بقلم نهاد خاشور
استيقظت في الرابعة صباحاً على جدران غرفة نومي وهي ترتجف، جمعت زوجتي وأولادي بسرعة، وخرجنا مسرعين إلى الشارع وسط الأمطار الغزيرة، قبل أن تباغتنا الهزة الثانية، والتي انهار عندها منزلنا والمباني المحيطة أمام أعيننا، ولكننا لم نتوقف عن الحركة حتى وصلنا سيارتنا لنحتمي بها.
ربما نحتاج لمزيد من الوقت قبل إدراك حجم الدمار الذي خلفه
في الوقت نفسه، وعلى الجانب السوري، كان لي زميل يجري عملية ولادة قيصرية في مستشفى الإيمان الخيري في مدينة إدلب، وفي اللحظة التي تم إخراج الطفل فيها من رحم والدته، بدأت جدران المستشفى بالاهتزاز، وتحطمت خزانة على أرضية غرفة الولادة، لم نشهد موقفاً كهذا من قبل، قام فريقنا بمحاولة إخراج الطفل الجديد وأمه إلى الخارج، ففي تلك اللحظة المرعبة، سيكونون أكثر أماناً في هواء الشتاء القارس من داخل جدران المستشفى.
لم أتمكن من العودة إلى المستشفى رغم قربه من المكان الذي ركنت فيه سيارتي التي أعيش بها الآن أنا وعائلتي في تركيا، فالطرق تعرضت لأضرار كبيرة نتيجة الزلزال، اتصال الانترنت هو الشيء الوحيد الذي ما زال يعمل بأعجوبة ولذلك تمكنت من البقاء على اتصال دائم.
أما أعمال إعادة الإعمار، فيبدو أنها ما زالت بعيدة المنال، بعض زملائي فقدوا أسرهم ومنازلهم، لكنهم يواصلون عملهم في المستشفى الذي لا يزال قائماً رغم الأضرار التي لحقت به، من الجدران التي انهارت والخزائن و الرفوف المعلقة التي سقطت على الأرض إلى الأدوية والمعدات التي تبعثرت، في ظل ذلك، انقسم العمل في المستشفى إلى قسمين، بين إعادة المستشفى إلى الأمان والنظام وتوفير العلاج المتاح للمرضى والمصابين بعد الكارثة.
فرض علينا الصراع الذي دار في بلدنا لأكثر من 10 سنوات التمزق والفرقة، إخوتي وأبي كانوا على الجانب الآخر من الحدود بين سوريا وتركيا، وعندما أذهب إلى عملي في مستشفى الإيمان في إدلب لا أستطيع اصطحاب أطفالي، مثلي مثل كثير من العائلات التي تركت الصراع خلفها، إلا أني لم أستطع ترك سوريا بالكامل، لذلك أواصل عملي كطبيب هناك، أقدم الرعاية لأبناء وطني، أخشى عليهم من غياب البنية التحتية، فسوريا لن تتمكن من إعادة الإعمار مثل تركيا، وستظهر المزيد من آثار هذه الكارثة إلى السطح بعد انحسار غبار أنقاض الزلزال!
في سوريا أيضاً، لم نتمكن من الوصول إلى المعدات والآلات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض وإنقاذ العائلات والأطفال والكبار المحاصرين تحتها، بالإضافة إلى ذلك، فإن الشتاء القارس جعل الأرض صلبة ويستحيل حفرها باليد، والطرق باتت متضررة مما يزيد مشكلة توصيل الإمدادات، إعادة البناء أمر بعيد المنال، حتى في ظل جهود منظمات المعونة، رغم كل الجهود حتى هنا في تركيا إلا أننا ما زلنا نحتاج إلى المزيد.
جيل كامل يواجه صدمة!
عائلات وناجون من الزلزال يستقرون حيثما أمكنهم ذلك، حيث أُقيمت مراكز إيواء الطوارئ في قاعات فارغة وصالات ألعاب رياضية مليئة بالبطانيات، فوقها سقف وعلى جنبيها جدران لحماية الناس من البرد، وآخرون أقاموا خياماً مؤقتة من المواد الموجودة والمباني المكسورة في الحدائق والأراضي الفارغة، أو أينما يجد الناس مساحة مفتوحة، صحيح أنها لا تقيهم البرد والمطر بشكل كبير، إلا أنها تشعرهم بالأمان بطريقة ما، أكثر من أي مكان داخلي على الأقل، وهناك من استطاعوا الإيواء إلى أقرباء أو معارف لهم في مناطق أخرى في تركيا.
أما عن عائلتي، فقد فضلت البقاء في السيارة معي، بناتي اللاتي ما زلن في صدمة من الزلزال لا يرغبهم بالنوم والعيش إلا في السيارة حالياً، فذلك يشعرهن بالأمان أكثر!
من منطلق مهنتي كطبيب، فإن أكثر ما أتمنى أن يدركه الناس أن انهماك الجميع بجهود الإغاثة والإنعاش والبحث عن الجثث من تحت الأنقاض، يؤجل إدراكنا قليلاً لحجم المأساة التي خلفها هذا الزلزال، بين فقد مئات آلاف الأرواح وآلاف المنازل، لا شك أننا سنواصل الحياة ونحاول البناء من جديد، ولكن صدمة هذه اللحظة ستستمر، وتتحول إلى اضطراب ما بعد الصدمة لدى الصغار والبالغين على حد سواء.
حان وقت العمل، يجب على المجتمع الدولي أن يتضافر من أجل التخفيف عن معاناة الشعب في تركيا وسوريا، من توفير المعدات التي يحتاجونها إلى توزيع الغذاء ومساعدة مستشفى الإيمان على مواصلة عمله الحيوي في توفير الرعاية الصحية والطبية الطارئة خلال فترة إعادة ترميمه، وعندما يهدأ غبار الركام، نرجو أن لا تنسونا، فنحن سنكون بحاجتكم لإعادة منازلنا والحفاظ على صحتنا الجسدية والنفسية اليوم وغداً.
المصدر: ميدل إيست آي