على القادة الأوروبيين اليوم التنبه لخطة ترامب للسلام فيما يتعلق بإنهاء الحرب الأوكرانية الروسية

بقلم جوناثان ستيل

ترجمة وتحرير مريم الحمد

إن رؤية الزعماء الأوروبيين في حالة من الذعر حول السلام الذي يحمله ترامب في جعبته تجاه الحرب الروسية الأوكرانية ليس بالمشهد الجميل، ففي الوقت الذي سارعوا فيه إلى باريس للحديث عن أفكار دونالد ترامب مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان واضحاً على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وقادة ألمانيا وبولندا وغيرهم القلق والتوتر.

أنهى الزعيمان اجتماعهما دون التوصل إلى اتفاق حول السياسة المرجوة، لكنهما أعربا عن وجهات نظر مختلفة حول ما إذا كان ينبغي لأعضاء الناتو الأوروبيين إرسال قوات حفظ السلام إلى أوكرانيا، وهي القضية التي رفضها كل من بوتين وترامب.

مختصر الفكرة أن التوجه الغربي أدى في نهاية المطاف إلى مزيد من التصعيد وتصاعد خطر الحرب النووية على الصعيد العالمي

وما هذا الفشل الذريع في الاجتماع إلا انعكاس للفشل الحاصل في أوروبا منذ 3 سنوات حول الجدية في إحلال السلام في المنطقة، فقد كانت هناك محادثات كثيرة حول زيادة المساعدات العسكرية للقوات الأوكرانية، ولكن لم يكن هناك أي حديث عن وقف الحرب من خلال الدبلوماسية.

في الأسابيع القليلة الأولى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير عام 2022، كان الباب مفتوحاً للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، حيث التقى المسؤولون الروس والأوكرانيون في إسطنبول وتوصلوا إلى مسودة اتفاق، تظل بموجبها أوكرانيا محايدة وتتخلى عن أي طموح للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

سرعان ما عملت الحكومات الغربية آنذاك، وعلى رأسها إدارة بايدن، على السماح لرئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بالذهاب إلى كييف لإبلاغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعدم التوقيع، فقد كانوا ما زالوا يظنون أن القوات الأوكرانية كان من الممكن أن تهزم روسيا في ذلك الوقت، وهو ما قد يؤدي إلى استقالة الرئيس فلاديمير بوتين أو الإطاحة به من قبل شخصيات في الكرملين.

استقرت السياسة الغربية بعد ذلك على شكل حرب بالوكالة، بين العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية لروسيا، والإمدادات العسكرية للجيش الأوكراني.

بعد 3 سنوات من القتال، لم تتمكن القوات الروسية إلا من الاستيلاء على أجزاء فقط من المناطق الشرقية في أوكرانيا، كما لم تتمكن قوات بوتين من هزيمة الأوكرانيين ولم تسيطر على البلاد بالكامل، إضافة إلى تكبد الروس خسائر فادحة وفشل بوتين في الإطاحة بالحكومة الأوكرانية

بحلول خريف عام 2022، كان من الواضح أن المساعدات العسكرية الغربية لن تكون كافية لهزيمة الروس، وعلى المستوى الإنساني، فلن يكون هناك إلا المزيد من الموت والدمار، ومع ذلك فقد رفضت الحكومات الغربية قبول حقيقة أن الحرب قد وصلت إلى طريق مسدود، واستسلموا لنداءات زيلينسكي المستمرة للحصول على المزيد من المعدات العسكرية وتخفيف القيود التي فرضها بايدن على الاستهداف الأوكراني للمدن والبنية التحتية داخل روسيا.

مختصر الفكرة أن التوجه الغربي أدى في نهاية المطاف إلى مزيد من التصعيد وتصاعد خطر الحرب النووية على الصعيد العالمي!

تحول راديكالي في السياسة

لقد اختار ترامب ومستشاروه طريقاً بديلاً، كمرشح رئاسي، تفاخر ترامب بأنه سوف ينهي الحرب خلال 24 ساعة، والآن بعد أن أصبح رئيساً، قام بتغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة.

صرح وزير دفاع ترامب، بيت هيجسيث، لحلفاء الناتو في بروكسل مؤخراً بأن الولايات المتحدة تريد أوكرانيا ذات سيادة، ولكن الجهود المبذولة لمحاولة إعادة البلاد إلى حدود ما قبل عام 2014 كانت “هدفاً وهمياً وغير واقعي” على حد وصفه، معتبراً أن منح أوكرانيا عضوية حلف شمال الأطلسي أمر غير واقعي أيضاً.

