بقلم أحمد أبو ارتيمة
ترجمة وتحرير مريم الحمد
منذ نكبة عام 1948، أصبحت الخيمة رمزاً أساسياً للسردية الفلسطينية، لأنها تمثل التهجير وحياة البؤس التي حلت بالفلسطينيين منذ ذلك العام.
من المفترض أن تكون الخيام ملاجئ مؤقتة في أوقات النزاع، ولكن طول عمر المكوث في الخيام، كما رأينا في غزة، يشير إلى أن هذا الأمل قد تحطم، فمنذ بداية هذه الحرب، كان من الواضح أن التهجير الجماعي جزء أساسي من خطة إسرائيل.
لقد سارعت الحكومة الإسرائيلية مبكراً إلى إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين على مغادرة منازلهم، وأمرت سكان الشمال بالنزوح إلى الجنوب، ومع اشتداد المجازر وتدمير مباني سكنية بأكملها وقصف المناطق “الآمنة” مثل المستشفيات والمدارس، اضطر النازحون إلى الفرار مراراً وتكراراً، فامتلأت رفح بسكان خان يونس تارة، ليعودوا إلى خان يونس المدمرة.
لقد ترك الجيش الإسرائيلي خلفه في كل مكان دخله طريقاً من الدمار، حيث تعرض ما يقرب من ثلثي المباني في غزة للأضرار أو للتدمير بسبب القصف الإسرائيلي المستمر.
علاوة على ذلك، فقد فقد العديد من الفلسطينيين كل ما يملكونه، من منازل وأراضٍ وأثاث وشركات، وفجأة وجدوا أنفسهم بلا شيء سوى خيمة وبعض البطانيات والفرش وبعض الأدوات البسيطة التي انتشلوها من تحت أنقاض منازلهم.
اليوم، أصبح الحصول على خيمة مهمة صعبة، وذلك بسبب الكميات المحدودة والأعداد الهائلة من الفلسطينيين النازحين في غزة، ولذلك لجأ البعض بدلاً من الخبام إلى المدارس، مع تعطل التعليم للعام الثاني على التوالي.
تحديات لا تنتهي
ومع الحياة في خيمة سلسلة لا نهاية لها من التحديات، فمع انقطاع الكهرباء في غزة منذ بداية الحرب، يسود الظلام الدامس ليلاً، ولا يقطعه سوى النيران أو الضوء الناتج عن المصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية.
أما الحصول على المياه، فيعد بمثابة صراع يومي، حيث يصطف الناس في طوابير طويلة لملء أباريق سعتها غالون، وعليهم بعد ذلك نقلها لمسافات طويلة إلى خيامهم، كما يتم إنشاء المراحيض عن طريق الحفر في الأرض، فلم تعد تتم معالجة مياه الصرف الصحي، ناهيك عن أكوام القمامة التي لا تزال غير مجمعة، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض.
من جهة أخرى، يؤدي نقص الغذاء إلى تفاقم معاناتنا اليومية، فقد اختفت الآن العديد من المواد الغذائية التي كانت متاحة بسهولة في الأسواق قبل الحرب، وحتى عند التمكن من الحصول على الطعام، يكون السعر مرتفعاً ليصل في بعض الأحيان إلى 10 أضعاف مقارنة بأيام ما قبل الحرب.
في ظل غياب الدخل عن غالبية الناس اليوم، فإن الكثيرين منهم غير قادرين على توفير الغذاء لأسرهم، ولذلك يبقى خيارهم الوحيد في المطابخ الخيرية التي أنشأها نشطاء متطوعون، والتي لا تستطيع تلبية احتياجات جميع الناس وغالباً ما تكون المواد الغذائية التي يوزعونها ذات نوعية رديئة.
لقد أصبح معظم سكان غزة هزيلين بسبب نقص الغذاء، لدرجة أن السكان في الشمال شاركوا باتوا يسخرون من مرارة الأمر بالقول “إذا رأيت شخصاً لم يفقد وزنه أثناء الحرب، فمن المحتمل أنه يعمل جاسوساً لإسرائيل”.
لقد مر عام كامل على هذا الوضع المأساوي، ويبدو الأمر كما لو أن العالم قد تخلى عنا من أجل إرضاء أهواء نظام استعماري يمارس الإبادة الجماعية، ولا يوجد أي بادرة أمل في أن ينتهي هذا في أي وقت قريب!
لقد أصبحت الأسواق فارغة والملابس والأحذية متهالكة، ومع ذلك لا يمكنك استبدالها فلا يوجد بديل عنها، بل إن مستلزمات النظافة الأساسية، مثل الصابون أو زجاجات الشامبو، باتت إما غير متوفرة أو باهظة الثمن.
عندما تعيش في خيمة، فإنك تفتقد حتى وسائل الراحة الأساسية التي يوفرها الجدار الذي تسند ظهرك عليه، فهذا الحرمان قاسٍ للغاية، حتى أنك سوف تتعرف على أنواع جديدة وغريبة من الحشرات التي لم ترها من قبل في حياتك، وسوف تعتبر محظوظاً إذا لم تكن سامة وخطيرة!
ضغط نفسي
في الخيام، لا تتمتع العائلات بأي خصوصية على الإطلاق، فالخيام مكتظة ببعضها البعض، كما يتعرض الجميع لضغوط نفسية هائلة بسبب الظروف المهينة التي تحرمهم من كرامتهم، فمن الشائع سماع الأزواج أو الأطفال يتجادلون، فأنت مجبر على سماعها!
من الصعب أيضاً العثور على مكان لنصب خيمتك بعد النزوح من منطقة إلى أخرى، فغزة بالأصل من بين الأماكن الأكثر كثافة سكانية على وجه الأرض، وبعد الحرب أصبح الوضع أسوأ، فقد دمرت أحياء بأكملها وحشر سكان المنطقة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في منطقة أصغر من سعتهم.
يتكدس النازحون اليوم على طول شاطئ البحر وفي ساحات المستشفيات والمدارس وحتى على الأرصفة، ولذلك أصبح العثور على مكان لنصب خيمة يتطلب بحثاً مرهقاً
وبعد كل ذلك العناء، ليس هناك أي ضمان للسلامة، فقد قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية الخيام بشكل متكرر، مما يضطر النازحين إلى تنظيف الرفات ونصب خيام جديدة فوق هذه المآسي.
كيف يمكن لشخص أن يتحمل العيش في مكان حدثت فيه مذبحة قبل ساعات قليلة فقط، حيث كان جثة الشخص متناثرة؟! وعندما شاركت صدمتي هذه مع صديق، أجابني: “لو لم ينصب خيمته لكان غيره قد نصبها على الفور”.
لقد غيرتنا هذه الحرب، فالطائرات الحربية لا تتوقف عن التحليق فوق خيامنا، وفي الليل، عندما نغمض أعيننا،بتنا نسمع همهمة الطائرات المرعبة متسائلين عما قد يحدث في أي لحظة.
عندما تم تهجير سكان شمال غزة من منازلهم في بداية هذه الحرب قبل عام، اعتقد الكثيرون أنها لن تستمر سوى أيام أو أسابيع فقط، ولذلك، انفصلت العديد من العائلات، فبقي البعض في الشمال وانتقل البعض الآخر إلى الجنوب، ولكن مع منع الجيش الإسرائيلي الناس من العودة إلى ديارهم، ظلت العائلات منفصلة حتى اليوم.
لقد مر عام كامل على هذا الوضع المأساوي، ويبدو الأمر كما لو أن العالم قد تخلى عنا من أجل إرضاء أهواء نظام استعماري يمارس الإبادة الجماعية، ولا يوجد أي بادرة أمل في أن ينتهي هذا في أي وقت قريب!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)