يعتبر تراجع جامعة هارفارد عن قرارها برفض منح الرئيس السابق لـ هيومن رايتس ووتش زمالتها هزيمة لأولئك الذين يحاولون كتم الصوت الناقد لإسرائيل.
بقلم ريتشارد سيلفرشتاين
ترأس كينيث روث منظمة هيومن رايتس ووتش على مدار العقود الثلاثة الماضية، وخلال ذلك الوقت، قاد توسعًا تنظيميًا شهد زيادة في الميزانية والموظفين بأكثر من عشرة أضعاف، وكان ذلك دافعا وراء الكثير من أجندة حقوق الإنسان في العالم، لقد كان ناقدًا لتكافؤ الفرص، ولم تسلم أي دولة من نظرته الثاقبة.
كانت إسرائيل القضية الأشد خطورة على الإطلاق، ليس بسبب غموض القضايا المتعلقة بها- فإن انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي كانت واضحة منذ عقود- ولكن لأن جماعات الضغط المؤيدة لها بذلت قصارى الجهد لتحويل كل كشف وكل نقد إلى معركة وجودية.
أكثر ما توصلت إليه هيومان رايتس ووتش إثارة للجدل في نظر منتقديها كان تقرير عام 2021 الذي صدر بعنوان “تجاوز العتبة: السلطات الإسرائيلية وجرائم الفصل العنصري والاضطهاد”.
فإلى جانب تقارير مماثلة من منظمة العفو الدولية (2022) ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية غير الحكومية (2021)، وجد التقرير أن إسرائيل كانت نظام فصل عنصري “من النهر إلى البحر”.
برزت هذه التقارير بشكل خاص لأن مجموعات حقوق الإنسان، كانت قبل النشر بشكل عام تميز بين الاحتلال الإسرائيلي وإسرائيل نفسها (داخل الخط الأخضر).
وسرعان ما تم استنكار الاحتلال باعتباره نظام تفرقة عنصري وانتهاك للقانون الدولي، في حين كان ينظر إلى إسرائيل نفسها من قبل الكثيرين على أنها دولة ديمقراطية.
التزام مدى الحياة
كشفت هذه الوثائق الثلاث الرائدة الغطاء عن هذا الإجماع، لقد نظروا، لأول مرة، إلى إسرائيل وفلسطين ككيان واحد، وليس كيانين منفصلين، وهكذا، لم يكن الاحتلال الإسرائيلي حالة شاذة، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من الدولة نفسها: ليس شيئًا يمكن فصله بين إسرائيل الجيدة والاحتلال السيئ.
وعلى الرغم من الترحيب بهذه التقارير في جميع أنحاء العالم لتحليلها الدقيق للواقع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن الجماعات الموالية لإسرائيل كانت غاضبة، واتهم روث وهيومان رايتس ووتش بمعاداة السامية.
ينسب روث الفضل في التزامه الدائم بحقوق الإنسان إلى والده، اليهودي الذي هرب بصعوبة من ألمانيا الهتلرية عندما كان يبلغ من العمر 12 عامًا في عام 1938، إلا أن ذلك لم يوقف الافتراءات عليه.
فقد شجبت المجموعات المؤيدة لإسرائيل مثل رابطة مكافحة التشهير واللجنة اليهودية الأمريكية تقرير منظمة العفو، زاعمة أنه “يغذي معاداة السامية”.
حتى أن أحد النقاد، الأستاذ في جامعة بار إيلان جيرالد شتاينبرغ، اتهم روث بـ “هوس غير أخلاقي ضد إسرائيل”، وأحصى 400 تغريدة معادية لإسرائيل أضافها إلى لائحة الاتهام ضد روث.
وفي الأشهر التي أعقبت تقاعد روث عام 2022 من منظمة هيومن رايتس ووتش، بدأ مركز كار لسياسة حقوق الإنسان بجامعة هارفارد عملية تقييم للمرشحين لمنحة زمالة رفيعة المستوى في مجال حقوق الإنسان تُمنح للشخصيات البارزة في هذا المجال.
ومن بين المرشحين للزمالة، تميز روث بسبب سمعته كمدافع عن حقوق الإنسان وبسبب تقاعده مؤخرًا أيضا؛ وعليه، وجه له المركز الدعوة وقبلها، في حين كانت موافقة عميد كلية كينيدي، التي يعتبر مركز كار وحدة أكاديمية فيها، الإجراء الوحيد المتبقي.
