بقلم كريس دويل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
بعد أكثر من 35 عاماً من مراقبة السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، يصعب تجاهل الانحدار الحاد الذي طرأ على مواقف حزب المحافظين، وتحوّل كثير من رموزه من مدافعين محتملين عن العدالة إلى داعمين صريحين بلا خجل أو محاسبة لجرائم دولة الاحتلال.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى تسعينيات القرن الماضي، يمكن اعتبار حكومة جون ميجور واحدة من أقل الحكومات عدائية تجاه الفلسطينيين، فخلافًا لسلفته مارغريت تاتشر، ضمّت حكومته أصواتًا متعاطفة مع حقوق الفلسطينيين، خصوصاً من المحافظين المؤيدين لأوروبا الذين كانوا أكثر ميلاً لفهم تعقيدات النزاع الفلسطيني مع الاحتلال.
أما اليوم، فإن حزب المحافظين يبدو غارقًا في ولائه المطلق لدولة الاحتلال، في استعراض فج للتواطؤ مع الجرائم المرتكبة ضد شعب يرزح تحت الاحتلال.
بادينوخ وباتيل.. وجه جديد لتحالف قديم
في عهد كيمي بادينوخ زعيمة الحزب الحالية، وبريتي باتيل، وزيرة الخارجية في حكومة الظل، باتت الأصوات المناهضة لظلم الفلسطينيين غائبة تمامًا.
ففي مقابلة حديثة، امتنعت بادينوخ عن إدانة حصار الاحتلال على غزة أو حتى إظهار تعاطف إنساني بسيط مع الضحايا، في تجاهل صادم لكل المعايير الأخلاقية والإنسانية.
وتكرر الموقف الرافض لمحاسبة الاحتلال يوم 20 مايو/آيار في البرلمان، حين أعلن وزير الخارجية ديفيد لامي تعليق محادثات التجارة الحرة مع دولة الاحتلال، لكن باتيل أصرت على رفض إدانة الحصار أو الإشارة إلى أن تصريحاته تنطوي على تحريض على الإبادة الجماعية.
ويصعب تجاهل المفارقة هنا، فباتيل نفسها أُجبرت على الاستقالة من حكومة تيريزا ماي عام 2017، بعد زيارة غير مصرح بها إلى دولة الاحتلال نظمتها جماعة الضغط “أصدقاء إسرائيل المحافظون”، التقت خلالها بمسؤولين كبار، ورغم هذا السجل، عادت باتيل إلى موقع النفوذ من جديد، مثبتة أنها لم تتعلم شيئا.
تجاهل متعمد للضحايا الفلسطينيين
ومنذ توليها منصبها في حكومة الظل، لم تُبدِ باتيل أي تعاطف علني مع المدنيين الفلسطينيين، ولم تتحدث عن ضحايا القصف، ولا عن معاناة مئات الآلاف من المحاصرين، ولا عن الدمار الهائل الذي لحق بغزة، بل اقتصرت إشاراتها إلى المعاناة الفلسطينية على تعابير باردة مثل “الوضع صعب للغاية” في شمال غزة.
في المقابل، لا تفوّت باتيل فرصة للتعبير عن تضامنها مع الإسرائيليين المحتجزين، ولم تزل تذكر أسماءهم وتُضفي عليهم الطابع الإنساني الكامل، وهو ما لم تفعله مع ضحايا العدوان من الفلسطينيين، إذ بات من الواضح أن الكيل بمكيالين أصبح قاعدة راسخة في خطابها السياسي.
الامتناع عن محاسبة دولة الاحتلال
لم تتحدث باتيل يوماً عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الاحتلال، ولا عن الاستيطان غير القانوني، ولا عن سياسة العقاب الجماعي، بل إنها لم تُبدِ أي موقف يرقى إلى مستوى المسؤولية الأخلاقية أو القانونية.
وحين واجهتها النائبة العمالية ميلاني وارد قائلة: “من المثير للصدمة أن وزيرة الخارجية في حكومة الظل تبدو عاجزة عن نطق كلمة فلسطيني، لم يكن لدى باتيل رد سوى محاولة تشتيت الانتباه عبر ادعاءات شكلية.
وتتجلى أولويات باتيل بوضوح حين تصرح: “نحن بحاجة إلى أن تواصل إسرائيل النظر إلى المملكة المتحدة كشريك موثوق”، في حين لا يبدو أن لديها أي اهتمام بما إذا كانت المملكة المتحدة يمكنها الوثوق بدولة الاحتلال أو حتى مساءلتها.
رفض للمساءلة الدولية
والأكثر من ذلك أن باتيل تواصل تعليق تراخيص تصدير الأسلحة لدولة الاحتلال، رغم أن المستشارين القانونيين للحكومة البريطانية حذروا من “خطر جسيم” بأن تُستخدم هذه الأسلحة في ارتكاب جرائم حرب.
كما هاجمت المحكمة الجنائية الدولية لجرأتها على إصدار مذكرات توقيف ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، زاعمة أن هذه المذكرات “لا تستند إلى القانون الدولي”، رغم أنها صادرة عن قضاة متخصصين اطّلعوا على أدلة لا تعرف باتيل شيئًا عنها.
وفي مثال على انحياز صارخ، استخدمت بادينوخ إحدى فرصها القليلة للتحدث في جلسة أسئلة رئيس الوزراء لانتقاد حكم قضائي يسمح لعائلة فلسطينية من غزة بطلب اللجوء في المملكة المتحدة ضمن برنامج خاص بأوكرانيا، معبرة عن انعدام تام للتعاطف مع ظروفهم.
تشققات في جدار الصمت
ورغم هذا السواد، تظهر بعض التشققات في الجدار، إذ بدأ عدد من نواب المحافظين بمراجعة مواقفهم، فالنائب مارك بريتشارد، أحد أقدم المدافعين عن دولة الاحتلال، قال صراحة بعد دعم استمر 20 عاماً: “لقد أخطأت”، مُديناً سلوكها فيما عبّر رئيس مجلس النواب إدوارد لي، عن مواقف ناقدة بعد زيارته للضفة الغربية المحتلة.
لكن هذه الأصوات لا تزال أقلية، فغالبية أعضاء حزب المحافظين يواصلون الدفاع عن الاحتلال وتبرير سياساته، في مشهد من التواطؤ الأخلاقي والسياسي.
فشل مزدوج: حكومة لا تفعل شيئًا ومعارضة تقف في صف الجريمة
ولا يعني انتقاد حزب المحافظين أن حكومة حزب العمال معفاة من المسؤولية، فقد أخفق كير ستارمر وديفيد لامي في اتخاذ مواقف فعالة، وواجها انتقادات شديدة لتقاعسهما في التصدي للحصار وجرائم الاحتلال، ومع ذلك، تبقى المعارضة الرسمية، التي يُفترض أن تشكل بديلًا أخلاقيًا، أكثر تورطًا في خطاب داعم للاحتلال، وأقل قدرة على إظهار أي تعاطف مع معاناة الفلسطينيين.
لقد بات من المشروع أن نتساءل: هل ثمة جريمة ترتكبها دولة الاحتلال يمكن أن تهز تأييد المحافظين لها؟ من الواضح أن الإجابة حتى الآن، وبكل أسف، هي لا.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)