على الناشطات النسويات من حول العالم أن يبدأن التضامن مع الضحايا الفلسطينيات

بقلم فلسطين صالح

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

كنساء فلسطينيات، نجد أنفسنا اليوم في أتون صراع مروع، لا نواجه فيه تهديداً دائماً لسلامتنا فحسب، ولكن أيضاً نعاني من التلاعب الذكوري الخبيث الذي يهدف إلى تقويض قضيتنا ومقاومتنا.

إن استخدام إسرائيل المنهجي للعنف الجنسي ضد الفلسطينيين مستمر منذ نكبة عام 1948، ولا يقتصر هذا الواقع المزعج على الشهادات الفلسطينية، بل تم تأكيده بشكل مخيف في روايات جنود الاحتلال المتقاعدين الذين تورطوا في مجازر مثل تلك التي ارتكبت في الطنطورة.

وحتى كتابات الشخصيات المؤسسة لإسرائيل مثل ديفيد بن غوريون قدمت أدلة صارخة على ذلك، حيث وثقت مذكراته بلا تردد حالات اغتصاب ارتكبت ضد النساء الفلسطينيات أثناء التطهير العرقي في فلسطين قبل أكثر من سبعة عقود.

لقد تجذرت مجزرة دير ياسين المروعة التي وقعت في نيسان/أبريل 1948 في الوعي الجماعي الفلسطيني، والتي استشهد خلالها أكثر من 100 فلسطيني وعانت النساء من أهوال لا توصف، بما في ذلك الاغتصاب أمام أعين أطفالهن وعائلاتهن.

وقد تحدث الناجون عن المحن المروعة التي شهدوها، حيث ترددت أصداء قصص العنف الجنسي في جميع أنحاء القرى المجاورة كالنار في الهشيم، مما أدى إلى بث الرعب والمساهمة في الترحيل القسري للفلسطينيين الذين لجأوا إلى ملاذ آمن لعائلاتهم.

يتواصل ذات التكتيك الخبيث المتمثل في استخدام السلطة البطريركية أو الذكورية كسلاح ووسيلة لاستغلال أجساد النساء الفلسطينيات بلا هوادة وسط الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.

وقد سلط تقرير دامغ للأمم المتحدة مؤخراً الضوء على الحقيقة المروعة: “إننا نشعر بالأسى بشكل خاص إزاء التقارير التي تفيد بأن النساء والفتيات الفلسطينيات المحتجزات تعرضن أيضاً لأشكال متعددة من الاعتداء الجنسي، مثل تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من قبل ضباط الجيش الإسرائيلي الذكور”.

كما أفادت التقارير أن معتقلتين فلسطينيتين على الأقل تعرضتا للاغتصاب، في حين تم تهديد أخريات بالاغتصاب والعنف الجنسي.

وتؤكد عبارة “على الأقل” الحقيقة المثيرة للقلق المتمثلة في أن العديد من الحالات لا تزال غير موثقة، حيث يخشى الضحايا من الوصمة والتداعيات المرتبطة بالتحدث علناً عن العنف الجنسي داخل مجتمع ذكوري يتردد في معالجة مثل هذه الفظائع.

عنف متواصل

يتماشى العنف الجنسي المثير للقلق ضد النساء الفلسطينيات مع أساليب التطهير العرقي الإسرائيلية الموثقة منذ نكبة عام 1948، وعلى الرغم من إعلانات إسرائيل المتكررة عن نيتها التطهير العرقي في غزة، وحثها للفلسطينيين على مغادرة القطاع، لا يزال هناك حوالي 300 ألف شخص في المنطقة الشمالية، التي تتعرض لقصف متواصل من قبل الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وعلى الرغم من قصف وتدمير منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم وأماكن عبادتهم وكل ضرورات الحياة، مما تسبب في مجاعة تلوح في الأفق، فقد فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها المتمثل في تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وبالتالي فإن العنف الجنسي هو أحد الأساليب البغيضة التي تستخدمها في حملتها المتواصلة لإرهاب الفلسطينيين ودفعهم إلى المغادرة.

يلوح التهديد بالعنف الجنسي في الأفق بشكل كبير، وهو بمثابة رمز قوي لإنكار العالم لإنسانيتنا، حيث إن فكرة فقدان السيطرة على أجسادنا تغرس فينا شعوراً عميقاً بالرعب، وتتسلل إلى أفكارنا ورغباتنا وشعورنا بالأمان.

ولعل الجانب الأكثر إيلاماً في هذا الواقع هو إدراك أن أجسادنا يتم استخدامها بشكل ساخر كسلاح من قبل دولة محتلة، وتستغل المعايير الذكورية لمجتمعنا لمهاجمة قدرتنا الجماعية على الصمود، إن هذا التكتيك يهدف إلى كسر معنوياتنا وزرع الخوف وزعزعة عزمنا، تماماً كما حدث خلال النكبة.

إن تسليح السلطة الذكورية ضد أجسادنا وقضيتنا وشعبنا هو تكتيك مستهجن يجب فضحه وإدانته

ومن الضروري أن نواجه حقيقة مفادها أن مجتمعنا مترسخ بعمق في الهياكل الأبوية وليس هناك عيب في الاعتراف بهذه الحقيقة، حيث يشكل التصدي لهذه السلطة الذكورية وتفكيكها تحدياً داخلياً يتطلب تعبئة جماعية وتضافر الجهود، ولحسن الحظ، لا يوجد نقص في الأصوات والناشطات النسويات الفلسطينيات اللامعات المستعدات للقيام بهذا العمل الحيوي.

علاوةً على ذلك، يجب علينا أن ندرك أن النظام الذكوري نفسه قد تم استخدامه تاريخياً كسلاح استعماري، وكآلية قمع تستخدم لإخضاع المرأة وإسكاتها، ومع ذلك، يظل من المحزن للغاية أن نشهد استخدام هذه الأداة ضد أجسادنا وقضيتنا وشعبنا، مما يؤدي إلى إدامة دائرة القمع.

تكميم الأفواه

وبينما تستمر وسائل الإعلام الغربية والعالمية في إنكار رواياتنا، وإسكات أصواتنا، وإدامة تجريدنا من إنسانيتنا، تستمر النساء الفلسطينيات في تحمل أشكال مختلفة من العنف تحت نير الاحتلال الوحشي والذكوري العميق الذي استخدمه بوحشية وانتهك أجسادنا على مدار الـ 75 عاماً الماضية.

من المهم أن ندرك أن العنف الجنسي الاستعماري الذي تعرضنا له لم يبدأ فجأة بعد السابع من أكتوبر، بقدر ما كان محنة طويلة الأمد، لكن التجاهل الصارخ لحياة النساء الفلسطينيات وكرامتهن أثناء الإبادة الجماعية الأخيرة في غزة يجب أن يكون بمثابة نداء واضح لكل ثورية نسوية حقيقية في جميع أنحاء العالم.

في مواجهة الفظائع المستمرة والعنف الجنسي ضد النساء الفلسطينيات، المدعومة بالأدلة والشهادات، من الضروري أن يتضامن الناشطون في مجال حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم ويطالبوا بالعدالة، إن تسليح السلطة الذكورية ضد أجسادنا وقضيتنا وشعبنا هو تكتيك مستهجن يجب فضحه وإدانته.

ويجب علينا أيضاً أن نتحدى تواطؤ وسائل الإعلام العالمية و”النسويات” الاستعماريات في إدامة تجريدنا من إنسانيتنا وإسكات أصواتنا.

الآن هو وقت العمل، نحن ندعو الناشطات النسويات والمنظمات والحلفاء إلى الوقوف مع النساء الفلسطينيات، وتضخيم رواياتنا والدعوة إلى المساءلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والحصار والإبادة الجماعية، دعونا نعمل معاً لتفكيك أنظمة القمع وبناء عالم يتم فيه دعم واحترام حقوق وكرامة جميع النساء.

كفاحنا هذا ليس نضالنا وحدنا، إنه كفاح عالمي من أجل العدالة والمساواة والتحرر، والآن أكثر من أي وقت مضى، فهلموا إلينا للتضامن بينما نواصل المقاومة والإصرار حتى يتحرر كل فلسطيني من أغلال العنف والقمع.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة