بقلم أسيل موسى
ترجمة وتحرير مريم الحمد
أصيبت روزان البرش بالصدمة عندما سمعت نبأ وفاة عمها الدكتور عدنان البرش في معتقلات إسرائيل، فقد كان الجراح الفلسطيني البارز قد اختفى قسراً على يد القوات الإسرائيلية ولم يره أحد منذ ديسمبر الماضي.
مؤخراً، أعلنت جمعية الأسير الفلسطيني أنه قد قُتل تحت التعذيب أثناء وجوده في المعتقلات الإسرائيلية!
تصف روزان، وهي طالبة طب في جامعة الأزهر في غزة، شعورها بفقد الدكتور عدنان الذي كانت تعتبره أكثر من مجرد عم لها : “لقد كانت أكبر صدمة في حياتي كلها، شعرت كما لو أن روحي تحطمت”.
أكد المعتقلون المفرج عنهم أن الأطباء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يعاملون بقسوة أكبر من السجناء الآخرين الذين يواجهون التعذيب وسوء المعاملة، فقد تأكدت وفاة ما لا يقل عن 10 أسرى في السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر في ظل هذه الظروف، ومن المرجح أن العدد أعلى من ذلك بكثير
تقول روزان أنه كان صديقاً وداعماً لها وهو من شجعها على دراسة الطب، فقالت: “كان عمي سنداً وكان حازماً كالجبل”.
كان عدنان البرش، ذو الـ50 عاماً، رئيساً لقسم طب العظام في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وكانت لديه أيضأً اهتمامات خارج نطاق الطب، بما في ذلك حصوله على درجة الماجستير في العلوم السياسية وكان يطمح لبناء مستشفى كبير في غزة يشمل جميع التخصصات.
تتذكر روزان عمها قائلة: “كنا نصلي صلاة الفجر معاً ثم نسبح في البحر، وكان يعلمني السباحة، فهو سباح ماهر، وهو من جعلني أجرؤ على السباحة في أعماق كبيرة، لقد كان شخصاً متفائلاً مبتهجاً، لقد أحب الحياة كثيراً”.
مساعدة المرضى حتى آخر لحظة
كان البرش قد اعتقل في ديسمبر من مستشفى العودة في شمال غزة، وذلك بعد رفضه ترك المرضى الذين تعرضوا لقصف إسرائيلي عنيف منذ 7 أكتوبر، فقد أمضى الوقت متنقلاً بين مستشفيات غزة لرعاية المرضى.
أما عائلته، التي تسكن جباليا في شمال غزة، فقد لجأت إلى مستشفى الشفاء حيث كان يعمل عندما تعرضت منطقتهم لقصف عنيف، ثم عادوا بعد ذلك إلى جباليا قبل الغارة التي شنتها القوات الإسرائيلية على المستشفى في نوفمبر، لكن الطبيب عدنان رفض المغادرة معهم.
تقول روزان: “لقد أحب زوجته كثيراً، وكذلك أطفاله الستة، وقدم لهم كل ما يحتاجون إليه، ولكنه رغم ذلك قرر الاستمرار في التنقل بين المستشفيات لمساعدة المرضى والجرحى”.
بعد مداهمة مستشفى الشفاء وإجبار معظم الطاقم الطبي على مغادرة المنشأة تحت تهديد السلاح، رفض البرش المغادرة إلى جنوب غزة، بل توجه إلى المستشفى الاندونيسي شمال شرق غزة لمواصلة عمله.
تقول روزان: “كان يقول (هذا واجبي الوطني ولا أستطيع التخلي عن مساعدة شخص يحتاج إلى مساعدتي)”، حتى أنه في أحد الأيام، أجرى 17 عملية جراحية ناجحة، وأنقذهم عدداً من المرضى من البتر أو الموت.
“لقد تعرض الدكتور عدنان لأشد أشكال الإهانات والإساءات أثناء الاستجواب، على غرار تلك التي نسمع عنها في غوانتانامو” – الطبيب المفرج عنه من غزة- خالد حمودة
بعد خروجه لأخذ قسط من الراحة، ضرب القصف الإسرائيلي قسم العمليات في المستشفى، مما أسفر عن مقتل جميع المرضى السبعة عشر وإصابة الطبيب الشهيد.
انتقل الجراح بعد ذلك إلى مستشفى العودة في جباليا، وهو مرفق صغير يقدم الرعاية الطبية الأساسية، حتى داهمت القوات الإسرائيلية المستشفى واعتقلت البرش مع آخرين من الطاقم الطبي، ومثل جميع الفلسطينيين الذين أُخذوا من غزة، فقد اختفوا قسراً دون أن تكشف السلطات الإسرائيلية عن مكان وجودهم.
مثل سجن غوانتانامو
وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد قتلت القوات الإسرائيلية 492 عاملاً في القطاع الطبي منذ أكتوبر، واعتقلت 310 آخرين، كما دمرت نظام الرعاية الصحية في غزة تقريباً بعد هجمات متكررة على جميع المستشفيات.
أكد المعتقلون المفرج عنهم أن الأطباء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يعاملون بقسوة أكبر من السجناء الآخرين الذين يواجهون التعذيب وسوء المعاملة، فقد تأكدت وفاة ما لا يقل عن 10 أسرى في السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر في ظل هذه الظروف، ومن المرجح أن العدد أعلى من ذلك بكثير.
وفقاً لشهود تم الإفراج عنهم، فإن تعذيب الأطباء يهدف جزئياً إلى انتزاع اعترافات كاذبة منهم، من بين هؤلاء الدكتور خالد حمودة، الذي شارك البرش في زنزانته فترة اعتقاله قبل أن يتم إطلاق سراحه لاحقاً.
أكد الدكتور حمودة لموقع ميدل إيست آي أنه تعرض للتعذيب والضرب المبرح والاستجوابات المهينة، وأشار إلى أن البرش كان محتجزاً في قاعدة سدي تيمان العسكرية في النقب، وأنه عندما وصل إلى هناك في منتصف ديسمبر، كانت هناك علامات واضحة على تعرضه للتعذيب والضرب.
يقول الدكتور حمودة: “لا أستطيع تحديد اليوم المحدد لوصول الدكتور عدنان، لأننا حرمنا من أي إحساس بالوقت، ومع ذلك، أعتقد أنه تم إحضاره إلى الاحتجاز في 17 ديسمبر، بعد منتصف الليل بقليل”.
يصف حمودة كيف أحضروا للنزلاء الجدد فرشاً رقيقاً وبطانيات خفيفة لم تكن مناسبة لطقس ديسمبر البارد، يقول: “اقتربت من الدكتور عدنان وعرفته بنفسي، محاولاً أن أقدم له بعض الطمأنينة ثم لقد أمسك بيدي بقوة”.
بحسب حمودة، فقد روى له البرش بعض التعذيب الذي تعرض له قبل إحضاره إلى الزنزانة، يقول: “لقد تعرض الدكتور عدنان لأشد أشكال الإهانات والإساءات أثناء الاستجواب، على غرار تلك التي نسمع عنها في غوانتانامو”.
بعد يومين، تم نقل حمودة والبرش وغيرهم من الأطباء والعاملين في القطاع الطبي المحتجزين معه، بمن فيهم الدكتور محمد الران والدكتور خالد صيام والدكتور سعيد معروف، إلى سجون منفصلة.
يذكر حمودة أن من أفضل الأخبار التي نقلها له البرش كان خبر نجاح عملية والدته التي أجراها لها البرش بعد أن أصيبت في غارة جوية إسرائيلية وأنها بخير، حيث يقول حمودة: “انهمرت دموعي عندما تلقيت آخر أخبار والدتي، فقد كان ذلك أول خبر أسمعه منذ اعتقالي، فانحنيت وقبلت جبين الدكتور عدنان”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)