عرب أمريكا يواجهون الإبادة والكراهية بإحياء ذاكرتهم وهويتهم

بقلم ميريل ربيز

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

في عام 1962، حققت الدكتورة أليكسا ناف الريادة في مجال الدراسات العربية الأمريكية من خلال بحثها في الهجرة من سوريا ولبنان إلى الولايات المتحدة، حيث لاحظت أن هذا المجال لم يحظَ باهتمام أكاديمي كبير، فبدأت بإجراء مقابلات مع المهاجرين العرب الأمريكيين لتوثيق تجاربهم.

وخلال عام 1984، تبرعت ناف بمجموعتها التي تضمنت روايات شفوية ومواد أرشيفية وقطعًا أثرية للمتحف الوطني للتاريخ الأمريكي التابع لمؤسسة سميثسونيان، حيث باتت المجموعة اليوم متاحة للجمهور ويمكن الوصول إليها عبر الإنترنت.

وشيئاً فشيئاً، بدأت ولايات أمريكية مثل أركنساس وهاواي وميشيغان ونيويورك وكارولاينا الشمالية وفرجينيا بالاعتراف بالتراث العربي الأمريكي، وخصصت له شهر أبريل/ نيسان الذي وقع عليه الاختيار باعتباره رمزاً للأمل والتجدد ولأنه لا يتداخل مع احتفالات التراث الأخرى.

وخلال عام 2021، أصبح جو بايدن أول رئيس أمريكي يعترف رسميًا بشهر التراث العربي الأمريكي على المستوى الفيدرالي.

الجذور والانتماء

وبخلاف الاعتقاد السائد، فإن العرب الأمريكيين ليسوا وافدين جددًا إلى هذه الأمة، بل إن قصتنا بدأت في أوائل القرن التاسع عشر، عندما فرّ العرب ومعظمهم من المسيحيين من الاضطهاد في ظل الإمبراطورية العثمانية، تاركين المنطقة التي تضم حاليًا سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.

واليوم، ووفقًا للمعهد العربي الأمريكي، فإن “غالبية العرب الأمريكيين الذين يبلغ عددهم من ثلاثة إلى أربعة ملايين نسمة مولودون في الولايات المتحدة، و٨٥% من العرب في الولايات المتحدة مواطنون أمريكيون”.

وعلى العموم، فإن لهذه الذكرى السنوية أهمية على مستويات عديدة، فهي تؤكد مكانتنا في الولايات المتحدة، وتُقر بمساهماتنا في عظمتها في مجالات لا حصر لها، كما تسمح لنا بتثقيف الجمهور وتحدي الصورة النمطية العنصرية التي تصف جميع العرب بالإرهابيين وغير المتحضرين.

لكن، ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، كشف عدوان الاحتلال على غزة الذي دخل شهره الثامن عشر عن المدى الذي بلغه هذا البلد في قلة احترامه لأرواح العرب وأصواتهم.

وبالنسبة للكثير منا، فقد طغت عمليات القتل الجماعي والخيانة السياسية على ما كان يومًا ما احتفالًا بهيجًا بتراثنا

فقد أفادت منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، بأن دولة الاحتلال ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، غير أن هذه التقارير لم تثن بايدن عن دعمه للاحتلال، حيث وافق على تزويده بشحنة أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار موضحًا أننا في نظر القوة الأمريكية مجرد أشخاص يمكن الاستغناء عنهم، وهو واقع تفاقم الآن بعودة دونالد ترامب إلى السلطة.

أرواح يمكن الاستغناء عنها

ولطالما كانت العنصرية أو المصلحة الذاتية هي الدافع وراء السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم العربي، فقد حصر قانون الجنسية لعام 1790 منح الجنسية للمهاجرين البيض، مما أجبر آلاف الأمريكيين العرب على تعريف أنفسهم كبيض في النماذج الفيدرالية.

وحدد قانون الهجرة لعام 1924 (قانون جونسون-ريد) حصصًا للحد من الهجرة من آسيا، واعتُبر السوريون واللبنانيون أقل شأنًا عرقيًا وغير مؤهلين للهجرة إلى الولايات المتحدة.

وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اعتبرت الحكومة الأمريكية العرب والمسلمين تهديدًا للأمن القومي، وأخضعتهم للمراقبة، منتهكة بذلك حقوقهم الدستورية.

وفي عام 2002، طُلب من جميع الرجال العرب والمسلمين التسجيل لدى الحكومة، ومن بين من أشادوا بهذه السياسة المعلق السياسي مايكل سميركونيش، الذي دعا صراحةً إلى التحقق الدقيق في هويات جميع العرب في كتابه “الطيران أعمى: كيف تستمر الصوابية السياسية في المساس بسلامة الطيران بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر”.

واليوم، لا يزال سميركونيش مذيعًا محترمًا في قناة CNN، وهو تذكير بأن من يروجون لآراء عنصرية صارخة عن العرب ليسوا مُستبعدين من الحياة العامة، بل مُرحب بهم من قِبل التيار السائد في المجتمع الأمريكي.

ففي عام 2011، أوقف الرئيس أوباما البرنامج، لكنه استمر في دعم الوضع الراهن العنصري، وبالطبع، لم يبدأ هذا الاستهداف بالمراقبة والتسجيل بل اتخذ بالفعل شكلاً أكثر عنفاً في الخارج.

ففي مارس/آذار 2003، غزت الولايات المتحدة العراق، متعهدةً بالقضاء على أسلحة الدمار الشامل المزعومة وإنهاء ديكتاتورية صدام حسين، لكن الرئيس السابق جورج دبليو بوش أقر في مذكراته “نقاط القرار” بخطأ الحرب وأقرّ بمعلومات استخباراتية خاطئة.

كانت عواقب تلك الحرب مدمرة، فقد قُتل آلاف المدنيين العراقيين، وشُرد عدد أكبر بكثير، وتُرك بلد بأكمله في حالة خراب. 

وعلى الرغم من المزاعم الخطيرة بارتكاب الولايات المتحدة جرائم حرب في العراق، والدعوات إلى التعويضات، والاعتراف واسع النطاق بأن الغزو كان خطأً، لم تعتذر الحكومة الأمريكية قط.

الكراهية المُألوفة

السياسة الخارجية الأمريكية هي محرك رهاب العرب في هذا البلد، ففي عام 2017، أصدر الرئيس ترامب، على نحو غير مفاجئ، قرار “حظر المسلمين” سيئ السمعة، الذي قيّد السفر من سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، وها نحن اليوم نعيش على وقع الاحتمال بإحياء هذه السياسة، مع فرض قيود على 43 دولة.

ووُلد بصيص من الأمل مع نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس، التي أصبحت المرشحة الديمقراطية للرئاسة في أغسطس 2024، لكنها سرعان ما نفرت الجالية العربية الأمريكية عندما أعلنت صراحةً بأنها لن تنحرف عن سياسة بايدن تجاه الاحتلال وغزة.

وليست السياسة هي المجال الوحيد المُصاب برهاب العرب، بل إن الإعلام متواطئ بنفس القدر، فكم من فيلم يُصوّر الشرير كرجل أسمر يرتدي كوفية؟ كم مسلسل جريمة يُصوّر العرب كإرهابيين أبديين؟ وكم مرة تنشر الصحف عن حصيلة الضحايا في غزة دون تسمية الجناة؟

لا شك أن رهاب العرب سياسة مُمنهجة ومُربحة في الولايات المتحدة، بل هي سياسة تسربت إلى كل قطاع وأصبحت شبه طبيعية.

يحل شهر التراث العربي الأمريكي في الوقت الذي يشن فيه ترامب حربًا على العرب الأمريكيين، وخاصةً أولئك الذين يدعمون فلسطين.

لكننا ومع ذلك، سنحتفل نحن العرب الأمريكيون بتراثنا، سنغني ونرقص ونحتضن الحياة، سنتذكر موتانا ونحملهم في قلوبنا، سننطق بأسمائهم وخاصةً أسماء الأطفال منهم لأنهم لم يكونوا يومًا مجرد أرقام، ولنترك العالم ينظر إلينا كما يشاء، من خلال منظوره الاستشراقي العنصري، فنحن لا ننتظر موافقة أحد، سنضحك ونحن نسترجع كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش:

لا أتوسل الصدقات من بابك

ولا أصغُر أمام بلاط أعتابك

فهل تغضب ؟

سجل أنا عربي

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة