؟ أين سنعيش؟ هل مقدر لنا أن نظل بلا مأوى في ظروف مزرية؟
وأضاف: “والدي شهد النكبة الأولى، والآن كلنا نعيش هذه النكبة الثانية، إنها قدرنا”.
واختتم حديثه قائلاً: “كل ما نرغب فيه هو منزل يؤوي والديّ الكبيرين في السن الذين لا مأوى لهم حاليًا. لا شيء أكثر من ذلك”.
للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)