طفلتان من غزة تصلان إلى بريطانيا للعلاج بعد شهور من الانتظار

بعد أكثر من عام ونصف من الحرب التي دمرت نظام الرعاية الصحية في غزة، وصلت أول طفلتين فلسطينيتين من غزة إلى بريطانيا، بعد أن تم إجلاؤهما لتلقي العلاج الطبي اللازم في المملكة المتحدة.

سافرت كل من راما البالغة من العمر 12 عاماً وغنى البالغة من العمر 5 أعوام إلى المملكة المتحدة قادمتين من مصرمؤخراً، حيث سيتم علاجهما في الأجنحة الخاصة في المستشفيات الرائدة في لندن، من خلال مشروع ممول بالكامل من التبرعات الخيرية. 

هناك ما لا يقل عن 5000 طفل في غزة، إن لم يكن أقرب إلى 10000، ينتظرون حالياً موافقة الوحدة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على لوجستيات الحركة بين غزة وإسرائيل، لمغادرة القطاع وتلقي العلاج الطبي

في حديث مع بي بي سي، تقول راما، التي تعاني من مرض في الأمعاء مدى الحياة وتحتاج إلى عملية جراحية عاجلة: “كنا خائفين للغاية، فقد كنا نعيش في خيام وكانت شظايا الضربات الجوية تسقط علينا، وكانت أمي تعاني كثيراً عندما تذهب إلى المستشفيات بينما كانت القنابل تتساقط وكانت تقف في طوابير طويلة فقط لتحضر لي شريطاً من حب الدواء، والآن سأتلقى العلاج وأتحسن وأكون مثل أي فتاة أخرى”.

أما غنى، فسوف تتم معالجتها من ضغط السوائل على عصبها البصري، فبدون إجراء عملية جراحية، يمكن أن تفقد البصر في عينها اليسرى.

ويعد مشروع الأمل النقي الذي جاءت من خلاله الطفلتان بالشراكة مع صندوق إغاثة الأطفال الفلسطينيين (PCRF) ومقره الولايات المتحدة، نتيجة لأكثر من عام ونصف من الجهود التي بذلتها مجموعة من المنظمات والعاملين في مجال الرعاية الصحية للضغط من أجل إيجاد مسار قانوني لجلب الأطفال من غزة إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج.

“عار وطني”

في حديثه لميدل إيست آي، أشار طبيب تحدث نيابة عن مجموعة العاملين في المجال الطبي والداعمين لفلسطين، إلى أن طول الوقت الذي استغرقته الحكومة البريطانية للسماح للطفلتين بدخول البلاد، فيما تركت الآخرين الذين يحتاجون إلى العلاج دون تأشيرات، يجب أن يكون تسجل باعتبارها “عاراً وطنياً”.

وانتقد الطبيب الحكومة أيضاً لفشلها في توفير الرعاية الممولة بالكامل للطفلتين، كما فعلت مع الأطفال الأوكرانيين الذين تم نقلهم جواً إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج الطبي. 

تجدر الإشارة إلى أنه كان هناك محاولة في يناير عام 2024 لإحضار 4 أشقاء وابن عمهم من غزة إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج الطبي من خلال نفس المبادرة وبتمويل أيضاً من التبرعات، ولكنها باءت بالفشل عندما لم يتمكنوا من الحصول على تأشيرات من وزارة الداخلية.

مع استمرار أشهر الحرب، ازدادت الحاجة إلى عمليات الإجلاء الطبي للأطفال من غزة، حيث أكد الدكتور طارق هيلات، الذي يرأس برنامج العلاج في الخارج التابع لـ PCRF، بأن هناك ما لا يقل عن 5000 طفل في غزة، إن لم يكن أقرب إلى 10000، ينتظرون حالياً موافقة الوحدة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على لوجستيات الحركة بين غزة وإسرائيل، لمغادرة القطاع وتلقي العلاج الطبي.

“إن هذا المعيار المزدوج يكشف حقيقة قاسية، وهي أن حكومة المملكة المتحدة لا تعامل حياة جميع الأطفال على قدم المساواة، وهذا أمر لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً” – الدكتور عمر عبد المنان- مؤسس منظمة العاملين الصحيين من أجل فلسطين

من جانبها، صرحت البارونة أرمينكا هيليك، والتي دعت الحكومة إلى إنشاء مسار إنساني، إلى أن الأطفال المصابين بجروح خطيرة في غزة “ما كان ينبغي أبداً أن يكونوا في هذا الوضع، فالكثير منهم يعانون من إصابات أو حالات تتطلب رعاية متخصصة للغاية، وفي غزة، حيث انهار النظام الصحي، لا توجد هذه الرعاية”. 

وأضافت: “إن منحهم إمكانية الحصول على العلاج ليس هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله فحسب، بل هو الفرصة الوحيدة المتاحة لهم للتعافي، وأشكر الأطباء في المملكة المتحدة الذين جعلوا هذا ممكناً”.

“نجاح واحد فقط”

في تصريحاته لميدل إيست آي، أوضح الدكتور عمر عبد المنان، طبيب أعصاب الأطفال البريطاني المصري ومؤسس منظمة العاملين الصحيين من أجل فلسطين،  بأن وصول الطفلتين كان “تقديراً للجهود الاستثنائية التي بذلتها الدكتورة فرزانا الرحمن ومشروع الأمل النقي والأسر الفلسطينية والمتطوعين الذين ناضلوا من أجل بقائهم على قيد الحياة”.

وقد كان الدكتور عبد المنان من بين الأطباء الذين يضغطون من أجل جلب الأطفال من غزة إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج، ولكنه أكد بأن إجلاءهم بعد أكثر من 17 شهراً من النضال “لم يكن بفضل حكومة المملكة المتحدة، بل رغماً عنها، ولذلك لا ينبغي أن تكون هذه لحظة فخر وطني، بل يجب أن تكون لحظة عار وطني”. 

وأضاف: “بعد 18 شهراً من القصف الإسرائيلي المستمر وأعمال الإبادة الجماعية والتهجير الجماعي وانهيار نظام الرعاية الصحية في غزة، استقبلت المملكة المتحدة طفلتين فلسطينيتين مصابتين فقط”، مؤكداً أنه على عكس الطفلتين واللتين تعتمد رعايتهما بالكامل على المتطوعين والمانحين من القطاع الخاص، فإن الأطفال الأوكرانيين الذين تم إجلاؤهم إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج في السنوات الأخيرة تلقوا رعاية ممولة بالكامل من الدولة.

يقول الدكتور عبد المنان: “إن هذا المعيار المزدوج يكشف حقيقة قاسية، وهي أن حكومة المملكة المتحدة لا تعامل حياة جميع الأطفال على قدم المساواة، وهذا أمر لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً”.

أوضح مشروع الأمل النقي، والذي يوفر أيضاً لأسر الفتيات سكناً مؤقتاً ومترجمين فوريين وخدمات الصحة وإجراءات الحماية، بأن وصولهما يمثل “بداية لبرنامج أوسع لتوفير العلاج الطبي لمزيد من الأطفال في الأشهر المقبلة”.

علاوة على ذلك، فقد أشارت رئيسة مجلس إدارة منظمة PCRF، فيفيان خلف، بأن المهمة شهادة على “تصميمنا على إنقاذ الأرواح، حتى في مواجهة العقبات الهائلة وإجراءات الإخلاء الطويلة والمعقدة، ولكن هذا مجرد نجاح واحد، ولا يزال هناك عدد لا يحصى من الأطفال المصابين بأمراض خطيرة وجرحى في غزة ينتظرون، فالحاجة ملحة، ويجب علينا الاستجابة بالسرعة التي تتطلبها هذه الأزمة سواء في غزة أو خارجها”.

مقالات ذات صلة