الحرية الأكاديمية
وعادة ما تكون هذه الموافقات مجرد مجاملات بيروقراطية شكلية، فالعمداء لا يعيدون النظر في أعضاء هيئة التدريس في مثل هذه القرارات ابدا.
لكن هذه الحالة كانت مختلفة، إذ لم يتسبب روث بإثارة غضب الجماعات الموالية لإسرائيل فحسب، بل أغضب مانحيها، الذين كان بعضهم أيضًا مانحين رئيسيين لكلية كينيدي، فأبلغ العميد دين دوغلاس إلمندورف مركز كار أن زمالة روث لن تلقى الموافقة.
بينما يقوم الأكاديميون بتدريس السياسة، فإنه من المحرمات الافتراضية التحقيق مع مرشح أكاديمي حول سياساته الشخصية، قد لا يكون الأمر غير قانوني، لكنه يمثل انتهاكا للبروتوكول الأكاديمي.
والأسوأ من ذلك، أن إلمندورف بدا منزعجا من تغريدات روث التي كان بعضها فقط ما ينتقد إسرائيل، أكثر من انزعاجه من الموقف الموضوعي لهيومان رايتس ووتش.
بالمناسبة، كانت تغريدات روث تنتقد أيضًا العديد من البلدان الأخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإيران ودول أخرى.
في تلك المرحلة، أدرك أن هناك عوامل أخرى محتملة تؤثر على القرار برفض الزمالة.
وكتب في صحيفة الغارديان أن مشكلة هارفارد “تترك انطباعًا بأن المانحين الرئيسيين [للجامعات الأمريكية] قد يستخدمون مساهماتهم لمنع انتقاد موضوعات معينة، في انتهاك للحرية الأكاديمية، أو حتى أن مسؤولي الجامعة قد يتوقعون اعتراضات المانحين المحتملة على هيئة التدريس وآراء الأعضاء قبل أن يقول أي شخص أي شيء”.
حقوق الإنسان تربح والمال يخسر
عادة ما تنتهي هذه القصص بشكل سيء، تفشل العدالة وينتصر القوي، لكن ليس في هذه الحالة.
فقد احتشد طلاب جامعة هارفارد وأعضاء هيئة التدريس ضد قرار إلمندروف، وطالبوا بإلغائه ودعوا حتى إلى استقالة العميد، بينما عمموا حالة على تويتر تطالب برحيل العميد (#deanout) وقد تناولت وسائل الإعلام العالمية القضية.
وبعد موجة المعارضة هذه، لم ير إلمندورف أي خيار سوى عكس قراره، لقد فعل ذلك في بيان متناقض إلى حد ما، ذكرته صحيفة نيويورك تايمز: “المانحون لا يؤثرون على قراراتنا في الأمور الأكاديمية”، ولم يحدد سبب رفضه زمالة روث باستثناء قوله إنها “تستند إلى تقييمي لمساهماته المحتملة في الكلية”.
بالنسبة إلى روث، قال إلمندورف، “آمل أن يتمكن مجتمعنا من الاستفادة من خبرته العميقة في مجموعة واسعة من قضايا حقوق الإنسان”.
على ما يبدو، قرر إلمندورف في مرحلة ما أن روث لن يقدم “مساهمة جادة في الكلية”، ولكن بعد الضجة، قرر أنها “ستستفيد من خبرته العميقة”.
كيف لهكذا تراجع أن يتم؟
كان روث، من جانبه، كريمًا، لكنه لم يترك الأمور تهدأ، لقد تعمّد أن يلقن إلمندورف درسًا من خطئه، فكتب على تويتر: “لم يقل العميد إلمندورف … أي شيء عن الأشخاص ‘الذين يهمونه’ [أي المانحين] الذين قال إنهم وراء قراره الأصلي باستخدام حق النقض. الشفافية الكاملة مهمة للغاية لضمان ألا يُمارَس هذا التأثير في حالات أخرى”.
لحسن الحظ، كان هذا انتصارًا لحقوق الإنسان والحرية الأكاديمية، وهزيمة لأولئك الذين يحاولون خنق التعبير الناقد لإسرائيل، وقد يكون هناك غيرها الكثير.