وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم الخميس على أمر تنفيذي يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيقاتها في ارتكاب كبار المسؤولين في دولة الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العدوان على غزة.
وجاء ذلك بعد زيارة قام بها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية إلى البيت الأبيض مؤخراً ولقائه بالرئيس ترمب.
وكانت الجنائية الدولية قد أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك، يوآف غالانت، إلى جانب ثلاثة من قادة حماس، استشهدوا جميعاً خلال عدوان الاحتلال الذي بدأ على غزة في العام 2023.
وبموجب الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب، تُفرض عقوبات مالية وعقوبات على منح التأشيرات على الذين يساعدون في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بشأن مواطنين أمريكيين أو حلفاء لواشنطن، وعلى عائلاتهم كذلك.
يذكر أن رئيس المحكمة الجنائية الدولية كان قد حذر في وقت سابق من أن العقوبات قد تشكل تهديداً وجودياً للمحكمة، كما حذر الخبراء من تأثير العقوبات على عمل المحكمة بما يتجاوز التحقيقات مع قادة الاحتلال.
وقال تود إف بوخوالد، وهو باحث قانوني وسفير سابق للولايات المتحدة في مجال العدالة الجنائية العالمية، لموقع ميدل إيست آي: “أخشى أن تستمر تداعيات هذا الأمر لفترة طويلة”.
وفيما يلي، نستعرض الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب وكيف يمكن حماية المحكمة من آثاره.
ما هو الأمر التنفيذي؟
الأمر التنفيذي هو توجيه صادر عن رئيس الولايات المتحدة له قوة القانون، وهو ليس تشريعاً، وهذا يعني أنه لا يتطلب موافقة الكونغرس، ولكن يجب أن يستند إلى سلطة دستورية أو قانونية قائمة.
وبموجب قانون الطوارئ الوطني لعام 1976، يتمتع الرئيس بسلطة إعلان حالة الطوارئ الوطنية، مما يفتح المجال أمام صلاحيات محددة تمنحها قوانين فيدرالية مختلفة بما في ذلك فرض عقوبات على الأفراد أو الحكومات الأجنبية.
وعلى الرغم من أن الأوامر التنفيذية تتمتع بسلطة كبيرة، إلا أنها تخضع للمراجعة القضائية ويمكن الطعن فيها في المحكمة إذا اعتبرت غير دستورية، لكن هذا أمر غير معتاد عندما يتعلق الأمر بالعقوبات، كما قال آدم كيث، مدير المساءلة في هيومن رايتس فيرست.
وأضاف: “المحاكم الأمريكية تحترم السلطة التنفيذية كثيراً، وغالباً لا يتم إثارة إجراءات العقوبات في المحكمة”.
كما يمكن للكونغرس تجاوز أمر تنفيذي من خلال تمرير تشريع جديد، على الرغم من أن هذا يتطلب توقيعاً رئاسياً أو أغلبية لا تملك حق النقض.
وفي أمره التنفيذي الصادر في 6 فبراير/شباط، أعلن ترمب حالة الطوارئ الوطنية لمعالجة التهديد المزعوم بتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية حول الأشخاص الذين يعتبرون محتجين بموجب هذا الأمر.
لماذا يفرض ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية؟
وأورد ترمب في الأمر التنفيذي أن المحكمة الجنائية الدولية “انخرطت في أعمال غير مشروعة ولا أساس لها تستهدف أمريكا وحليفتنا الوثيقة إسرائيل”.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا دولتين طرفين في نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أسست المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي عام 2002.
وقد عارضت كلتا الدولتين تحقيق المحكمة الذي أطلقته المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا في عام 2021 بشأن فلسطين.
وكانت المحكمة قد استندت في حقها بالولاية إلى انضمام دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي في عام 2015، وعليه، يمكن للمحكمة التحقيق مع أفراد إسرائيليين عن جرائم ارتكبت في فلسطين المحتلة، والتي تشمل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
لكن دولة الاحتلال والولايات المتحدة طعنتا في ولاية المحكمة، وقالتا إنهما لا تعترفان بفلسطين كدولة، وأن دولة الاحتلال هي الأفضل للتحقيق بنفسها بموجب مبدأ التكامل كما هو منصوص عليه في المادة 17 من نظام روما الأساسي.
وقد كرر أمر ترامب هذا الرأي ووصف أوامر الاعتقال الصادرة عن الجنائية بأنها إساءة استخدام للسلطة.
وجاء في الأمر التنفيذي كذلك أن تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية تعرض القوات المسلحة الأميركية وأفرادها لخطر “المضايقة والإساءة والاعتقال المحتمل”، الأمر الذي قد يهدد بدوره السيادة الأميركية والإسرائيلية والأمن القومي.
وأشار الأمر إلى قانون حماية أفراد الخدمة العسكرية الأميركية لعام 2002، الذي صدر في عهد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، والذي قيد تعاون الولايات المتحدة مع المحكمة الجنائية الدولية وحتى أنه سمح باستخدام القوة لتحرير أفراد أميركيين محتجزين، مما أكسبه لقب “قانون غزو لاهاي”.
من هم المستهدفون بالعقوبات؟
وعلى عكس الأمر التنفيذي لعام 2020، الذي سمى المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية ونائبتها، لم يذكر الأمر التنفيذي الصادر يوم الخميس الأشخاص المستهدفين بالعقوبات، لكنه قال إنه سيعاقب المسؤولين عن تصرفات المحكمة الجنائية الدولية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويحظر الأمر الانتفاع بجميع الممتلكات والأصول الأمريكية من قبل الخاضعين للعقوبات، بمن فيهم المدرجين في الملحق الخاص بالأمر (لم يتم الإعلان عنه بعد)، والأشخاص الأجانب الذين شاركوا بشكل مباشر في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق أو مقاضاة شخص محمي.
والأشخاص المحميون هم مواطنون أمريكيون أو مواطنون من دول حليفة، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون الحاليون والسابقون وأفراد القوات المسلحة، كما سيتم أيضًا منع الأفراد الخاضعين للعقوبات وأفراد أسرهم المباشرين من دخول الولايات المتحدة.
” تركز عقوبات ترمب على نظام الدولار الأميركي الذي تتم من خلاله الكثير من المعاملات الدولية، وما تحتاج أوروبا إلى القيام به حقًا هو إنشاء نظام مضاد للعقوبات يوفر السيولة المالية لأي موظف في المحكمة يخضع لعقوبات ترامب”- كينيث روث، المدير السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش
ويُعتقد على نطاق واسع أن المحامي البريطاني كريم خان، المدعي العام الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية، من بين الخاضعين للعقوبات، لكن من الصعب قياس تأثير العقوبات دون معرفة الأشخاص المستهدفين.
وأشار بوخوالد إلى أن ملحق الأمر التنفيذي هو الذي قد يدرج فيه اسم المستهدف بالعقوبات، لكنه لفت إلى أن “الأمر المنشور على موقع البيت الأبيض لا يحتوي على ملحق”.
وقال لـ ميدل إيست آي: “لا أعرف كيف يُفترض أن يمتثل الناس، بما في ذلك الشركات الأمريكية، للأمر التنفيذي إذا لم يتم نشر الملحق”.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن العقوبات الأمريكية لها “تأثير مخيف” على البنوك والشركات خارج الولايات المتحدة التي يمكن منعها من التعامل مع النظام المصرفي الأمريكي إذا لم تدعم العقوبات، كما قد يواجه الأمريكيون غرامات والسجن لعدم الالتزام بالعقوبات.
وأوضحت منظمة حقوق الإنسان الأمريكية: “يبدو أن الأمر لم يصمم لترهيب مسؤولي المحكمة والموظفين المشاركين في التحقيقات الحاسمة للمحكمة فحسب، ولكن أيضًا لتجميد التعاون الأوسع مع المحكمة الجنائية الدولية، مما يؤثر على حقوق الضحايا على مستوى العالم”.
وأشار كيث إلى أن التأثير على عمل المحكمة يعتمد إلى حد كبير على من يتم فرض عقوبات عليه وعددهم.
ويوم الجمعة، حذر الاتحاد الأوروبي من أن لدى أمر ترمب القدرة على التأثير بشكل خطير على عمل المحكمة في جميع التحقيقات، وليس فقط في فلسطين، علماً أن المحكمة تحقق حاليًا في جرائم مزعومة في 16 حالة، بما في ذلك دارفور وأوكرانيا وفنزويلا وأفغانستان وميانمار.
ولفت متحدث باسم الاتحاد الأوروبي الانتباه إلى أن الأمر التنفيذي قد يمثل تحدياً خطيراً لعمل المحكمة الجنائية الدولية ومخاطر تتعلق بالتأثير على التحقيقات والإجراءات الجارية، بما في ذلك فيما يتعلق بأوكرانيا، مما يؤثر على سنوات من الجهود لضمان المساءلة في جميع أنحاء العالم”.
وفي ديسمبر/كانون الأول، حذرت رئيسة المحكمة، توموكو أكاني، من العقوبات المحتملة، قائلة إنها تمثل تهديدًا وجوديًا لأول مؤسسة دائمة للعدالة الجنائية الدولية.
وقالت إن “هذه الإجراءات من شأنها أن تقوض بسرعة عمليات المحكمة في جميع المواقف والقضايا وتعرض وجودها للخطر”.
كيف يمكن حماية المحكمة الجنائية الدولية؟
هناك تدابير يمكن للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية اتخاذها لمواجهة تأثير العقوبات، فمن الممكن، على سبيل المثال، استخدام قانون الحجب الخاص بالاتحاد الأوروبي لحماية المحكمة داخل أوروبا.
ويعتبر قانون الحجب لائحة تهدف إلى حماية الشركات وأفراد الكتلة الأوروبية من آثار العقوبات التي تفرضها دول من خارج الاتحاد.
ويركز القانون بشكل أساسي على حماية مشغلي الاتحاد الأوروبي من بعض العقوبات الأمريكية التي يُعتقد أنها ذات نطاق خارج الإقليم، مثل تلك المفروضة على كوبا وإيران.
وأوضحت ليز إيفنسون، مديرة العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش، أن قانون الحجب الخاص بالاتحاد الأوروبي من شأنه أن يضمن لمقدمي الخدمات في الاتحاد الأوروبي حماية معاملاتهم مع المحكمة الجنائية الدولية.
وأشار كينيث روث، المدعي العام الأمريكي والمدير التنفيذي السابق لهيومن رايتس ووتش، إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن ينشئ نظاماً مالياً يسمح لموظفي المحكمة بالعمل بغض النظر عن عقوبات ترمب.
من ناحية أخرى، تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالحق بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي في توجيه الاتهام إلى ترمب وغيره من المسؤولين الأميركيين الذين يقفون وراء العقوبات بعرقلة العدالة.
وقال روث إن التهديد لترمب لن يكون بالاعتقال، بل بعدم تمكينه من السفر إلى معظم الدول الأوروبية، وهي جميعاً أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية ضمن الدول البالغ عددها 125 دولة عضواً، وهي جميعاً ملزمة بالتعاون مع المحكمة إذا وجهت اتهامات إلى مسؤول ما.
وأشار روث إلى مثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الذي قيد سفره، بما في ذلك إلى قمة البريكس في جنوب أفريقيا، في أعقاب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه في عام 2022، وقال “سوف يصبح عالم ترمب أصغر بكثير”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)