عشرة أمور يمكن أن تفعلها المملكة المتحدة إذا كانت تهتم حقًا بالفلسطينيين

بقلم ألكسندرا هول هول
ترجمة وتحرير نجاح خاطر

غالبًا ما يُندد مؤيدو دولة الاحتلال بما يعتبرونه “معايير مزدوجة” تُطبق عليها في الساحة الدولية، مشيرين إلى أنها تتعرض لعدد غير مسبوق من قرارات الإدانة الصادرة عن الأمم المتحدة مقارنة بأي دولة أخرى. ويجادلون بأنها تُستهدف بانتقادات غير متناسبة إزاء تعاملها مع الفلسطينيين، خصوصًا منذ الهجوم الكاسح والمدمر على قطاع غزة عقب العمليات المسلحة التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

يتساءل هؤلاء عن غياب الاهتمام المكافئ، سواء في الرأي العام أو الإعلام، تجاه أزمات إنسانية مروعة أخرى مثل ما يجري في السودان أو ميانمار، بل إنهم يرفضون في كثير من الأحيان أي انتقاد موجه لأفعال دولة الاحتلال، زاعمين أن هذه الانتقادات مدفوعة بمعاداة السامية، وهي تهمة خطيرة، تعمد إلى خلط واضح بين الكراهية الحقيقية لليهود كجماعة، وبين النقد المشروع للسياسات والممارسات القمعية التي تنتهجها دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هذه الاستراتيجية، التي باتت مألوفة، تُستخدم لصرف الانتباه عن جوهر الانتهاكات، وتستحضر شعورًا تاريخيًا بالذنب في الغرب تجاه المحرقة ومعاناة اليهود في مرحلة التأسيس الأولى لدولة الاحتلال، حين كانت محاطة بدول عربية رافضة لوجودها، غير أن المشهد اليوم انقلب رأسًا على عقب.

فدولة الاحتلال لم تعد ذاك الكيان الهش الذي يصارع من أجل البقاء، بل هي اليوم أكثر الكيانات تفوقًا عسكريًا في المنطقة، فلم يعد الإسرائيليون هم المهددين بالطرد إلى البحر، بل الفلسطينيون هم من يُسحق وجودهم تدريجيًا، في عملية ممنهجة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

نعم، كان من حق دولة الاحتلال أن تتخذ تدابير أمنية عقب أحداث 7 أكتوبر، بما في ذلك العمل على تحرير الأسرى الإسرائيليين، لكن الرد العسكري في غزة تجاوز كل ما يمكن وصفه بالمشروع أو المتناسب.

لقد ارتُكبت جرائم ترقى لانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، من استهداف مباشر للمدنيين والطواقم الطبية والصحفيين، إلى تدمير البنية التحتية للحياة في القطاع، ولا يبدو أن لهذا الهجوم الوحشي هدفًا استراتيجيًا يحقق أمنًا طويل الأمد أو سلامًا حقيقيًا في المنطقة.

فشل أخلاقي غربي

ما يُثير القلق أكثر هو أن دولة الاحتلال تُمنح حصانة غير مبررة من المحاسبة على أفعالها، وهي حصانة لم تكن لتُمنح لأي دولة أخرى ترتكب جرائم مشابهة. وكونها تُصنّف كـ”دولة ديمقراطية” حليفة للغرب، لا يعفيها من الخضوع لأعلى المعايير الأخلاقية والقانونية، بل يوجب ذلك.

في أزمات إنسانية أخرى، كما في السودان، ورغم ارتكاب جرائم حرب من الطرفين، فإن القوى الغربية تحاول الحفاظ على مسافة واحدة، أما في حالة دولة الاحتلال، فإن الدول الغربية – وفي مقدمتها المملكة المتحدة – تواصل دعمها سياسيًا، وعسكريًا، واستخباراتيًا، مع التردد في إدانة الجرائم، رغم حجم الضحايا من الفلسطينيين الذي بلغ مستويات كارثية.

هذا التواطؤ يُعد فشلاً أخلاقيًا جسيمًا. فعدا عن بعض بيانات القلق الشكلية، وفرض عقوبات رمزية على عدد محدود من الشخصيات اليمينية المتطرفة في حكومة الاحتلال، لم يُتخذ أي إجراء ملموس لحماية المدنيين الفلسطينيين أو لكبح جماح آلة القتل في غزة.

المفارقة أن دولة الاحتلال أصبحت التجسيد الصارخ للفشل الغربي في الوفاء بتعهداته المعلنة بشأن حقوق الإنسان، وشعار “لن يتكرر ذلك أبدًا” الذي رفعته أوروبا والعالم بعد الهولوكوست.

في لحظة كتابة هذه السطور، ينتظر الفلسطينيون وعائلات الأسرى الإسرائيليين ما إذا كانت الجهود الأمريكية لفرض وقف إطلاق نار ستُثمر. وإن فشلت كما فشلت سابقاتها، فإليك ما يمكن أن تفعله الحكومة البريطانية إن كانت صادقة في اهتمامها بالشعب الفلسطيني:

1) فرض منطقة حظر جوي فوق غزة

كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور في التسعينيات منطقة حظر جوي فوق شمال العراق لحماية الأكراد والمسلمين الشيعة من نظام صدام حسين، يمكن للمملكة المتحدة أن تقترح فرض منطقة مماثلة فوق غزة.

في عام 1991، قال ميجور: “ليس لدينا ترف الانتظار… لا وقت لإهمالهم، هم بحاجة إلى الحماية الآن”، واليوم، وبعد أن أسهمت طائرات بريطانية مؤخرًا في حماية دولة الاحتلال من هجوم إيراني، أليس من المنطقي أن تُستخدم هذه القدرات لحماية المدنيين في غزة من قصف جيش الاحتلال؟

2) مرافقة قوافل المساعدات

كما فعلت القوات الدولية لتأمين الإمدادات في حرب البوسنة، يمكن للمملكة المتحدة أن تعرض مرافقة قوافل المساعدات إلى غزة، مما يعالج مخاوف الطرفين: تلك المتعلقة بتحويل المساعدات من قبل حماس، ومخاوف المدنيين من تعرضهم للاستهداف أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء أو الدواء.

في مؤتمر عام 1992، قال ميجور: “يجب أن نضمن وصول الإمدادات الإنسانية، لا نسعى لمواجهة أي طرف، لكننا مصممون على إيصال المساعدات”.

3) الاعتراف بالدولة الفلسطينية

لقد كان هذا وعدًا انتخابيًا لحزب العمال عام 2019، ثم لحزب العمال مرة أخرى في 2024، لكننا سئمنا من الحديث عن “الوقت المناسب” للاعتراف، وكأن الفلسطينيين لم يعانوا بما فيه الكفاية، أو كأن الاعتراف بدولتهم هو مكافأة لحسن سلوكهم!

لقد اعترفت المملكة المتحدة بإسرائيل عام 1950، بعد عامين فقط من إعلان قيامها، رغم أنها لم تكن قد وضعت دستورًا، ولا التزمت بقرارات التقسيم، ولا أعادت اللاجئين الفلسطينيين. وإذا كان الهدف هو دعم حل الدولتين، فإن الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية ليس هو ما يقوّض هذا الحل، بل الواقع اليومي من توسع الاستيطان والضم الزاحف.

الاعتراف بفلسطين لا يمنحها استقلالًا فعليًا، لكنه يرسل رسالة سياسية واضحة بأن للفلسطينيين حقًا مشروعًا في تقرير مصيرهم، وأن القانون الدولي يجب أن يُطبق بعدالة على الجميع.

4) تجميد صادرات السلاح لدولة الاحتلال

وفقًا لمنظمة “أوكسفام”، بلغت صادرات المملكة المتحدة من الأسلحة لدولة الاحتلال نحو 574 مليون جنيه إسترليني منذ 2015، بينما يشير تحقيق أجرته شبكة “سكاي نيوز” إلى أن حكومة المملكة المتحدة أصدرت 100 رخصة تصدير جديدة منذ هجوم 7 أكتوبر، بما في ذلك معدات يُحتمل استخدامها في دبابات “ميركافا” الإسرائيلية.

رغم أن الحكومة تدّعي التزامها الصارم بالقوانين، فإنها لم تُجرِ أي مراجعة شفافة للضمانات الفعلية لاستخدام هذه الأسلحة، ولا كيف يمكن أن تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

إذا كانت المملكة المتحدة جادة في احترام القانون الدولي، فيجب على الأقل أن تُجمّد صادرات الأسلحة لدولة الاحتلال حتى يثبت أنها لا تُستخدم ضد المدنيين الفلسطينيين.

5) دعم التحقيقات الجنائية الدولية

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قيادات في دولة الاحتلال، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، إلى جانب قيادات من حماس، لكن رد الحكومة البريطانية كان مائعًا، ورفضت تأييد هذه الخطوة.

إذا كانت الحكومة البريطانية تؤمن فعلًا بـ”القانون الدولي القائم على القواعد”، فكيف يمكن أن تعارض مذكرات التوقيف عندما تصدر ضد دولة الاحتلال، بينما تؤيدها عندما تصدر ضد بوتين أو قيادات أفريقية أو عربية؟

الازدواجية هنا فاضحة، وتُقوّض مصداقية النظام الدولي بأسره.

6) دعم المساءلة في الأمم المتحدة والمحافل الدولية

لطالما استخدمت المملكة المتحدة نفوذها الدبلوماسي لإضعاف أو تعطيل قرارات تدين انتهاكات دولة الاحتلال، بل إنها امتنعت عن التصويت في العديد من التحقيقات الأممية بشأن الجرائم المرتكبة في غزة، تحت ذريعة “عدم التوازن” أو “عدم الجدية”.

لكن أي تحقيق يفقد مصداقيته حين يُمنع من الوصول إلى مسرح الجريمة أو تُرفض نتائجه دون مراجعة موضوعية، إذا كانت بريطانيا ملتزمة فعلًا بحماية النظام القائم على القوانين، فيجب أن تعطي الأولوية للحقيقة والعدالة، لا لحماية الحلفاء.

وإذا كانت الحكومة البريطانية تعترض على نتائج لجان التحقيق الحالية، فبإمكانها أن تدفع نحو تشكيل بعثات تقصي حقائق مستقلة ذات مصداقية، لا أن تضع العراقيل أمام أي محاولة لمحاسبة دولة الاحتلال.

7) كشف النفاق الإعلامي والسياسي

يمكن للمسؤولين البريطانيين، إن أرادوا، أن يكشفوا التحيز الفاضح في التغطية الإعلامية التي تبالغ في إظهار معاناة المستوطنين، بينما تختزل المجازر بحق الفلسطينيين إلى أرقام بلا وجوه أو قصص.

يمكنهم أن يلفتوا الانتباه إلى التناقض في الاهتمام الدولي، حين يُعقد مؤتمر طارئ لرهينة إسرائيلية، بينما لا يهتز ضمير العالم لموت آلاف الأطفال جوعًا في غزة.

يمكنهم، في لحظة شجاعة، أن يقفوا مع المظلوم دون خوف من تهمة معاداة السامية، التي أصبحت تُستخدم أداة لتكميم الأفواه، بدل أن تكون سلاحًا لمحاربة الكراهية الحقيقية.

8) دعم جهود إعادة الإعمار وضمانات الحماية

إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق نار حقيقي، يمكن للمملكة المتحدة أن تلعب دورًا محوريًا في تنسيق جهود إعادة إعمار غزة، لكن ذلك لا يجب أن يقتصر على الإسمنت والحديد.

المطلوب هو التزام سياسي حقيقي يضمن عدم تكرار الكارثة، وتوفير ضمانات حماية دولية للفلسطينيين، تشمل مراقبة أممية محايدة، وفتح المعابر، وضمان تدفق المساعدات، ومحاسبة كل من يخرق الاتفاق.

إعادة الإعمار لا يجب أن تكون مجرد وسيلة لـ”تسكين” الأزمة حتى تعود الانفجارات بعد سنوات قليلة، بل المطلوب هو معالجة جذرية للظلم، لا مجرد التخفيف من أعراضه.

9) الاعتراف بالمسؤولية التاريخية

لعبت بريطانيا دوراً تاريخياً لا يمكن التنصل منه، من وعد بلفور إلى الانتداب، كانت بريطانيا طرفًا أساسيًا في صياغة المأساة الفلسطينية، فالمطلوب ليس الاعتذار فقط، بل الاعتراف بأن للمملكة المتحدة التزامًا أخلاقيًا خاصًا تجاه الشعب الفلسطيني.

وهذا الاعتراف لا يعني الانحياز لطرف على حساب آخر، بل الوقوف إلى جانب المبادئ التي تدّعي المملكة المتحدة الدفاع عنها: حقوق الإنسان، العدالة، وكرامة الإنسان.

10) فعل “الصواب”… لا “الممكن فقط”

في عام 1999، قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، مبررًا تدخل بلاده في كوسوفو: “هؤلاء هم إخواننا في الإنسانية… نساء مسنات يُذللن، وشباب يُذبحون، فقط لأنهم ألبان، نعم، التدخل محفوف بالمخاطر، لكنه ببساطة الشيء الصحيح الذي يجب فعله”.

اليوم، يموت الفلسطينيون فقط لأنهم فلسطينيون، لأنهم في المكان الخطأ، في الزمن الخطأ، تحت احتلال لا يعترف بوجودهم أصلًا.

إذا أرادت المملكة المتحدة أن تكون على الجانب الصحيح من التاريخ، فعليها أن تتجاوز لغة القلق والتنديد، وأن تتخذ خطوات جريئة لحماية الفلسطينيين.

لأن هذا، ببساطة، هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة