عمّال الرعاية الصحية.. أبطال حقيقيون ساهموا في تخفيف حدة الكارثة الإنسانية في غزة

بقلم غادة مجدلي

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قتلت قوات الاحتلال مئات الفلسطينيين العاملين في مجال الرعاية الصحية واعتقلت آخرين في ظروف غير إنسانية، حيث باتت الاعتداءات المتواصلة على الأطباء والممرضات والمسعفين ومقدمي المساعدات، فضلاً عن تدمير البنية التحتية الصحية في غزة، عنصراً أساسياً من عناصر الإبادة الجماعية المستمرة.

لقد شهدنا طوال هذه الفترة شجاعة الفرق الطبية في غزة وصمودها، حيث أظهرت براعة ملحوظة في تلبية احتياجات المرضى، حتى في الوقت الذي دمرت فيه ضربات الاحتلال مستشفيات المنطقة.

وعلى نحو واقعي جداً، وصف الالتزام والصمود الذي أظهره العاملون في مجال الرعاية الصحية بأنه شكل من أشكال المقاومة، وأصبحت الإشادة بخدمتهم الدؤوبة في ظل ظروف صعبة للغاية بما في ذلك نقص الغذاء والدواء الأساسيين أمراً لا بد منه.

لقد تلقى العديد من هؤلاء العاملين معلومات مؤلمة عن استشهاد أو إصابة أفراد من عائلاتهم في غارات الاحتلال الجوية، لكن ذلك لم يمنعهم من الوفاء بالتزاماتهم المهنية والأخلاقية، حيث لعبت هذا المثابرة دوراً محورياً في السماح لبعض المرافق الطبية بمواصلة العمل وسط هجمات الاحتلال المستمرة.

وقد استأنفت بعض المستشفيات التي تضررت بالضربات الجوية عملياتها بقدرة محدودة على الرغم من تعرضها لأضرار جسيمة، ووفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد تم ترميم العديد من غرف العمليات في مستشفى الشفاء في كانون الثاني/يناير، ولكن بعد شهرين فقط، اقتحم جيش الاحتلال المستشفى مجدداً، ووضعه “خارج الخدمة إلى الأبد”، وفقاً لرئيسه بالإنابة.

وخلال غارة على مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال غزة في كانون الأول/ديسمبر، ورد أن جيش الاحتلال استخدم الجرافات لاستخراج الجثث التي دفنت مؤخراً في مقابر مؤقتة في ساحة المستشفى واعتقل مديره. 

وعلى الرغم من الصعوبات الهائلة، ظل المستشفى قادراً على العمل جزئياً حتى أيار/مايو الماضي، عندما قصفه الاحتلال وحاصره مرة أخرى، مما أدى إلى توقف خدماته.

التزام ثابت

وفي أيار/مايو، استأنف المستشفى الإندونيسي في شمال غزة عملياته وسط احتفالات بهيجة من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية وذلك بعدما تعرض لأضرار جسيمة وأصبح غير صالح للعمل بسبب القصف والحصار من قبل الاحتلال، 

كان منير البرش، مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية، الذي فقد ابنته وأصيب في ظهره في غارة جوية للاحتلال على جباليا من بين المحتفلين بافتتاح المستشفى، وعلى الرغم من تنقله من مستشفى إلى آخر، واصل البرش العمل بلا كلل لمساعدة الجرحى الفلسطينيين، حتى مع تعرض هذه المرافق للهجوم وإغلاقها واحداً تلو الآخر.

يتأثر هذا التفاني الثابت بطبيعته بالعوامل السياسية، فمقدمو الرعاية الصحية في غزة لا يلتزمون بالتمسك بأخلاقياتهم المهنية وخدمة مرضاهم فحسب، بل وأيضاً بإنقاذ سكان غزة.

وكما أشار الجراح غسان أبو ستة في مقابلة مع الجزيرة، فإن المسؤولين عن نظام الرعاية الصحية في غزة اتخذوا “قراراً وطنياً” بعدم إخلاء المستشفيات، لأن هذا كان يعادل المشاركة في جريمة التطهير العرقي.

الاستهداف المتعمد للعاملين في مجال الصحة يعرض الرفاهية العامة وبقاء سكان غزة للخطر

تردد التعبير عن هذه المشاعر على لسان العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية، وكثيراً ما كان عدنان البرش، وهو جراح عظام فلسطيني بارز استشهد في سجون الاحتلال في نيسان/أبريل، يدلي بشهادات عاطفية تسلط الضوء على صمود زملائه في مواجهة الدمار.

وفي آخر منشور له على منصة X كتب: “نموت واقفين ولن نركع”، وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر، وبينما كان مستشفى الشفاء محاصراً، كتب: “صامدون، لن نغادر إلا إلى الجنة أو إلى بيوتنا بكرامة”، وفي وقت لاحق، قال للجزيرة: “غادرنا المستشفى بقلب مثقل، ولكن الحمد لله، لقد أنجزنا مهمتنا”.

وفي شباط/فيراير كتب منير البرش على منصة X: “لن نترك ميدان الشرف، على الرغم من المجاعة والإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا الصامد”.

“سنعيد البناء”

ومؤخراً، أطلق سراح محمد أبو سلمية، مدير مستشفى الشفاء، من سجون الاحتلال بعد سبعة أشهر من اعتقاله أثناء تواجده في قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة كانت تنقل الجرحى من المستشفى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وبعد إطلاق سراحه، نشر أبو سلمية على مواقع التواصل الاجتماعي: “اعتقلنا من مستشفى الشفاء، وسنعود إلى مستشفى الشفاء، وسنعيد بناءه من الصفر، وبإذن الله سيكون أفضل في خدمة شعبنا”.

كما تحدث أبو سلمية عن الوضع المزري للأسرى الفلسطينيين والجرائم التي ارتكبتها سلطات الاحتلال بحقهم، حيث لا يزال العديد من زملائه قيد الاعتقال، ويواجهون ظروفاً قاسية وغير إنسانية.

وبعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه، عاد أبو سلمية إلى مستشفى ناصر لتخفيف المعاناة ودعم ما تبقى من نظام الرعاية الصحية في غزة. 

وكان إطلاق سراحه بمثابة فرصة للكثيرين لالتقاط الأنفاس، وخاصة بعد استشهاد عدنان البرش وطبيب آخر هو إياد الرنتيسي في سجون الاحتلال، وكذلك في ظل التقارير المتعددة التي تتحدث عن التعذيب والمعاملة اللاإنسانية في مراكز الاحتجاز.

وعلى مدى الأشهر التسعة الماضية، رأينا شهادات لا حصر لها من العاملين في مجال الصحة، بمن فيهم مدراء المستشفيات، الذين أعربوا عن رفضهم إخلاء المستشفيات وترك مرضاهم، ومن المؤسف أن نداءاتهم إلى المجتمع الطبي العالمي لم تسفر عن أي نتيجة.

وبالمثل، تم تجاهل نداءاتهم إلى جيش الاحتلال لتجنب عمليات الإخلاء التي من شأنها أن تعرض سلامة المرضى للخطر.

لقد تم تصميم أوامر الإخلاء الإسرائيلية للمستشفيات في القطاع المحاصر بشكل استراتيجي لزراعة شعور شامل بعدم الأمان بين الآلاف من الذين يسعون إلى اللجوء إلى هذه المرافق الطبية.

وقد أدى هذا الإجراء المدروس، إلى جانب التدمير المتعمد للبنية التحتية الصحية الحيوية، إلى تقويض حرمة وأمن الأماكن التي ينبغي حمايتها بموجب المعايير الدولية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة