بقلم مها الحسيني
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد أسابيع من محاولة الهرب من القصف الإسرائيلي على حي الشجاعية شمالي غزة، لجأ يوسف حمدان المبيض مع عائلته إلى ملعب اليرموك في مدينة غزة مع مئات الفلسطينيين الآخرين، معتقداً أن هذا المكان سوف يكون الأكثر أمانًا له في غزة، فقد تم تخصيصه للنازحين بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر.
كان القناصة على أسطح المباني يطلقون النار على أي شخص ينظر إلى ما كان يحدث في الملعب، حتى أن يوسف أًصيب عندما استدار للبحث عن والده
بدلاً من ذلك، أصبح الملعب مكاناً تعرض فيه يوسف للتعذيب والإذلال والتهديد بالقتل إلى جانب عشرات الفلسطينيين الآخرين، حيث تحول الملعب الرياضي إلى “معسكر استجواب وتعذيب”، ومسرحاً للعديد من الفظائع بما في ذلك القتل!
تأسس ملعب اليرموك الذي يعتبر من أكبر وأقدم الملاعب الرياضية في قطاع غزة، عام 1952، وفي أعقاب الغزو الإسرائيلي، ظهرت صور للموقع على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر مئات الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، وقد جردوا من ملابسهم حتى ملابسهم الداخلية تحت مراقبة الجنود الإسرائيليين.
الملعب محاصر
يتذكر يوسف ما حصل معه يوم 24 ديسمبر بدقة بالغة، فقد استيقظ في الساعة 4:30 صباحاً على صوت دبابات وجنود يطوقون الملعب، وبعد مرور ساعتين، استخدم الجيش الإسرائيلي مكبرات الصوت لإبلاغ الموجودين في الملعب بأنه سيتم فصل الرجال بينهم لإجراء فحص أمني.
يقول مبيض: “سأل أحد الجنود عن شخص يتحدث الإنجليزية، فقلت له أنني أتحدث، فأمرني أن أقول للرجال أن يخلعوا ملابسهم ويجلسوا في طوابير”، حيث أُجبر هو والرجال الآخرين أُجبروا على ترك ملابسهم في التراب والجلوس في البرد.
يقول يوسف أن أحد الجنود قام بالعد حتى 4 فكان هو رقم 4، يقول “ثم قام بالإمساك بي من رقبتي وضربي على الحائط مرتين أو ثلاث مرات وهو يقول (لأنكم حْماس ولكنكم لا تريدون الاعتراف بذلك، أنت أحد المخربين، وستعمل معنا شئت أم أبيت)”.
بعد رفضه التعاون، تعرض يوسف للضرب بعقب بندقية إم 16 قبل إجباره على الجلوس وضربه بحذاء، يقول: “لقد طلب معلوماتي الشخصية فأخبرته أنني من حي الشجاعية”، وقد ادى ذلك بالطبع إلى مزيد من العنف معه حتى “فقدت العد ولم أتمكن من معرفة مصدر الضربات واللكمات” بحسب وصفه.
كشف يوسف عن تعرضه للخنق والتهديد بالخنق إذا لم يعترف بأنه عضو في حماس، ثم قام الجندي نفسه بلوي ذراعه في محاولة لكسرها.
يقول يوسف “تعرضت للتعذيب لمدة ساعة، قبل أن يرميني أحد الضباط على الأرض ويأمرني بعدم رفع رأسي، وطلب من الآخرين أن يطلقوا النار علي إذا رفعت رأسي، وبقيت على هذا الحال لمدة 20 دقيقة تقريبًا، وما إن انتهى العقاب حتى تم نقله إلى نقطة تفتيش وتم إخلاء الملعب من قبل جنود آخرين وأمره بمغادرة الملعب.
كان القناصة على أسطح المباني يطلقون النار على أي شخص ينظر إلى ما كان يحدث في الملعب، حتى أن يوسف أًصيب عندما استدار للبحث عن والده، فأصيب بالرصاص في ذراعه وأسفل ظهره، وظل ملقى على الأرض لبعض الوقت، قبل أن يتقدم ببطء ويسير نحو مستشفى الشفاء على بعد حوالي ميل واحد!
“إصابة في الظهر”
أما أم أحمد فرج، فهي فلسطينية أخرى لجأت إلى استاد اليرموك بعد قصف منزلها في شمال غزة، وفي نوفمبر، أصيبت بجروح خطيرة بعد هجوم إسرائيلي أدى إلى كسر فكها وترك شظايا مغروسة في رقبتها و لسانها.
لقد أوصاها الأطباء بمغادرة غزة بسبب خطورة إصابتها، لكنها لم تتمكن من المغادرة، حيث وجدت نفسها عالقة في المنطقة المحاصرة وتعاني من ألم شديد، كما تحمل روايتها أوجه تشابه قوية مع رواية مبيض.
صباح يوم 24 ديسمبر بدأ القصف العنيف في محيط المدرسة، ثم بدأ الجنود الإسرائيليين بدخول الملعب عند العصر، وفصلوا بين الرجال والنساء، وأجبروا الأول على خلع ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية.
“اعتقدنا أن العملية العسكرية كانت فقط في الشجاعية والدرج”، وأضاف “لقد تم تجريدنا من ملابسنا وكان بيننا أطفال وشيوخ” – أبو محمد السرساوي- أحد الناجين من المدرسة
تقول أم فرج: “لقد تعرضت للضرب والتعذيب مع زوجي وابني الذين وقفوا بملابسهم الداخلية بينما كان جنود الاحتلال يضربونهم بأسلحتهم”، كما ذكر شهود عيان أن النازحين احتُجزوا لمدة ثلاث ساعات قبل إخضاعهم للتفتيش الأمني، وقبل أن تتمكن فرج من المغادرة، طُلب منها أن تترك كل شيء باستثناء بطاقة هويتها، مما يعني أنها لا تستطيع أخذ هاتفها المحمول أو المال معها.
بعد مغادرة الملعب، تم استهداف أم أحمد وعائلتها من قبل القناصين الإسرائيليين مما أدى إلى “اختراق الرصاصة ظهرها واخترقت صدرها فاستشهدت ولم أتمكن من حملها، ساعدتني شابتان في حمل جثتها”.
تعرية وسرقة
لم تقتصر التقارير على انتهاكات التعذيب والقتل، بل شملت أيضا سرقة الأشياء الثمينة والأموال من منازل سكان القطاع النازحين، ومنهم أبو محمد السرساوي البالغ من العمر 54 عاماً، والذي لجأ إلى الملعب بعد قصف الحي الذي يسكن فيه، كما اعتقل شقيقه المسن، الذي أصيب عندما اقتحمت إسرائيل الملعب، وحتى يومنا هذا، لم يسمع أحد في عائلته عن مصير شقيقه أو مكان وجوده.
يقول أبو محمد: “اعتقدنا أن العملية العسكرية كانت فقط في الشجاعية والدرج”، وأضاف “لقد تم تجريدنا من ملابسنا وكان بيننا أطفال وشيوخ”.
عندما تم إطلاق سراح بعض الرجال، حصلوا على ملابسهم، لكن لم يتم العثور على أموال أو ممتلكات داخل جيوبهم، يقول أبو محمد “كان ابن أخي يحتفظ بمبلغ 1600 دولار داخل علبة بطاقة هويته وبعد إطلاق سراحه، لم يتم تسليمه بطاقة هويته التي أخذها الجيش، فسألنا عنها، وعندما أعادوها، اختفى مبلغ الـ 1600 دولار”.
ويروي أبو محمد بحرقة قائلاً: “لقد سرقوا كل الأموال، تحدثنا إلى ضابط إسرائيلي بشأن الأموال، فأطلق النار علينا وقال لنا “توجهوا إلى الجنوب، وإذا رأيتك مرة أخرى، فسوف أعدمك” فهربنا من الخوف!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)