طلاب غزة يكافحون لمواصلة تعليمهم في ظل “مذبحة المدارس” وضيق نوافذ المستقبل

بقلم مها الحسيني 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

لم تحزم نور كتب ابنتيها المدرسية حين نزحت من منزلها إلى رفح في وقت مبكر من عدوان الاحتلال على غزة، لكن الأم الفلسطينية لاحظت مع استمرار العدوان أن طفلتيها بدأتا في نسيان ما تعلمتاه، وخوفاً على مستقبلهما، أخذت الأمور على عاتقها.

وقالت نور وهي ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلت أن يتم التعريف بها باسم عائلتها فقط، لموقع ميدل إيست آي: “لقد قمت بتنزيل الكتب المدرسية الخاصة بهما من الإنترنت واعتمدت على قنوات اليوتيوب التي تشرح المنهج الفلسطيني”.

وتابعت: “ذهبت إلى مكتبة قريبة وطبعت المواد اللازمة، مثل دروس القراءة أو التمارين التي تتطلب الكتابة، لإبقاء الطفلتين متصلتين بتعليمهما، وركزت على اللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات”.

تم تحويل أحد الأركان في ملجأ نور إلى فصل دراسي مؤقت، حيث قدمت دروساً وامتحانات شهرية لابنتيها، اللتين حرمتا من التعليم المنتظم لمدة عام دراسي كامل مثل جميع تلاميذ غزة، حيث أدى العدوان الذي بلغ الآن شهره التاسع إلى استشهاد أكثر من 15 ألف طفل بينهم الكثير من الطلاب.

كما دمر العدوان جميع جامعات غزة ومعظم مدارسها، فيما يصفه خبراء حقوق الإنسان بالسياسة المتعمدة لمحو التعليم في القطاع الفلسطيني.

“أردت أن أملأ وقتهم بالتعلم بدلاً من التفكير في النزوح أو الخوف”. – نور، أم فلسطينية

وتقول تور أن التعليم المنزلي لم يكن سهلاً في البداية، لكن طفلتيها أنهيتا الآن مناهج الفصل الدراسي الأول وانتقلتا إلى الفصل الثاني، حيث يدرسن من ثلاث إلى أربع ساعات في اليوم.

وتقول الأم البالغة من العمر 35 عاماً إن الفصول الدراسية جيدة لتعليم الأطفال ولصحتهم العقلية.

وأوضحت نور: “خلال الفترة الأولى من النزوح، كنت أعاني من حالة صحية ونفسية سيئة بعد استشهاد أختي وبقاء عائلتي في شمال غزة، ثم شعرت أنني بحاجة إلى صرف انتباهي عن التفكير المفرط وقررت إنشاء روتين محدد لنفسي ولأطفالي، وأردت أن أملأ وقتهم بالتعلم بدلاً من التفكير في النزوح أو الخوف”.

“إبادة المدارس”

كان في قطاع غزة 796 مدرسة قبل الحرب، منها 442 مدرسة حكومية، و70 مدرسة خاصة، و284 مدرسة تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إضافة إلى 12 جامعة ومؤسسة للتعليم العالي. 

وكانت معدلات الأمية في غزة من أدنى المعدلات في العالم، حيث انخفضت النسبة من 13.7% في عام 1997 إلى 1.8% في عام 2022، وكان نحو 700 ألف طفل وشاب مسجلين في المدارس والجامعات من أصل 2.2 مليون نسمة في القطاع. 

وفي قصفها المستمر، ألحقت قوات الاحتلال الضرر بجميع الجامعات وأكثر من 80% من مجمل المدارس في غزة أو دمرتها بالكامل، كما قتلت وجرحت الآلاف من الطلاب ومئات المعلمين، ومن بينهم ما لا يقل عن 100 بروفسور جامعي.

وبحسب خبراء الأمم المتحدة، فإن حجم الدمار الذي لحق بالمدارس يثير تساؤلات حول ما إذا كان ذلك “جهداً متعمداً لتدمير النظام التعليمي الفلسطيني بشكل شامل”.

وأشار الخبراء المستقلون إلى أن دولة الاحتلال قد تكون منخرطة في “إبادة المدارس”، وهو مصطلح يصف التدمير المنهجي للتعليم، ويشمل أفعالاً مثل اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، فضلاً عن التدمير المتعمد للمرافق التعليمية.

وحتى لو انتهت الحرب قريباً، فإن العودة إلى المدرسة لن تكون سهلة، إذ يبحث مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين عن مأوى في المدارس التي مازالت أبنيتها قائمة، حيث فقدت غالبية هؤلاء منازلهم بالكامل أو ألحقت بها أضرارٌ يتطلب إصلاحها شهوراً من الإعمار.

ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة فإنه، حتى في أفضل السيناريوهات أي حين يتم تسليم مواد البناء بسرعة تصل إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه بعد حرب العام 2021 على غزة، فإن إعادة بناء المنازل المدمرة قد تستغرق حتى عام 2040 على الأقل، ومن الممكن أيضاً أن يمتد الأمر لعقود عديدة.

“لا أتوقف إلا عندما يقترب القصف”

وفي مواجهة الدمار واسع النطاق وعدم اليقين بشأن المستقبل، بدأ كثيرون مثل نور مبادرات صغيرة وشخصية لضمان عدم توقف التعلم في غزة.

ففي مقهى في دير البلح، في وسط قطاع غزة، تجلس نادية سعيد سعدة مع جدها، وهو مدير مدرسة متقاعد، ليساعدها في الاستعداد للامتحان النهائي في العلوم التربوية في جامعة القدس المفتوحة.

ولعدة أشهر، كانت نادية تتردد على المقهى لتنزيل المحاضرات من الإنترنت والتواصل مع أساتذتها واستكمال الامتحانات عن بعد، وقد سهلت جامعتها، التي لديها فروع في الضفة الغربية المحتلة، للطلاب في غزة التي مزقتها الحرب المشاركة في الفصول الدراسية عن بعد.

يتم تزويد الطلاب بالخدمات بما فيها الوصول إلى تنزيل المحاضرات عبر الإنترنت، كما توفر الجامعة فرصة الاتصال بالأساتذة المقيمين في الضفة الغربية عبر WhatsApp لمزيد من التوضيحات في أي وقت.

وتستعد جامعات أخرى في مختلف أنحاء القطاع المدمر لاتخاذ تدابير مماثلة قريباً.

وقالت سعدة، التي نزحت داخليا من مدينة غزة: “ليس لدي كهرباء أو اتصال بالإنترنت في ملجئي، لذا آتي إلى هنا كل يومين لتنزيل المحاضرات ثم أعود إلى ملجئي لمشاهدتها خلال النهار، وعندما تكون لدي أسئلة، أتصل بأساتذتي وهم يتصلون بي مباشرة لشرح ما لا أفهمه”.

وتقول الطالبة البالغة من العمر 22 عاماً، والتي تدرس في سنتها الأخيرة، إن التحديات التي تواجهها لمواكبة أقرانها في الضفة الغربية “هائلة، ولكن هذه هي الطريقة التي نبني بها مستقبلنا”.

“أنا عازمة على إنهاء سنتي الأخيرة على الرغم من كل الصعوبات التي نواجهها، في معظم الأوقات، أشاهد محاضراتي بينما يقصف جيش الاحتلال المنطقة التي أختبئ فيها، ولا أتوقف عادة إلا إذا كان القصف قريباً جداً”. – نادية سعيدة، طالبة فلسطينية

تخرج متأخر

وينتظر الطلاب وعائلاتهم على نطاق واسع وفي جميع أنحاء فلسطين امتحانات الثانوية العامة، المعروفة باسم التوجيهي، والتي تحدد نتائجها قبولهم في الجامعات وتعد مصدر فخر للعديد من الآباء.

وخلال عام 2023، كان ما يقرب من نصف الطلاب الذين تصدروا امتحانات التوجيهي في فلسطين من قطاع غزة، ومن بينهم شيماء أكرم صيدم، الطالبة الأولى في فلسطين، التي استشهدت مع العديد من أفراد أسرتها في غارة جوية شنها الاحتلال على مخيم النصيرات للاجئين في تشرين الأول/أكتوبر إبان الأيام الأولى من الحرب.

وبينما يستعد طلاب المدارس الثانوية هذا العام في الضفة الغربية لامتحانات التوجيهي في أواخر حزيران/يونيو، لن يلتحق حوالي 40 ألف طالب من قطاع غزة لأول مرة منذ عقود بالامتحان، مما أدى إلى تأخير دخولهم إلى الجامعة لمدة عام على الأقل.

كما يمثل تأخير التخرج مصدر قلق لكثير من طلاب الجامعات، الذين شهدوا قصف قاعات المحاضرات ومقتل الأساتذة على مدى تسعة أشهر.

وكان من المفترض أن يجلس أحمد ساق الله لامتحاناته النهائية في أيار/مايو، ليختتم بذلك أربع سنوات من الدراسة للحصول على شهادة البكالوريوس في التصميم الداخلي من جامعة الأزهر بغزة، لكن تخرجه تأجل إلى أجل غير مسمى في أعقاب قصف جامعته وهدمها من قبل جيش الاحتلال الشهر الماضي.

وقال ساق الله: “كنت أنتظر بفارغ الصبر حفل تخرجي، متطلعاً إلى اللحظة التي سأتخرج فيها أخيراً كي أبدأ مسيرتي المهنية، لكن اليوم، أصبحت أشعر بحزن أعمق بسبب هدم جامعتي وقتل زملائي وأساتذتي”.

“رؤية مقطع الفيديو لهدم جامعتي كان له تأثير أكبر علي من تدمير منزلي، لأن المحتلين لا يدمرون وطننا فحسب، بل يدمرون أيضاً مستقبلنا وكل فرصة لنا لتحسين حياتنا، الحرب ستنتهي في نهاية المطاف، لكن ما سيأتي بعد ذلك سيكون بنفس القدر من التحدي”. – أحمد ساق الله، طالب فلسطيني

وتساءل حرز الله: “كم من الوقت سيستغرق إعادة بناء الجامعات مرة أخرى؟ كم من أساتذتها وموظفيها الإداريين سيظلون على قيد الحياة؟”

وفي الوقت الحالي، أصبح حلم التخرج شاغلاً ثانوياً لساق الله، وهو من مدينة غزة، وقد لجأ إلى رفح مع عائلته الممتدة منذ أوائل أيار/مايو، بعدما اجتاحت قوات الاحتلال المدينة الواقعة في أقصى جنوب القطاع، مما أجبر ما يقرب من مليون نازح داخلي مثله على جولة أخرى من النزوح.

وقال الشاب البالغ من العمر 21 عاماً: “في الأسابيع السابقة، كان بإمكاني سرقة ساعة أو ساعتين من الأيام الأكثر هدوءاً ومحاولة تثقيف نفسي عبر الإنترنت، والتواصل مع الجامعات في الخارج لاستكشاف الفرص لمواصلة تعليمي، والاطمئنان على أساتذتي وزملائي، لكن تركيزي الوحيد ينصب حالياً على البقاء آمناً وعلى قيد الحياة”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة