بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انخرطت دولة الاحتلال وحزب الله في حرب استنزاف قام فيها الحزب اللبناني الذي كان يتوقع رداً واسع النطاق من إسرائيل على غزة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بتثبيت جيش الاحتلال على طول الحدود بين البلدين في محاولة لإسناد الفلسطينيين.
جاء هذا المجهود الحربي مكلفاً لكلا الجانبين، فقد اضطرت أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية إلى البقاء في حالة تأهب قصوى، في حين نزح عشرات الآلاف من الإسرائيليين واللبنانيين من منازلهم على جانبي الحدود.
لم يحسم العدوان على غزة نتائجه بعد، فقد دمرت حملة الاحتلال القطاع الفلسطيني لكن حماس لم تدمر، ومع ذلك، قررت دولة الاحتلال في هذا الشهر تصعيد حربها على لبنان مقدمة منطقاً غريباً لتبرير ذلك ألا وهو: “خفض التصعيد من خلال التصعيد”.
ووفقاً لإسرائيل، فإن الضغوط غير العادية على حزب الله قد تدفعه إلى قبول اتفاق يسمح بعودة الإسرائيليين إلى الشمال، بصرف النظر عن المفاوضات المتعثرة لإرساء وقف إطلاق النار في غزة، وهذا يتوقف على قطع الصلة التي أنشأها حزب الله قبل عام بين إنهاء حرب الاستنزاف وتحقيق وقف إطلاق النار في غزة، كما يتطلب الأمر انسحاب وحدات حزب الله لمسافة نحو عشرة كيلومترات إلى شمال الحدود، ومن فضلة القول أن مثل هذه التوقعات تتعارض مع كل التصريحات التي أدلى بها زعماء حزب الله خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.
لقد كانت الانفجارات المنسقة المذهلة (والإرهابية) لأجهزة النداء والراديو في مختلف أنحاء لبنان بمثابة الطلقة الأولى لهذا “التصعيد الهادف إلى خفض التصعيد”، ومنذ ذلك الحين اشتدت حدة الحرب من خلال وابل من الغارات الجوية التي نفذها الاحتلال، مما أسفر عن سقوط مئات الضحايا اللبنانيين، وهجمات صاروخية ضخمة من جانب حزب الله، ولكنها أقل فتكاً.
وبلغت الحرب ذروتها يوم الجمعة باغتيال قائد حزب الله حسن نصر الله عبر عملية قصف مكثفة مما صدم لبنان والمنطقة على نطاق أوسع وأثار الابتهاج في إسرائيل.
لقد سعت عملية أجهزة النداء وقطع رأس قيادات حزب الله، حيث اغتيل العديد من قادته العسكريين في ضربات خلال الأسابيع الأخيرة، إلى إعادة تأسيس أحد الأصول الرئيسية التي فقدتها إسرائيل على مدى العام الماضي وهي قوتها الرادعة تجاه أعدائها في المنطقة.
لا يزال من المبكر للغاية أن نستنتج ما إذا كانت إسرائيل قد حققت هذا الهدف، ولكن العمليات ربما كان لها أيضاً تأثير رادع أوسع نطاقاً، يتجاوز أعداء إسرائيل الأكثر مباشرة.
وبينما لم تقل الحكومة الإسرائيلية أي شيء لتأكيد مثل هذا الاستنتاج، فإن جميع أنصار القضية الفلسطينية ومنتقدي السياسة الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم لا يمكنهم إلا أن يلاحظوا الرسالة الأساسية التي تتمثل في أنه يمكن لإسرائيل أن تفعل ما تريد، في كل مكان، مع الإفلات من العقاب.
إن حياة الناس العادية، بما في ذلك استخدامهم للأجهزة الإلكترونية، ليست فقط عرضة للتنصت الإسرائيلي، ولكن يمكن أيضاً استخدام هذه الأجهزة لإيذائهم جسدياً إذا قررت إسرائيل أن ذلك في مصلحتها، بعبارة أخرى، يجب الآن ترميم قوة الردع الإسرائيلية عالمياً ضد جميع الأعداء المحتملين، سواء كانوا عسكريين أو سياسيين بعد الضرر الذي لحق بها بعد السابع من أكتوبر.