لقد أدرك هيجسيث أن اتفاق السلام مع روسيا قد يتطلب قيام قوات أجنبية بدوريات على خطوط وقف إطلاق النار لمنع أي تجدد للحرب، لكنه أشار إلى أن تلك المهمة لا يمكن أن تكون مهمة تابعة لحلف شمال الأطلسي، وأن أي ضمان أمني يجب أن يكون مدعوماً “بقوات أوروبية وغير أوروبية”.

قال هيجسيث: “إذا تم نشر هذه القوات كقوات حفظ سلام في أوكرانيا في أي وقت، فيجب نشرها كجزء من مهمة غير تابعة لحلف شمال الأطلسي، كجزء من أي ضمان أمني، ولن تكون هناك قوات أمريكية منتشرة في أوكرانيا”.

بطبيعة الحال، فإن الصقور الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي غاضبون من موقف ترامب هذا، ولكن الحقيقة أنه كان ينبغي لهم توقع ذلك، فعندما كان ترامب مرشحاً للرئاسة، كان واضحاً في إعلان رغبته بإنهاء الحرب في أوكرانيا، ولكن الزعماء الأوروبيون شعروا بالرضا عندما تمكنوا من تخفيف موقف ترامب بمجرد وصوله إلى السلطة.

وفي أعقاب الاجتماع في باريس، قد تكون هناك جهود أوروبية مماثلة لتغيير موقف ترامب أكثر فأكثر، فمن المؤكد أن هناك تعقيدات عديدة على طريق إنشاء خطوط وقف إطلاق النار أو ما يسميه هيجسيث “خط الاتصال” بين القوات الروسية والأوكرانية، فقد يطلب بوتين من قواته الانتقال إلى حدود المناطق الأوكرانية الأربع التي تدعي موسكو أنها تابعة لروسيا، مما قد يؤدي هذا إلى تقدم القوات الروسية.

ينبغي مقاومة مثل هذه الخطوة، ويتعين على الولايات المتحدة وأوكرانيا ضمان ألا يصف الاتفاق خط التماس باعتباره حدوداً دولية قانونية، تماماً كما لم تتحول خطوط الهدنة في كوريا الجنوبية منذ عام 1953 وقبرص منذ عام 1974، إلى حدود مقبولة دولياً بعد أكثر من نصف قرن من السلام.

المضي قدماً نحو السلام

لاشك من أن بوتين ووسائل الإعلام الروسية الخاضعة لسيطرته سوف تشيد بأي اتفاق يؤمنه ترامب باعتباره نصراً هائلاً، لكن هذا قد يكون مبالغة في حقيقته، فلم يحقق بوتين ما كان يأمل ويتوقع ذات يوم في حربه.

بعد 3 سنوات من القتال، لم تتمكن القوات الروسية إلا من الاستيلاء على أجزاء فقط من المناطق الشرقية في أوكرانيا، كما لم تتمكن قوات بوتين من هزيمة الأوكرانيين ولم تسيطر على البلاد بالكامل، إضافة إلى تكبد الروس خسائر فادحة وفشل بوتين في الإطاحة بالحكومة الأوكرانية.

أما على الصعيد العالمي، فقد عانى بوتين من ضرر هائل بسمعته،  فالعديد من الحكومات لم تدن عدوانه علناً كما كان يأمل الزعماء الغربيون، لكن العالم صدم من أكاذيب بوتين حول الغزو وحماقة القوات الروسية.

لم تنته الحرب بعد ولم يتم تحقق الموعد النهائي الذي حدده ترامب بـ 24 ساعة بعد، ولذلك سوف يكون من الصعب التفاوض على تفاصيل اتفاق الهدنة، هناك قوى سياسية على كلا الجانبين بالإضافة إلى قيادة الناتو التي تريد فشل مساعي ترامب، وربما يحاولون تخريب وتقويض أي تقدم.

ومع ذلك، فعلى زعماء أوروبا اليوم أن يدركوا أن البيئة السياسية للحرب قد تغيرت في عهد ترامب، ولذلك يتعين على الحكومات الغربية أن تساهم في نجاح المفاوضات، ولكن يظل السؤال قائماً، كيف يمكن لترامب أن يكون مخطئاً فيما يتعلق بغزة، وأن يكون على صواب إلى فيما يتعلق بأوكرانيا؟! 

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة