اعتبر ناشطون مناهضون لعدوان الاحتلال على غزة ومناصرون لفلسطين أن مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت تشجع على الضغط بقوة لإنهاء الحرب على القطاع.
لكن الناشطين الذين تحدثوا لميدل إيست آي رأوا أن هذه المذكرات لا ترقى على الإطلاق لموازاة حجم المذبحة التي لا تزال تتكشف في غزة.
ومع ارتفاع حصيلة عدد الشهداء في غزة إلى ما بين 44 ألفاً و186 ألفاً أو حتى أكثر، قال ناشطون في الولايات المتحدة أن مذكرات الاعتقال هي خطوة إلى الأمام تحويل دولة الاحتلال إلى دولة منبوذة، رغم أن الأولوية مازالت تنصب على إيجاد طريقة لوقف تدفق الأسلحة إليها، وهو ما ترفضه الحكومة الأميركية حتى اليوم.
وكان نشطاء حقوق الإنسان قد سارعوا يوم الخميس للتعليق على التصويت الذي شهده مجلس الشيوخ في الليلة السابقة والذي دفع به أعضاء حزب بيرني لمنع مبيعات الأسلحة الجديدة إلى إسرائيل.
كما علقوا على تصويت الكونغرس لصالح القرار 9495 والذي من شأنه، في حال أقره الشيوخ، أن يسهل تجريم واستهداف الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة.
ووصفت بيث ميلر، مسؤولة الشؤون السياسية لمنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، مشروع القانون بأنه “جرس إنذار من الدرجة الخامسة لكل من يسعى إلى حماية حرية التعبير والمجتمع المدني والديمقراطية”.
وقبل ساعات من إعلان المحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس، كانت دولة الاحتلال قد قتلت ما يقرب من 100 فلسطيني في غارات جوية متفرقة، في إشارة إلى نيتها مواصلة عدوانها الدموي في شمال غزة.
وبينما يبدو احتمال وقف إطلاق النار بعيدًا أكثر من أي وقت مضى، قال النشطاء إن أوامر الاعتقال الصادرة عن الجنايات الدولية ستقطع شوطًا طويلاً نحو التأثير على العالم لعزل إسرائيل بسبب جرائمها المستمرة.
وأوضح حاتم أبو دية، أحد نشطاء شبكة الجالية الفلسطينية الأمريكية أنه بات ينظر إلى دولة الاحتلال الآن في جميع أنحاء العالم وحتى في الولايات المتحدة على أنها “دولة صهيونية منبوذة وعنصرية ومستعمرة استيطانية تعتمد على مزاعم تفوق العرق الأبيض”.
وعبر أبو دية المقيم في شيكاغو عن اعتقاده بأن “يمثل القرار استمراراً لعزلة إسرائيل في العالم”، وقال: “أود أن أراهم يخرجون من حدود مخابئهم ويتحدون هذه الأوامر”.
ردود أفعال رصينة ومدروسة
كما رحب الناشطون بالأخبار التي تواردت عن صدور أوامر الاعتقال، وأعرب العديد منهم عن ردود أفعال رصينة ومدروسة حول أهمية هذه القرارات.
فقد ذكر عبد الله عقل، وهو ناشط سياسي مخضرم مقيم في مدينة نيويورك، أنه وعلى الرغم من أهمية أوامر الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو إلا أنها ستكشف مرة أخرى من هم الذين يحترمون سيادة القانون ومن هم الذين سيجدون طرقًا لرفض ذلك.
ولشهور عديدة، وجدت الولايات المتحدة طرقًا لحماية دولة الاحتلال، ورفضت دعم وقف إطلاق النار أو حظر الأسلحة، حتى مع إعلان محكمة العدل الدولية أن ممارسات الاحتلال في غزة ترقى إلى “إبادة جماعية معقولة”.
ورأى عقل أنه “من غير المعقول استبعاد الأسماء الأمريكية من لوائح الاتهام”، وتساءل:”أين بقية مذكرات الاعتقال للذين تواطأوا في الجريمة مثل الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، ووزير الخارجية توني بلينكن وغيرهم من القائمة الطويلة؟ نريد مذكرة اعتقال لبايدن”.
وأردف عقل: “لقد حرصت إدارة بايدن على التوقيع على صفقات الأسلحة، لقد حرصوا على تشغيل المحادثة من البوابة الخلفية”.
وتردد صدى دعوات عقل في تصريحات مشابهة أدلى بها عبد أيوب من اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز، والذي أشار إلى أن “مذكرات الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو وغالانت تمثل خطوة حاسمة نحو المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي”.
وأردف أيوب: “لقد أدى دعم إدارة بايدن المتواطئة للاحتلال إلى تأجيج هذه الإبادة الجماعية وانتهاك المعايير الدولية، مما قاد إلى عزل الولايات المتحدة عن المجتمع العالمي وتقويض مصداقيتها، حيث أن رفضها محاسبة الجناة يرسل رسالة خطيرة بالإفلات من العقاب”.
وقال أيوب أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال أكد مبدأ عدم وجود أحد فوق القانون.
بدورها، رأت مجموعة شبابية تطلق على نفسها “إذا لم يكن الآن” أن مذكرات الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو وغالانت وقائد كتائب القسام محمد الضيف “خطوة في الاتجاه الصحيح نحو محاسبتهم على دورهم في الجرائم ضد الإنسانية”.
وقالت المجموعة التي يقودها شبان يهود أن المذكرات لن تعيد الفلسطينيين أو الإسرائيليين الذين قُتلوا، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح.
وعبرت المجموعة في بيان أصدرته عن أملها بأن يؤدي إصدار مذكرات الاعتقال “إلى تحقيق قدر من العدالة وتمكين العالم من تجنب المزيد الكوارث”، وقالت أنه “يجب على الزعماء السياسيين في الولايات المتحدة دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية بدلاً من التهديد بفرض العقوبات عليها ونزع الشرعية عنها”.
وتم إدراج محمد ضيف، واسمه الحقيقي محمد دياب إبراهيم المصري، في قرار المحكمة لدوره في الهجمات التي قادتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول على جنوب إسرائيل، على الرغم من أن الاحتلال يدعي أنه قد اغتاله في غزة.
وقال عقل إنه لا يمكن إجراء مقارنة بين تصرفات حماس والدولة الإسرائيلية فيما يتعلق بالنية أو نطاق العنف، وبالتالي فلا معنى لإدراج اسم محمد ضيف في قائمة الاعتقال.
وأضاف: “من الواضح أن محكمة العدل الدولية تعلم أن إصدار هذه المذكرات في نفس الوقت يجعل الأمر يبدو وكأن كلا الجانبين متساويان، وهذا يمثل مشكلة كبيرة هنا لأنه حتى عندما ننظر إلى الوضع من السابع من أكتوبر/تشرين الأول حتى الآن، فمن الواضح جداً أن النسب ليست متماثلة على الإطلاق”.
وأضاف عقل: “ما هو مهم حقاً هو أن نظهر أن إسرائيل كانت لديها نية واضحة للغاية لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بمختلف الطرق”.
الحركة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة
وأدى عدوان الاحتلال المتواصل على غزة إلى نشوء أهم الحركات المناهضة للحرب في الولايات المتحدة منذ حرب فيتنام.
فخلال العام الماضي، خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في العديد من المدن الأمريكية للاحتجاج على الحرب وتجمهروا في محطات القطارات وعلى الطرق السريعة والجسور وحتى داخل المباني الحكومية، في محاولة لجذب الانتباه إلى المذبحة التي ترتكب في غزة.
وفي ربيع عام 2024، أقام الطلاب معسكرات في أكثر من 100 حرم جامعي للضغط على جامعاتهم لكشف الغطاء عن دولة الاحتلال وسحب الاستثمارات منها والدعوة إلى إنهاء عدوانها على غزة.
وردت الجامعات باستدعاء الشرطة لتطهير مواقع الاحتجاج، وفرض الرقابة على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، فضلاً عن تصوير احتجاجات الطلاب ضد عدوان الاحتلال على أنها حراكات معادية للسامية.
وقوبل المتظاهرون بوحشية متصاعدة من قبل الشرطة في الشوارع وبفرض القيود، وارتفعت وتيرة الغليان الشعبي مع إطلاق الرئيس المنتخب دونالد ترامب تعهداته بوقف الحرب عندما يتولى منصبه في يناير/كانون الثاني 2025.
غير أن عقل يرى أن الحراكات من أجل فلسطين لن تتوقف سواء تم اعتقال نتنياهو بسبب جرائمه أم لا، لكنه اعتبر في ذات الوقت أن دعوة المحكمة الجنائية الدولية لاعتقاله ومحاكمته تساعد أنصار القضية الفلسطينية.
وقال عقل: “هذا لا يعني أن دعواتنا لسحب الاستثمارات قد انتهت لأننا نعلم أن الأمر لا يقتصر على نتنياهو، نحن نبحث عما هو أكبر، وبالتالي فإن نتنياهو هو مجرد البداية، وعملنا لن ينتهي قبل أن تتحرر فلسطين بالطبع، وحتى تعود الأرض”.
وأضاف عقل: “الهدف هو مواصلة هذا العمل الآن أكثر من أي وقت مضى، الآن بعد أن أصبح المزيد من الناس يتابعونه”.