بقلم أوسكار ريكيت وسيمون هوبر
ترجمة وتحرير مريم الحمد
تواجه هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، أسئلة حول الروابط التي تجمع بين أحد أعضاء مجلس إدارتها، روبي غيب، وأقدم صحيفة يهودية في العالم، “ذا جويش كرونيكل”، وذلك بعد أن سحبت الصحيفة سلسلة من المقالات لاحتوائها على اقتباسات ملفقة من قبل مسؤولين إسرائيليين.
يعد روبي غيب أيضاً عضواً في لجنة معايير التحرير المؤثرة في بي بي سي، وهي اللجنة التي تراجع تغطية هيئة الإذاعة البريطانية لحرب غزة، وهو نفس الشخص الذي قاد حملة أنقذ فيها الصحيفة اليهودية من الإفلاس عام 2020.
من جانب آخر، فقد كان من المقرر أن يشارك غيب في حدث دعي إليه من قبل الصحيفة، قبل أن يتم تأجيل الحدث وسط الضجة المحيطة بالصحيفة والتحذيرات من أن مشاركة غيب كانت “غير حكيمة”.
“لقد خرجت الصحيفة عن التقاليد التي بنت سمعتها كأقدم صحيفة يهودية في العالم، ففي كثير من الأحيان تحولت إلى أداة حزبية وأيديولوجية، وأصبحت أحكامها سياسية وليست صحفية” – جوناثان فريدلاند- صحفي بريطاني في الغارديان
يخضع غيب الآن للتدقيق من قبل بي بي سي، وذلك بعد نشر صحيفة ذا جويش كرونيكل لقصص كتبها المراسل المستقل، إيلون بيري، ثم التراجع عنها، حيث تضمنت القصص اكتشافات مثيرة للاهتمام من وثيقة قيل أنها اكتشفت في غزة وزُعم أنها تحوي خطة كتبها زعيم حماس، يحيى السنوار، للهروب من غزة مع الرهائن الإسرائيليين الذين تم احتجازهم خلال هجوم 7 أكتوبر.
لاحقاً، تنكر الجيش الإسرائيلي لوجود تلك الوثيقة، وشككت وسائل الإعلام الإسرائيلية في هوية بيري وخلفيته المهنية، مما دعا العديد من كتاب الأعمدة البارزين، بمن فيهم جوناثان فريدلاند من صحيفة الغارديان، إلى الإعلان عن عدم كتابته فيها مرة أخرى، وذلك في رسالة بعثها إلى محرر صحيفة ذا جويش كرونيكل، جيك واليس سيمونز، قال فريدلاند فيها أن الحادثة جلبت “وصمة عار كبيرة” للصحيفة، مشيراً إلى الافتقار إلى الشفافية.
كتب فريدلاند: “لقد خرجت الصحيفة عن التقاليد التي بنت سمعتها كأقدم صحيفة يهودية في العالم، ففي كثير من الأحيان تحولت إلى أداة حزبية وأيديولوجية، وأصبحت أحكامها سياسية وليست صحفية”.
رداً على هذه الاتهامات، قالت صحيفة ذا جويش كرونيكل في بيان لها، أنها أنهت ارتباطها ببيري وسحبت مقالاته من موقعها على الإنترنت، وجاء في بيانها: “تحافظ صحيفة ذا جويش كرونيكل على أعلى المعايير الصحفية، ونحن نأسف بشدة لسلسلة الأحداث التي أدت إلى هذا الخلاف، نعتذر لقرائنا الأوفياء وقد قمنا بمراجعة عملياتنا الداخلية حتى لا يتكرر هذا الأمر”.
لقد أدت الفضيحة إلى قيام المحرر السابق لصحيفة الغارديان والذي سبق له التحقيق في ملكية صحيفة جويش كرونيكل، آلان روسبريدجر، بالتشكيك في موقف غيب الموجود في لجنة معايير التحرير في بي بي سي، حيث قال في حديث مع بي بي سي: “لا أستطيع أن أرى كيف يمكن أن يجلس في تلك اللجنة ويصور نفسه على أنه مثال للحياد، بل ويحكم على صحفيي بي بي سي”.
هذا الرأي ردده أيضاً مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني (كابو)، كريس دويل، في حديثه مع موقع ميدل إيست آي: “إن مشاركة أحد كبار الشخصيات في هيئة الإذاعة البريطانية في عملية الاستحواذ على صحيفة ذا جويش كرونيكل يدعو إلى التشكيك في نزاهته”.
وأضاف دويل بأن صحيفة ذا جويش كرونيكل “قادت أجندة يمينية نشطة للغاية” في عهد سيمونز وسلفه ستيفن بولارد، وهو ما يمثل تحولاً حاداً عن تاريخها كصحيفة كانت انعكاساً للمواقف المختلفة التي تمثلها أطياف الجالية اليهودية في بريطانيا تجاه فلسطين وإسرائيل.
من جانبه، كتب المجلس الإسلامي البريطاني إلى هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي للتعبير عن “القلق العميق” حول دور غيب، داعياً الهيئة إلى النظر فيما إذا كان من المناسب بقاؤه في لجنة معايير التحرير، حيث جاء في الرسالة: “نعتقد أن السير روبي غيب لا يمكنه الحكم بشكل موضوعي على حياد هيئة الإذاعة البريطانية في موضوع حساس للغاية مثل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة، في حين أن دوره في الصحيفة التي أظهرت تحيزاً واضحاً ضد الفلسطينيين يظل داعماً بالكامل”.
إنقاذ الصحيفة من التصفية
لقد ذكرت صحيفة ذا جويش كرونيكل أن غيب هو زعيم التحالف الذي اشترى الصحيفة في أبريل عام 2020 من أجل إنقاذها من التصفية، ومنذ ذلك الحين وحتى أغسطس من هذا العام، كان غيب، وفقاً للسجلات العامة، المدير الوحيد لشركة ذا جويش كرونيكل ميديا التي تمتلك الصحيفة.
في يوليو الماضي، كتبت صحيفة ذا جويش كرونيكل أن غيب كان سيترك منصبه كمدير ويتخلى عن أسهمه كجزء من التحول إلى مؤسسة خيرية تنتقل فيها ملكية الصحيفة إلى صندوق ائتماني، وبالفعل، يبدو أن غيب قد استقال في أغسطس بعد تعيين مديرين آخرين هما، النائب العمالي السابق وعضو مجلس اللوردات إيان أوستن، والشريك السابق في شركة المحاماة Kirkland & Ellis جوناثان كاندل.
“إن مشاركة أحد كبار الشخصيات في هيئة الإذاعة البريطانية في عملية الاستحواذ على صحيفة ذا جويش كرونيكل يدعو إلى التشكيك في نزاهته” – كريس دويل- مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني (كابو)
مع ذلك، فقد ظل غيب المدير الوحيد لشركة أخرى لها صلات واضحة بصحيفة ذا جويش كرونيكل، وهي مبادرة الحفاظ على وسائل الإعلام والثقافة التابعة لشركة جي سي (CIC)، حيث تعرف الشركة نفسها في وثائق التسجيل التي قدمتها بأنها “منظمة استشارية مستقلة تقدم استشارات لصحيفة ذا جويش كرونيكل فيما يتعلق بالحياد والاستقلال”.
يذكر أن غيب يعد عضواً في لجنة المبادئ التوجيهية والمعايير التحريرية في بي بي سي والمكونة من 5 أعضاء، إلى جانب رئيس الإذاعة شاه، هم المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية تيم ديفي، ونيكولاس سيروتا أحد كبار المديرين المستقلين، والرئيس التنفيذي لقناة بي بي سي للأخبار والشؤون الجارية ديبورا تورنيس.
جاء في محضر الاجتماع الأخير للجنة في شهر مايو الماضي، والذي كان غيب حاضراً فيه، إلى أنه قد تمت مناقشة “ملخص لشكاوى الشرق الأوسط” مع وجود “عدد من الأخطاء التحريرية” التي أدت إلى تقديم شكاوى، كما سجل المحضر أن اللجنة “ناقشت التقرير الذي توصلت إليه محكمة العدل الدولية حول الصراع في الشرق الأوسط ولماذا أساءت المؤسسات الإعلامية تفسير الحكم”.
في كلمته أمام لجنة الاتصالات الرقمية بمجلس اللوردات مؤخراً، أكد شاه أن اللجنة ناقشت تغطية الحرب في غزة عدة مرات، مشيراً إلى أن تقارير بي بي سي عن الصراع في الشرق الأوسط بحاجة لمراجعة موضوعية، قائلاً: “أعتقد أن الصراع في الشرق الأوسط هو أحد المجالات التي يجب أن نأخذها على محمل الجد لإخضاعها لتحليل منهجي عميق حول كيفية تغطيتها”.
“عميل نشط لحزب المحافظين”
لقد كان تعيين غيب في مجلس إدارة بي بي سي عام 2021 من قبل حكومة رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، مثيراً للجدل بسبب عمله السابق كمدير للاتصالات في حكومة تيريزا ماي.
على إثر ذلك، حث حزب العمال هيئة الإذاعة البريطانية عام 2022 على المطالبة باستقالة غيب بعد أن أنباء عن تدخله لمعارضة تعيين صحفي في برنامج “نيوز نايت” الرائد في المؤسسة، حيث وصفته المذيعة السابقة في برنامج نيوزنايت، إميلي مايتليس، بأنه “عميل نشط لحزب المحافظين”، وهي تعليقات رفضها رئيس هيئة الإذاعة البريطانية آنذاك، ريتشارد شارب، واصفاً إياها بالخاطئة.
تم إعادة تعيين غيب في مجلس إدارة هيئة الإذاعة البريطانية في مارس من نفس العام، وذلك في عملية أشرف عليها مفوض التعيينات العامة الذي يشغله حالياً ويليام شوكروس، وهو الذي أشارت صحيفة ذا جويش كرونيكل إلى كونه جزءاً من التحالف الذي قاده غيب لشراء الصحيفة عام 2020.
تأجيل حدث للصحيفة
في الوقت نفسه، تم تأجيل حدث لصحيفة ذا جويش كرونيكل حول “اليهود والإعلام” مؤخراً، حيث كان من المقرر أن يشارك فيه مدير المحتوى الإخباري في بي بي سي، ريتشارد بيرجيس، من خلال لجنة “تناقش التحيز الإسرائيلي في الصحافة البريطانية”، إلى جانب الصحفي فيليبس، والوزير المحافظ السابق جوف، والصحفي ديفيد آرونوفيتش، ومدير تحرير سكاي نيوز جوناثان ليفي.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أوضح الصحفي آرونوفيتش أنه لا يزال ينوي حضور الفعالية رغم كونه من بين كتاب الأعمدة الذين تركوا صحيفة ذا جويش كرونيكل، وقال: “اعتقدت أنه قد يتم إلغاء دعوتي، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، أنا تهمني الفعالية وليس المنظم”.
وكان موقع “ميدل إيست آي” قد سأل بي بي سي في وقت سابق عما إذا كان بورغيس لا يزال يعتزم الحضور، لكنه لم يتلق أي رد، حيث علم موقع ميدل إيست آي بأن مشاركته كانت موضع نقاش في مجموعة على تطبيق “واتساب” فيها عدد من موظفي بي بي سي الذين يحاولون تسليط الضوء على ما يعتبرونه تغطية المذيع “الإشكالية” المؤيدة لإسرائيل للحرب في غزة.
من جانبه، علق دويل على الأمر بالقول أن مشاركة بورغيس في الحدث كانت “غير حكيمة، فهذا الصراع هو أحد أكثر القضايا المثيرة للجدل التي تتعامل معها بي بي سي، ويجب عليهم توخي الحذر الشديد عندما يتعلق الأمر بذلك”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)