عندما يتعلق الأمر بالحرب على غزة… تبدو الإدارة الأمريكية منفصلة عن الواقع!

بقلم أميل ألكلاي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

خلال تناولها خبر الاحتجاجات الطلابية في نيويورك في إحدى المرات، قالت مذيعة شبكة سي إن إن، كاسي هانت: “تصلنا الآن بعض الصور المذهلة عن أحداث توسعت بين عشية وضحاها، فقد علمنا للتو أنه قد تم تعليق لافتات من قاعة هاملتون كتب عليها “قاعة هند” و “الانتفاضة”، وذلك في إشارة إلى هند وهي امرأة قُتلت في غزة، والانتفاضة أي النضال العنيف الذي خاضه الفلسطينيون على مر السنين ضد إسرائيل”.

لا أدري من أين أبدأ بالحديث عن كلام المذيعة؟ أليس من الواجب على من تدعي أنها صحفية أن تتحقق من تفاصيل القصة قبل نشرها؟ ألا تعلم أن هند فتاة صغيرة بعمر 5 سنوات، كانت قد قتلت في داخل سيارة محاصرة من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة بينما كانت تنتظر المساعدة؟! بل وقد قُتل أيضاً اثنان من مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني الذين كانوا في طريقهم لمساعدتها!

المفارقة هي أنه برغم محاولات تحريف الخطاب السائد و إقرار قانون التوعية بمعاداة السامية المخزي والذي أقره مجلس النواب الأمريكي، فقد أصبح عدد الأمريكيين الذين أصبحوا على دراية بالفظائع التي يتم ارتكابها ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة أكثر من أي وقت مضى

كانت كلمات هند الأخيرة التي قالتها لعمال الطوارئ عبر الهاتف، قبل سماع وابل من الرصاص: “الدبابة بجانبنا، نحن في السيارة وبجوارنا الدبابة”.

لو توقفنا عن تسمية الانتفاضة، فهي التسمية التي تم إطلاقها على الانتفاضة الأولى التي اندلعت في ديسمبر 1987، وذلك بعد أن صدمت مركبة إسرائيلية وقتلت 4 فلسطينيين في مخيم جباليا للاجئين في غزة، وكانت الصور الشهيرة التي عبرت عن تلك الانتفاضة كلها لشبان وفتيات مسلحين بالحجارة والمقاليع، وهم يواجهون الدبابات والقناصين الإسرائيليين. 

أما الانتفاضة الثانية، والتي بدأت في سبتمبر عام 2000، فقد كانت مصحوبة بصورة أيقونية للأب جمال الدرة، وهو يمسك ابنه محمد البالغ من العمر 12 عاماً في محاولة لحمايته من النيران الإسرائيلية حيث أصيب الصبي وتوفي بعد ذلك بوقت قصير.

عدوان لا يتوقف

من الواضح أن مصطلح “العنف” لا يُستخدم إلا سوى شيء يتم ارتكابه ضد إسرائيل، أما الفلسطينيون، فإن معظمهم “يموتون” بدلاً من أن “يُقتلوا”، وفقاً لوسائل الإعلام الغربية السائدة!

في نفس المقطع الذي بثته شبكة سي إن إن، قال الصحفي في مجلة نيويوركر، إيفان أوسنوس، لهانت: ” لقد رأيت رئيس جامعة برنستون يقول إن الهدف يجب أن يكون حرية التعبير دون تخويف أو عرقلة، لأن الطلاب اليهود في الحرم الجامعي بجامعة كولومبيا قد يستيقظون على قلق”.

المفارقة هنا أن العديد من المتظاهرين في الحرم الجامعي هم يهود، وهنا الخلط بين فكرة أن “الطلاب اليهود” هم فقط الذين يتعرضون للأذى من قبل المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، وأن هناك عدداً من الطلاب اليهود ممن يشعرون بالغضب من التلاعب الصهيوني واستغلال هويتهم وتاريخهم لتنفيذ عملية إبادة جماعية.

هذا التحريف للواقع لم يحدث من فراغ، بل تم زرعه من خلال الخطاب السائد والصور والثقافة والمعايير المؤسسية، فالمزيد من جوانب “الحياة العامة” باتت تواجه هجوماً لا يتوقف من قبل الشركات والسلطة الحكومية.

نأمل في ظهور بصيص أمل يبحث عن القواسم المشتركة بين البشر قبل أن يغرق هذا القرن في دوامة من الفوضى، دوامة كارثية من القتل والدمار مثل تلك التي حدثت في القرن الماضي

المفارقة هي أنه برغم محاولات تحريف الخطاب السائد و إقرار قانون التوعية بمعاداة السامية المخزي والذي أقره مجلس النواب الأمريكي، فقد أصبح عدد الأمريكيين الذين أصبحوا على دراية بالفظائع التي يتم ارتكابها ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة أكثر من أي وقت مضى.

وفوق كل ذلك، وهو الأهم، أن الأمريكيين باتوا يدركون أن هذه الفظائع يتم دفع ثمنها من أموال الضرائب الأمريكية، وتحظى بدعم كامل من قِبَل طبقة سياسية تخلت عن أي ادعاء بتمثيل ناخبيها!

المحاولة الأخيرة

تعد محاولة توسيع تعريف “معاداة السامية” في الولايات المتحدة وأوروبا، مع فرض قواعد قانونية جديدة لمنع التدقيق في تصرفات إسرائيل، محاولة أخيرة من جانب القوى الغربية وممثليها للحفاظ على السيطرة على سرديتها، ولكن بما أنهم تخلوا عن دوائرهم الانتخابية، فإن دوائرهم لا شك أنها سوف تتخلى عنهم.

في الوقت الذي يستمر فيه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتحذير إسرائيل من غزو رفح، ويستمر في الحديث عن عمه الذي يزعم أن أكلة لحوم البشر أكلته خلال الحرب العالمية الثانية، فإن المزيد من الطبقة الحاكمة الأمريكية ومن رؤساء الجامعات سوف يجدون أنفسهم في الموقف الذي كان فيه جو بايدن كمرشح!

يعد التراجع عن المبادئ في المجال العام لحظة محفوفة بالمخاطر في حياة أي مجتمع، ففي الوقت الذي تسعى فيه كل سلطة الدولة إلى التركيز على المزيد من تفتيت السكان وشيطنتهم واختراع فئات جديدة من الضحايا، فلا يسعنا إلا أن نأمل في ظهور بصيص أمل يبحث عن القواسم المشتركة بين البشر قبل أن يغرق هذا القرن في دوامة من الفوضى، دوامة كارثية من القتل والدمار مثل تلك التي حدثت في القرن الماضي.

يعتمد الكثير مما قلته على ما إذا كان من الممكن إيقاف إسرائيل، فالولايات المتحدة هي التي تمتلك كل النفوذ تقريباً، وهنا يجب عليها ممارسة المزيد من الضغوط.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة