بقلم خالد الحروب
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
خلال الأسبوع الماضي، شاهد الملايين في جميع أنحاء العالم لقطات من طائرات بدون طيار للحظات الأخيرة ليحيى السنوار وهو يقاتل إسرائيل بتحدٍ حتى استشهد في رفح في 16 أكتوبر/تشرين الأول.
كان قائد حماس الراحل في غزة هدفاً للتشهير من قبل وسائل الإعلام الرئيسية الإسرائيلية والأمريكية والغربية وهو الذي قضى 22 عاماً من عمره في سجون الاحتلال من عام 1989 حتى إطلاق سراحه في عام 2011 ضمن صفقة تبادل للأسرى.
بل إن نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس أشادت بقتل جيش الاحتلال للسنوار، الذي كان يبلغ من العمر 61 عاماً، باعتبار حركة حماس محظورة ومصنفة كجماعة إرهابية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
إن تصوير الغرب لقادة المقاومة باعتبارهم “إرهابيين” ليس بالأمر الجديد، بل هو إرث مقزز متوارث من العصور الاستعمارية، ففي فلسطين، وصف المستعمرون البريطانيون الأوائل، وعملاؤهم الصهاينة، والدولة الإسرائيلية التي تلت ذلك، كل زعيم وطني فلسطيني بأنه إرهابي.
ولكن بالنسبة للفلسطينيين، فإن مثل هذه التسميات “للإرهاب” لا قيمة لها ببساطة، فبالنسبة لهم، ينتمي السنوار إلى قائمة طويلة من أبطال المقاومة الفلسطينية الذين عاشوا وماتوا وهم يقاتلون ضد الاستعمار والاحتلال البريطاني، ثم الإسرائيلي، سعياً إلى التحرير وتقرير المصير.
العقل السياسي
وللتغلب على ما يعتبره الفلسطينيون استشهاداً مشرفاً، والذي يتمثل بالموت أثناء القتال في ساحة المعركة، ظهرت بسرعة عدة روايات مشكوك فيها تحاول تشويه سمعة السنوار وحياته.
والواقع أن هذا التعامل مع القادة الفلسطينيين نموذجي للمواقع الغربية، التي كثيراً ما تعيد تدوير الروايات الإسرائيلية عن القادة الفلسطينيين.
وفي التحديث المقبل لكتابي “حماس: دليل المبتدئين”، أدرجت اقتباسات مختلفة من أقوال السنوار، مترجمة من خطابات عربية إلى الإنجليزية، تكشف عن تناقض صارخ بين الرجل نفسه والصورة التي تروج لها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية عنه
كانت إحدى اللحظات الرئيسية التي أفلتت إلى حد كبير من انتباه حتى أولئك الذين يدرسون حماس عن كثب هي المؤتمر الصحفي الذي عقده السنوار في 26 مايو/أيار 2021، بعد أيام قليلة من مواجهة “سيف القدس” التي استمرت 11 يوماً مع دولة الاحتلال والتي اندلعت في 10 مايو/أيار.
ففي ساعة و 43 دقيقة، أجاب السنوار على جميع أنواع الأسئلة، مما وفر الفرصة للإبحار في رحلة متعمقة في ذهنه السياسي والعسكري.
لقد تحدث القائد في حماس عن أولوية المقاومة السلمية والشعبية على العمل العسكري، وأعرب عن أسفه على خيانة الحكومات الأمريكية والغربية للفلسطينيين، واستكشف إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل على طريق السلام الشامل في المنطقة.
كما كرر السنوار تحذيره من أن غزة عبارة عن طنجرة ضغط على وشك الانفجار إذا ظلت الظروف على حالها، وفي الماضي، كان تحليل تصريحاته في ذلك المؤتمر الصحفي ليؤدي إلى استنتاج واحد: إن مأزق غزة سوف ينفجر، وحماس في قلبه.
ولإحياء ذكرى استشهاده، قمت بترجمة بعض التصريحات التي أدلى بها خلال ذلك المؤتمر الصحفي، ورغم أن المقتطفات الواردة أدناه لا تمثل سوى عينة من خطابه، فإنها ربما تساعد في موازنة بعض التصويرات الشريرة في التقارير الغربية.
هتاف “فلسطين حرة حرة”
بدأ السنوار كلمته بتحية الفلسطينيين والعرب والمتضامنين الدوليين لدعمهم لفلسطين، وتوجه في البداية بالتحية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل: “تحية لكم أيها الرجال والنساء العظماء في أرضنا المحتلة عام 1948، وأنتم متمسكون بهويتكم الفلسطينية والإسلامية والمسيحية ولن تصبحوا جزءًا من هذا الكيان الغريب (إسرائيل)”.
وبعد أن شكر العرب الذين خرجوا إلى الشوارع دعماً لفلسطين وسكان حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، وجه انتباهه إلى المؤيدين الدوليين: “تحية لأحرار العالم من كل البلدان والأجناس والأمم الذين خرجوا يهتفون (فلسطين حرة حرة) وينددون بجرائم الاحتلال بحق أطفالنا ونسائنا ومدنيينا”.
حول الوحدة والمقاومة
كان معروفاً عن السنوار أنه يشيد بالقادة العسكريين من الفصائل الفلسطينية الأخرى، بما في ذلك فتح، المنافس الرئيسي لحماس، كما عرف عنه جهوده لتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين.
وفي كلمته، خاطب السنوار الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، متعهداً بأن حماس ستواصل النضال التحريري الذي بدأه: “كل التحية لروح القائد أبو عمار (عرفات)، أقول له في هذه المناسبة: نم بأمن وسلام يا أبا عمار، لقد مت وأنت تحاول تعزيز القدرات القتالية لشعبنا”.
ووجه السنوار كلمات دافئة مماثلة إلى قادة آخرين راحلين، بمن فيهم فتحي الشقاقي من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، الذي اغتيل على يد إسرائيل في عام 1995، وأبو علي مصطفى من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي اغتيل أيضا على يد إسرائيل في عام 2001.
لقد قال السنوار: “بعون الله، نجحنا في توحيد شعبنا الفلسطيني بعد سنوات من الانقسام، لقد خرج الجميع معاً، حماس، وفتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجهاد الإسلامي، المنتمون إلى الفصائل وغير المنتمين إليها، كلهم يهتفون للمقاومة”.
كان الجميع يهتفون بالروح بالدم نفديك يا أقصى، وهتف رجال ونساء، متدينون وغير متدينين، “حطوا السيف قبال السيف، احنا رجال محمد ضيف” قائد الجناح العسكري لحماس.
وألمح السنوار أيضاً إلى العملية الانتقامية التي تخطط لها مجموعات المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأصدر تحذيراً مرعباً لإسرائيل إذا استمرت في تجاوزاتها ضد المسجد الأقصى.
لقد قال السنوار عن ذلك: “المسجد الأقصى والقدس خط أحمر، إذا كنت تريد المزيد من الوقت للبقاء، فابتعد عن المسجد الأقصى والقدس، قرار القضاء على دولتك يعتمد على ما إذا كنت تنوي تنفيذ خططك للمسجد الأقصى والقدس، فنحن جاهزون ولدينا خطة تم التدرب عليها بالفعل مواجهة سيف الأقصى، غزة ستطلق مقاومتها بكل قوتها، والضفة ستنفجر بكل قوتها”.
وتواصلت تحذيرات السنوار لإسرائيل، حيث أدان الأوضاع الاقتصادية المزرية في غزة بسبب الحصار الخانق.
ومضى يقول: “نحن في قيادة المقاومة نتعهد بأن هذا العام، بإذن الله، لن يمر دون تحقيق انفراجة كبيرة في الحياة الاقتصادية والإنسانية لقطاع غزة، هذا العام لن يمر، ولن تبقى مشاكل غزة الناجمة عن الحصار والحرب والدمار على ما هي عليه، فليسمع العالم أجمع: سنحرق كل شيء، أخضر ويابس، إذا لم تحل مشاكل غزة الآن”.
أولوية اللاعنف
ورغم تهديداته بالمقاومة المسلحة، أكد السنوار على أهمية إعطاء الأولوية للمقاومة اللاعنفية، مذكراً بمظاهرات العودة السلمية التي ابتكرها في غزة.
وقال عن ذلك : “ولكي نجنب شعبنا ويلات الحرب، فإننا نؤمن حقاً، ولطالما آمنا، بأن شعبنا لابد أن يجمع بين وسائل المقاومة المختلفة: المقاومة السلمية والشعبية إلى جانب المقاومة المسلحة بأشكالها المختلفة، بالإضافة إلى الجهود السياسية والدبلوماسية”.
وأردف: “يعلم الجميع ويعترف بأننا، إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى وفصائل شعبنا، منذ مارس 2018 وحتى مارس 2020، شاركنا في تلك المظاهرات المقاومة السلمية والشعبية الرائعة: مسيرة العودة الكبرى، وبفضل الله، قدمنا من خلال هذه المسيرات صورة جميلة بشكل لا يصدق، تظهر شعباً متحضراً يمارس المقاومة الشعبية السلمية، والتي تنطوي أحياناً على بعض الأساليب الأكثر خشونة”.
وأردف: “كنا نأمل أن يستجيب العالم الحر المتحضر والمنظمات الدولية باتجاهين، الأول تقدير هذه الحركة السلمية وكبح جماح العدو لاستخدامه القوة المفرطة والعنف المميت ضد شعبنا، والثاني الضغط على العدو والاحتلال لتحقيق مطالب شعبنا وحقوقه، ولكن للأسف الشديد ومنذ أكثر من عامين واصلت آلة الحرب الصهيونية استهداف أبنائنا وبناتنا وقتلهم عبر قناصة جيش الاحتلال”.
الحلول السياسية
حتى مع تمسكه بخطوطه الحمراء، أعرب السنوار عن التزامه بتقديم حل سلمي طويل الأمد لشعبه، يتضمن هدنة محتملة مع إسرائيل.
فقد قال السنوار: “سألني أحد مراسلي إحدى الشبكات الأمريكية: ما هي رسالتك للرئيس بايدن؟ فأجبت بجملة واحدة: إجبار الاحتلال على الالتزام بالقانون الدولي والقرارات الدولية، فإذا امتثل الاحتلال، فهناك إمكانية لهدنة طويلة الأمد سواء كانت أربع سنوات أو خمس سنوات أو أكثر”.
وأضاف: “إذا كان العالم قادراً على الضغط على الاحتلال للانسحاب من الضفة الغربية وتفكيك المستوطنات فيها والانسحاب من القدس الشرقية، فإن وقف إطلاق النار طويل الأمد ممكن.
“إذا التزمت إسرائيل بالقانون الدولي والقرارات الدولية فإن الهدنة طويلة الأمد ممكنة” – يحيى السنوار
وتابع: “كما نطالب بالإفراج عن الأسرى ورفع الحصار عن غزة والسماح لنا بإجراء انتخاباتنا في القدس وإقامة دولتنا الفلسطينية على جزء من أرضنا، وهذا من شأنه أن يفتح الباب بالتأكيد أمام إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد نسبياً تؤجل الصراع وتحقق قدراً من الاستقرار في المنطقة”.
وأردف: “هل العالم جاد في الضغط على الاحتلال لتحقيق ذلك؟ نأمل أن تكون الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي قد أدت إلى تحول في وعي القادة الدوليين للدفع نحو مثل هذا السيناريو”.
هذه الاقتباسات من خطاب السنوار تدل على زعيم تقدمي، مختلف عن الصورة السطحية والمحتقرة التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية.
أولئك الذين عرفوه عن كثب أعجبوا بتواضعه وشخصيته الشعبوية، مما جعله محبوباً لدى الفلسطينيين العاديين في غزة، وقد عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي كتبه أحد الفلسطينيين، ويدعى أيمن الحافي، عن أفكار ومشاعر معظم الفلسطينيين، وفيما يلي المنشور:
“لم يكن مختبئًا في نفق، ولا بين النازحين في خيامهم، ولا المرضى في مشافيهم، ولا بين المدنيين في منازلهم، بل كان في المكان الذي لا يتواجد فيه إلا أشرس المقاتلين وأكثرهم حيوية وقدرة على المناورة والاشتباك، لم يكن آمناً متنعماً ولو أراد الأمان والنعيم لما أمر رجاله بمهاجمة بئيري وريعيم (مستوطنات كيبوتس على الحدود الإسرائيلية لقطاع غزة هاجمتهما حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، ظهر بوزن أقل من المعتاد بشكل واضح، فما أصاب الناس من جوع وقتل أصابه وأهله، فما قرر وفعل يوم السابع إلا بحثاً عن الأفضل لشعبه وقضيته.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)