في مثل هذا السياق المذهل، حيث من الممكن نظريا أن تكون سلسلة التوريد الرقمية العالمية بأكملها معرضة للخطر، أو على الأقل السلسلة الغربية، بسبب تعاونها الوثيق والأعمى في كثير من الأحيان مع إسرائيل، قررت الولايات المتحدة وفرنسا التدخل.
عندما تستند المفاوضات إلى مقدمات خاطئة وتفكير حالم منفصل عن الحقائق على الأرض، فلا يمكن استغراب الخلوص إلى نتائج خاطئة
فعبر بيان مشترك بينها، دعت كل من أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة المتحدة إلى “وقف إطلاق نار فوري لمدة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية لتوفير مساحة للدبلوماسية نحو إبرام تسوية دبلوماسية”، جنباً إلى جنب مع تنفيذ قرار سابق لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.
من الناحية المثالية، فإن من شأن مثل هذا التوقف أن يفتح مجالًا أكبر للمفاوضات لمنع اندلاع حرب أوسع نطاقًا في لبنان، والسماح للمدنيين النازحين بالعودة إلى ديارهم على جانبي الحدود، وتجديد فرص وقف إطلاق النار في غزة وإنفاذ صفقة الأسرى، لكن إسرائيل رفضت بالفعل الدعوة العالمية لوقف إطلاق النار في لبنان، حيث واصلت غاراتها الجوية يوم الخميس ثم نفذت يوم الجمعة أضخم عملية اغتيال لها منذ سنوات.
الدبلوماسية الغربية
وفي حين أن الدفع الدولي لإنهاء القتال في لبنان أمر مثير للإعجاب، فمن المشروع أن نغذي بعض الشكوك حول هذه المحاولة الإضافية للدبلوماسية الغربية، فلماذا، بعد أيام من التصعيد الدموي، تنجح مبادرة السلام التي يقودها الدبلوماسي الإسرائيلي الأمريكي والجندي الإسرائيلي السابق عاموس هوكشتاين الآن، بعد أكثر من عام من المحاولات الفاشلة لتهدئة الوضع على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية؟
نعم، لقد نجح هوكشتاين في التوسط في اتفاقية حدود بحرية بين إسرائيل ولبنان في عام 2022، لكن هذا جاء في مصلحة الطرفين وفي ظروف مختلفة جداً عن الظروف الحالية.
ما هو مفاجئ هذه المرة بالتحديد هو الأساس المزعوم المقدم للادعاء بأن الدبلوماسية ستنجح، فقد نقل موقع أكسيوس عن مصدر مطلع بشكل مباشر على الخطط القول أنه: “إذا رأت حماس أن حزب الله يحصل على فرصة للتوصل إلى حل دبلوماسي، فقد يشجع ذلك قائدها يحيى السنوار على التحرك نحو التوصل إلى اتفاق أيضاً”.
ومن الجدير أن نتساءل أمام ذلك عن “العالم الموازي” الذي يعيش فيه أولئك الذين ابتكروا مثل هذا المنطق الذي يعتبر أن الذين كانوا يرون أن السبب الرئيسي لفشل مفاوضات غزة هو التخريب المتعمد من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الأمر الذي أكده فريق التفاوض الخاص به، كانوا مخطئين تماماً، ووفقاً لذات المنطق، فقد كان السنوار هو العقبة طوال الوقت، وكان كل ما يحتاج إليه هو فقط بعض الإقناع.
لا يسعنا إلا أن نتذكر تعريف ألبرت أينشتاين الشهير للجنون بأنه: “القيام بنفس الشيء مراراً وتكراراً وتوقع الحصول من ذلك على نتائج مختلفة”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)