بقلم محمد عرسان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد كنت واحداً من 17 صحفياً عربياً دعتهم وزارة الخارجية الألمانية مؤخراً للمشاركة في حوار مع الحكومة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وكان الهدف توضيح موقف ألمانيا من الحرب الإسرائيلية على غزة.
على مدى 7 أيام، ظل السياسيون الألمان يرددون باستمرار عبارة: “نحن نقف بثبات في دعم حق إسرائيل في الوجود”، مما دفع أحد الصحفيين الفلسطينيين إلى سؤالهم: “ماذا عن حقنا كفلسطينيين في الوجود عندما تتم إبادتنا على يد حكومة فاشية باستخدام الأسلحة الألمانية؟”.
كانت التوترات واضحة في الملتقى منذ بدايته، خاصة بين الصحفيين الفلسطينيين الذين يعيشون في قلب الصراع، فقد كانوا صريحين بشكل خاص في التعبير عن إحباطهم من موقف ألمانيا، الذي يتشبث بتسليح إسرائيل مقابل قطع الدعم عن المنظمات الإنسانية الفلسطينية.
ألمانيا بإمكانها أن تلعب دوراً أكثر إيجابية في دفع عملية السلام إذا تبنت سياسات تدعم حقوق الإنسان بشكل حقيقي، بما في ذلك حق الفلسطينيين في الحياة
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وعقب محرقة النازية، تبنت ألمانيا سياسة قوية لدعم إسرائيل حتى أصبح هذا الدعم هو حجر الزاوية في سياسة برلين الخارجية بل وتحول إلى التزام دائم، فدعم ألمانيا لإسرائيل يتجاوز مجرد تأييد حقها في الدفاع عن النفس، بل يمتد إلى توفير المعدات العسكرية المتقدمة، بما فيها الغواصات وأنظمة الأسلحة.
شريك في الإبادة
خلال زيارتنا إلى برلين، قمنا بأخذ جولة في فيلا وانسي، التي قرر فيها كبار أعضاء الحزب النازي عام 1942 ارتكاب المحرقة، وهي واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ، ولكن الساسة الألمان كثيراً ما يربطون ذنبهم إزاء هذه الجرائم ضد اليهود بدعمهم غير المشروط لإسرائيل، حتى في هيئته الفاشستية، وكأن دعم إسرائيل يعادل دعم اليهود!
يضع هذا الدعم غير المشروط ألمانيا في موقف صعب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحروب الإسرائيلية المتكررة على غزة، حيث تؤدي هذه الحروب إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، مما يجعل الدعم الألماني يبدو وكأنه تواطؤ مع السياسات الإسرائيلية التي تسبب معاناة هائلة في ظل الحصار المستمر على غزة.
من ناحية أخرى، فإن إصرار ألمانيا على الربط غير العادل بين الصهيونية واليهودية يضر بالشعب اليهودي نفسه، ففي الوقت الذي تعمل فيه ألمانيا على توفير الأسلحة والدعم السياسي لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفاشية، تعمل ألمانيا على إضعاف أصوات المعارضة المدنية الإسرائيلية، بل وتفضل بدلاً من ذلك العناصر المتطرفة في الحكومة التي تغذي آلة الإبادة الجماعية.
إن هذا العبء التاريخي الثقيل وعقدة الذنب قد أجبرت ألمانيا على دعم إسرائيل دون قيد أو شرط في كافة المحافل الدولية، وفي حين أن هذا الدعم قد يكون مفهوماً في سياق العلاقات التاريخية، فإن استخدامه كذريعة للتغاضي عن انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان في غزة أمر غير مبرر لا أخلاقياً ولا سياسياً.
تحتاج ألمانيا اليوم إلى إعادة تقييم موقفها من الصراع في غزة، كما يجب عليها أن تحرر نفسها من أغلال التاريخ وتتبنى سياسة أكثر عدالة وإنسانية تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، فألمانيا بإمكانها أن تلعب دوراً أكثر إيجابية في دفع عملية السلام إذا تبنت سياسات تدعم حقوق الإنسان بشكل حقيقي، بما في ذلك حق الفلسطينيين في الحياة.
ويظل التحدي الأكبر الذي يواجه ألمانيا هو كيفية تحقيق التوازن بين التزامها تجاه إسرائيل والتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، حيث يمكنها أن تلعب دوراً بناء من خلال الضغط من أجل التوصل إلى حل سلمي وعادل للصراع، حل يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة، ومع ذلك، تظل الأولوية العاجلة اليوم هي وقف آلة القتل الصهيونية في لبنان وغزة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)