بقلم كريس جونز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل شهر، أشار مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى أن استمرار بايدن في توفير الأسلحة لإسرائيل، في الوقت الذي يدعو فيه الجيش الإسرائيلي إلى التوقف عن قتل المدنيين في غزة يبدو “متناقضاً بعض الشيء”، مضيفاً أنه يتعين على بايدن وغيره من القادة الغربيين “التوقف عن قول من فضلك” للحكومة الإسرائيلية والبدء في “فعل شيء ما”.
من ناحية أخرى، اتهم وزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، بوريل بالنفاق، نظراً لأن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا، هي أيضاً تواصل تصدير الأسلحة إلى إسرائيل!
وأشار إلى أنه في الوقت الذي يدعي فيه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن لديهم موقف مشترك بشأن صادرات الأسلحة التي من المفترض أن “تمنع تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية التي قد تستخدم في القمع الداخلي أو العدوان الدولي أو في عدم الاستقرار الإقليمي”، فإن بوريل ليس لديه السلطة لفرضه.
الاتحاد الأوروبي لا يشعر بأي وخز في الضمير فيما يتعلق بفرض عقوبات على المسؤولين الحكوميين أو حلفائهم، في الوقت الذي تفرض فيه ببساطة حاليًا عقوبات على المسؤولين الفنزويليين والروس والإيرانيين وغيرهم
رغم ذلك، لا تزال هناك طريقة يستطيع بوريل من خلالها ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، ولكنه فشل حتى الآن في استخدامها، ففي يناير، وقع بوريل على نظام عقوبات جديد للاتحاد الأوروبي يستهدف أولئك الذين يقدمون الدعم لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وحماس، الجماعتين المسؤولتين عن هجمات 7 أكتوبر، حيث يواجه من خلاله الأشخاص الخاضعين للعقوبات حظر سفر وتجميد للأصول.
من جانبه، وصف المجلس الأوروبي الإجراءات بأنها تسمح للاتحاد الأوروبي باستهداف “رعاة أولئك الذين يرعون المنظمتين الإرهابيتين”. وتم إدراج ستة أفراد على قائمة العقوبات عندما تم الإعلان عنها.
رغم التقارير الأولية عن إحجام الاتحاد الأوروبي عن فرض نظام عقوبات جديد، إلا أن هذه الخطوة لم تكن مفاجئة، فقد نما استخدام العقوبات بشكل كبير على مدى العقدين الماضيين، كوسيلة لإيجاد طرق جديدة لتعزيز أهداف السياسة الخارجية.
ويأتي هذا النظام الجديد في أعقاب اعتماد تدابير مماثلة من قبل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وذلك على خلفية مقترحات من فرنسا وألمانيا وإيطاليا لفرض عقوبات على حماس.
“خطوات حاسمة”
يتعين علينا أن نرى ما إذا كان نظام العقوبات الجديد سيكون فعّالاً، فالجناح العسكري لحركة حماس مدرج أصلاً على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي للإرهاب منذ عام 2001، وجناحها السياسي منذ عام 2003، ولكن اللافت في العقوبات الجديدة هو كيفية تسليط الضوء على رغبة الاتحاد الأوروبي في إدانة بعض انتهاكات حقوق الإنسان والمعاقبة عليها مقابل تجاهل أخرى.
يرى بوريل أن الإطار الجديد “يظهر أننا مستعدون لاتخاذ خطوات حاسمة للرد على الوحشية التي أظهرها الإرهابيون في 7 أكتوبر، حيث يستحق الإسرائيليون والفلسطينيون العيش في سلام عادل ودائم وآمن” على حد وصفه، فيما أشار المجلس الأوروبي إلى “ضرورة مكافحة أعمال العنف التي تهدد السلام والأمن الدولي”.
إذا كانت العقوبات مطلوبة ضد حماس لضمان السلام والاستقرار في المنطقة، فكيف لا ينطبق هذا على مسؤولي الحكومة الإسرائيلية الذين أمروا ووجهوا وهللوا لهجوم عسكري دفن تحته احتمالات أي سلام كما دفن الأطفال تحت الركام في غزة
لكن هذا يطرح سؤالاً مهماً، فلماذا لم يتم اتخاذ مثل هذه الإجراءات ضد الحكومة الإسرائيلية؟! فقد أدت حملة القصف العشوائي وما تلاها من غزو بري لغزة إلى مقتل أو جرح أو فقدان أكثر من 100,000 فلسطيني، كما فقد مئات الأطفال أحد أطرافهم، وتم تهجير ما يقرب من مليوني شخص وتدمير عشرات الآلاف من المباني!
علاوة على ذلك، فقد أدلى مسؤولون حكوميون إسرائيليون بالعديد من التصريحات التي استخدمت لإثبات نية الإبادة الجماعية من قبل حكومة جنوب أفريقيا في قضيتها أمام محكمة العدل الدولية، حتى المفوضية الأوروبية أعلنت أن على إسرائيل “الامتثال” للحكم الأولي لمحكمة العدل الدولية رغم عدم وضوح كيفية سعي الاتحاد الأوروبي إلى فرض ذلك بشكل يتجاوز منطق “من فضلكم”.
الحقيقة أن الاتحاد الأوروبي لا يشعر بأي وخز في الضمير فيما يتعلق بفرض عقوبات على المسؤولين الحكوميين أو حلفائهم، في الوقت الذي تفرض فيه ببساطة حاليًا عقوبات على المسؤولين الفنزويليين والروس والإيرانيين وغيرهم.
تحتج الكتلة الأوروبية بأن تلك العقوبات تأتي في إطار”تعزيز السلام والأمن الدوليين ومنع الصراعات ودعم الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والدفاع عن مبادئ القانون الدولي”، وتقول إن عقوباتها “ليست عقابية”، بل تهدف إلى “إحداث تغيير في السياسات أو الأنشطة السيئة أو الضارة من خلال استهداف الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك المنظمات والأفراد المسؤولين”!
ألا ينطبق كل ذلك على إسرائيل والمسؤولين الإسرائيليين؟!
تصريحات رديئة
أليس من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية تنتهج سياسات وأنشطة “سيئة” و”ضارة”؟ في الواقع، فإن الوضع سيئ لدرجة أن محكمة العدل الدولية وجدت أن تصرفات الحكومة تتوافق بشكل معقول مع تعريف الإبادة الجماعية!
يقال أن الأفعال أعلى صوتاً من الكلمات، وفي السياسة الدولية، المصالح أعلى صوتاً من المبادئ
هناك حاجة واضحة للتغيير، ولا يبدو أن أي تغيير سيأتي من داخل إسرائيل، خاصة وأنه لا يزال هناك دعم داخلي كبير للحرب على غزة، ولا يوجد من حلفاء إسرائيل الدوليين من يقوم بممارسة ضغوط حقيقية عليها للقيام للتوقف، فلماذا تتوقف؟
في الحقيقة، لا يوجد أي حافز لدى إسرائيل لوقف الحرب، ناهيك عن التفكير في إنهاء الاحتلال، أو متابعة المفاوضات من أجل سلام حقيقي وطويل الأمد لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين.
إذا كانت العقوبات مطلوبة ضد حماس لضمان السلام والاستقرار في المنطقة، فكيف لا ينطبق هذا على مسؤولي الحكومة الإسرائيلية الذين أمروا ووجهوا وهللوا لهجوم عسكري دفن تحته احتمالات أي سلام كما دفن الأطفال تحت الركام في غزة.
من غير المنطقي بل ومن النفاق أن يواصل الاتحاد الأوروبي أو دوله الأعضاء أو أي حكومة أخرى الحديث عن الحاجة إلى السلام وحل الدولتين دون اتخاذ أي خطوات، بخلاف التصريحات اللفظية العرضية التي تدعو إلى ضبط النفس، للتأثير الحقيقي.
يقال أن الأفعال أعلى صوتاً من الكلمات، وفي السياسة الدولية، المصالح أعلى صوتاً من المبادئ، فإذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في “إحداث تغيير في السياسات السيئة أو الضارة” حقاً، فيتعين على دوله الأعضاء أن يفعلوا أكثر من مجرد مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالتوقف.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)