بقلم شيرين هنداوي وايت
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يقدم كتاب فرانز فانون “المعذبون في الأرض” دراسة حالة عن مفتش شرطة أوروبي تم توظيفه لاستجواب الجزائريين وتعذيبهم في سبيل الحصول على معلومات حول المقاومة ضد الاستعمار.
غير أن المفتش يقرر استشارة طبيب نفسي بسبب انتقال السلوك الوحشي الذي يمارسه خلف أبواب غرف الاستجواب المغلقة بإحكام إلى حياته المنزلية بطريقة لا يمكن السيطرة عليها، حيث تأخذ اعتداءاته على زوجته وأطفاله الثلاثة منحى لا يمكن السيطرة عليه إلى حد قيامه يوماً بربط زوجته إلى كرسي كما يفعل مع ضحاياه الجزائريين.
يدرك المفتش جيداً أن كوابيسه وسلوكه العنيف هو نتيجة مباشرة لمهنته، لكنه لا ينوي التخلي عن سلطة الشرطة، بل يذهب بدلاً من ذلك إلى الطلب من فانون مساعدته في مواصلة تعذيب الجزائريين دون أن يشعر هو بالآثار النفسية المنعكسة عن تلك الممارسات في بيته.
لم يكن بمقدوري إلا أن أفكر في دراسة الحالة هذه من الجزائر المستعمرة عند مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو الفاسدة التي يشاركها عناصر القوات الإسرائيلية بفخر على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، وخصوصاً اتجاه الجنود الذكور الذين يوثقون قيامهم بالنهب والسلب والتفتيش وعرض الملابس الداخلية للنساء الفلسطينيات، الأمر الذي يوحي بالآثار المدمرة التي خلفتها الإبادة الجماعية للفلسطينيين على نفسية الإسرائيليين الذين يرتكبون هذه الإبادة.
في أحد مقاطع الفيديو المنحرفة التي لا تعد ولا تحصى، يصور جندي إسرائيلي نفسه وهو يقتحم غرفة نوم امرأة فلسطينية، حيث تخترق ثقوب الرصاص الجدار، ويقلب السرير المكسور، وتتناثر الأمتعة المهجورة على الأرض. وبينما كان يفتش خزانة المرأة ويعرض ملابسها الداخلية، قال الجندي بالعبرية بازدراء: “لقد قلت دائماً أن العرب هم أكبر العاهرات”.
يدل هذا التعليق، إلى جانب تصرفات الجندي المتطفلة، على الحالة النفسية التي تضررت بشدة بسبب مشاركته في العنف الاستعماري الاستيطاني، فهو يلجأ إلى كراهية النساء والعنصرية المعادية للعرب لتبرير فظائع الاحتلال، ورغم أنه لم يسمها، إلا أن جرائم الجندي تصرخ من فوضى غرفة نوم المرأة وتوحي بمحاولة للقيام بما اشتكى منه مريض فانون، مفتش الشرطة الأوروبية: عجزه عن ارتكاب التعذيب دون ندم.
الانتهاكات الجنسية وكراهية النساء
وفي مقطع فيديو عدواني مماثل على إنستغرام، يصور الجندي الإسرائيلي البريطاني المولد ليفي سايمون نفسه وهو يظهر السرور أثناء اقتحامه منزلاً خالياً في غزة، ولم يكشف أبداً عن مصير الفلسطينيين الذين كانون يقيمون فيه، لكنه يمد يده بجرأة إلى خزانة ذات أدراج ويلتقط حفنة من الملابس الداخلية النسائية، مدعياً: “في كل بيت في غزة، هذا ما أراه، درجان أو ثلاثة أدراج مملوءة بأكثر الملابس الداخلية غرابة التي يمكنك تخيلها”.
وبينما يحث سايمون أتباعه على الانضمام إليه في احتفالاته المعادية للنساء والإسلاموفوبيا، لا ينبغي لنا أن نتغاضى عن اعترافه بأنه يتعمد سرقة ممتلكات الفلسطينيين الأكثر خصوصية في “كل منزل في غزة”، والحقيقة أن إحساسه بأحقيته في التدخل في الحياة الرومانسية والجنسية للفلسطينيين النازحين أو المقتولين يشكل مؤشراً مرعباً لقدرة المحتلين على ارتكاب الانتهاكات والإفلات من العقاب.
وقد سمح هذا الإفلات من العقاب لإسرائيل بارتكاب أعمال عنف جنسي جماعي ضد الفلسطينيين لأكثر من 75 عاماً، وكما وثق الباحثون النسويون الفلسطينيون وكذلك المسؤولون الصهاينة أنفسهم، فإن عناصر الميليشيات الصهيونية قاموا باغتصاب وتعذيب العديد من الفلسطينيين الذين دمرت قراهم في نكبة عام 1948 بشكل منهجي.
وخلص تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022 حول نظام الفصل العنصري الإسرائيلي إلى أن السلطات الإسرائيلية أساءت إلى الفلسطينيين المحتجزين وتحرشت بهم جنسياً منذ عقود، وفي الآونة الأخيرة، كشفت الأمم المتحدة عن تقارير عن تعرض النساء والفتيات الفلسطينيات “لأشكال متعددة من الاعتداء الجنسي”، بما في ذلك الاغتصاب، على أيدي حراس السجون الإسرائيليين.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، كشفت الأونروا عن تقرير يشرح بالتفصيل تعذيب القوات الإسرائيلية وإساءة معاملتها لأكثر من 1000 فلسطيني وفلسطينية في غزة، بعد مشاهدة عدة مقاطع فيديو لجنود يحتفلون بعرض الملابس الداخلية لنساء فلسطينيات، لا يسع المرء إلا أن يتألم من الانتهاكات التي تحدث خلف الكواليس، يخيم هذا الألم على الصورة المزعجة التي نشرها الجندي الإسرائيلي بنيامين، البالغ من العمر 25 عاماً، وهو مواطن فرنسي، في ملفه الشخصي للمواعدة، كان يجلس مسترخياً ومسدسه في يده، وهو يبتسم وهو ينظر إلى مجموعة من الملابس الداخلية النسائية الفلسطينية المعلقة على الجدار.
يقدم عرض غنائم الإبادة الجماعية التي رعاها المحتلون مجموعة من الأسئلة المؤرقة ومنها، أين الأشخاص الذين كانوا يرتدون هذه الثياب قبل التقاط الصور الخاصة بهم؟ هل قام أحد من الجنود بتمزيق الملابس الداخلية عن أجساد النساء؟ وإذا كان الأمر كذلك؟ فما هي الفظائع التي يمكن أن يكون قد تعرض لها هؤلاء الفلسطينيون؟ ولأي غرض يسخر الجندي الصهيوني الذي يبحث علانية عن شريك رومانسي من قدرة الفلسطينيين على إقامة علاقات غرام؟ لماذا يقدم الجندي الصهيوني لشريكته القلائد والأحذية المنهوبة من ضحاياه الفلسطينيات؟ وماذا تكشف مثل هذه اللفتات عن تشويه الاستعمار الاستيطاني للرومانسية؟
“معايير مزدوجة”
وبالعودة إلى دراسة حالة فانون للحظة، فإن ما يذهلني هو العار الذي يشعر به المفتش الأوروبي إلى حد أنه يتوق إلى التخلص من مشاعر الذنب تجاه أفعاله ويرغب في حصر إجرامه في زنزانات الاستجواب والامتناع عن ذلك في أوساط عائلته، يعترف بتنفيذ التعذيب خلال مشاورته الخاصة مع فانون، ومع ذلك، فإن شهادته ليست شهادة رجل كان ينشر أفعاله كما يفعل الجنود الإسرائيليون.
ما الذي يجب علينا إذن أن نفهمه من حقيقة أن الإسرائيليين يوثقون بوقاحة مشاركتهم في الإبادة الجماعية للفلسطينيين؟ كيف نفسر المتعة المخيفة التي تظهرها الصور ومقاطع الفيديو خاصة عند إهانة المرأة الفلسطينية؟ ما الذي يمكن أن تكشفه تلك المتعة عن التخيلات الجنسية التي يرغبون في تفعيلها، أو التي قاموا بها بالفعل، على أجساد الفلسطينيين المستعمرين؟
لا يمكننا الرد على مثل هذه الأسئلة إذا رفضنا الأمثلة المذكورة أعلاه باعتبارها نوبات معزولة من كراهية الجنود للنساء والعنصرية المعادية للفلسطينيين، وبعبارة أخرى، لا يمكننا أن نكتفي بالتشكيك في النفوس الفردية ونتجاهل في المقابل المؤسسة الصهيونية، التي استهدفت دائمًا أجساد الفلسطينيين وحياتهم الجنسية، حيث يمثل احتلال الأرض وتدمير الفلسطينيين أنفسهم استراتيجيتين مزدوجتين في الهجوم الاستعماري الاستيطاني على الأصل الفلسطيني.
وبأخذ يوم المرأة العالمي في الاعتبار، يتعين علينا أن ندرك أيضاً كيف يتم تمكين العنف الجنسي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين من خلال النوع الاستعماري من الحركة النسوية المنتشرة في الغرب، فلسنوات عديدة، اختارت النسويات الاستعماريات بشكل انتقائي خطاب حقوق المرأة وحقوق الإنسان من حركات العدالة الاجتماعية بينما دعمن مادياً النظام الصهيوني الذي ينتشر في ظله العنف الجنسي ضد الفلسطينيين دون عواقب.
شخصيات مثل هيلاري كلينتون وكامالا هاريس، اللتين تجاهلتا تقارير متعددة حول الاغتصاب المنهجي والإساءة للفلسطينيين، كنّ حريصات جداً على تصنيف الرجال الفلسطينيين على أنهم مرضى بناءً على مقالة فقدت الكثير من مصداقيتها في صحيفة نيويورك تايمز تزعم ارتكاب “نمط من العنف الجنسي” ضد النساء الإسرائيليات في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
أين كان غضبهن قبل ثلاث سنوات عندما داهم جنود إسرائيليون مركزاً نسائياً في القدس المحتلة واعتقلوا النساء الفلسطينيات تعسفياً خلال فعالية للاحتفال بيوم المرأة العالمي؟ وأين كان غضبهن قبل ست سنوات عندما قدم محامي عهد التميمي أدلة على أن الناشطة الفلسطينية البالغة من العمر 16 عاماً تعرضت للتحرش الجنسي من قبل المحقق الإسرائيلي؟ أين كان غضبهن خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة عام 2014 عندما كان الخطاب العام الإسرائيلي يشجع بشكل نشط على العنف الجنسي ضد الفلسطينيين؟
أنا على يقين من أن صمتهن سيكون مصماً للآذان عندما تنشر الأونروا أحدث نتائجها بشأن التعذيب الإسرائيلي الذي تموله الولايات المتحدة ضد المعتقلين الفلسطينيين، فهل أجبرهم جنود الاحتلال على ترك منازلهم تحت تهديد السلاح أو حتى نزعوا عنهم ملابسهم؟؟
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)