بقلم ايتاي ماك
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على غرار العبارة الافتتاحية في الرواية الشهيرة، آنا كارنينا، للأديب ليو تولستوي حول العائلات السعيدة وغير السعيدة، فإن جميع الديمقراطيات تتشابه في سعادتها، أما أنظمة الفصل العنصري فلكل منها طريقته الخاصة كي لا يكون سعيداً.
فما بين عامي 1990 و 1994، أحجم رئيس جنوب إفريقيا في ذلك الوقت فريدريك ويليام دي كليرك عن حظر حركات التحرر الأفريقية، وأطلق سراح نيلسون مانديلا من السجن وشرع بالتفاوض معه، ومضى في مجموعة خطوات إصلاحية لتفكيك نظام الفصل العنصري.
وورد بالتفصيل في تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي صدر في كانون الأول/ ديسمبر 1995، أن الإصلاحات الدراماتيكية عززت، كرد فعل، أنشطة الميليشيات اليمينية المتطرفة التي عرفت بـ “القوة الثالثة” التي لم تكن مرتبطة رسمياً بالنظام ولا بحركات التحرر المعارضة.
وللحيلولة دون تحول البلاد إلى النظام الديمقراطي، رفعت “القوة الثالثة” مستوى العنف السياسي وتسببت في تصاعد حالة عدم الاستقرار في جنوب إفريقيا قبل الانتخابات العامة في نيسان/ أبريل 1994.
ظلت الجماعة السرية تحرض على العنف وتنفذ عمليات إطلاق النار العشوائي والهجمات على ركاب وسائل النقل العام مما أسفر عن مقتل المئات وإعدام العديد من النشطاء المؤيدين للديمقراطية وتنفيذ مذابح واسعة النطاق.
غابت الأدلة الكافية حول أي رابط بين “القوة الثالثة” ومؤسسات النظام العليا عن التقرير، كما غاب أي إثبات على أن الجماعة مثلت جزءًا من استراتيجية خفية لحكومة دي كليرك.
لكن التقرير كشف النقاب عن أن بعض أعضاء المجموعة كانوا أعضاء أو أعضاء سابقين في أجهزة الأمن، بمن فيهم مسؤولون كبار في المجموعة التي لم تغلقها حكومة دي كليرك بطريقة فعالة.
وأثناء سبعة أيام من القتال الذي دار في منطقة بيترماريتسبورغ بين 25 و 31 آذار/ مارس 1990، اقتحم آلاف المسلحين من أعضاء ميليشيا بانتوستان كوازولو مع نشطاء اليمين المتطرف البيض منازل عناصر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحركات التحرر الأخرى، ما أسفر عن مقتل نحو 200 شخصاً وتدمير 3000 منزلاً وتشريد 20 ألف مدني.
معظم الضحايا كانوا من النساء والأطفال والمرضى وكبار السن الذين لم تسعفهم سرعتهم للهرب.
وجدت لجنة الحقيقة أدلة على أن ضباط الشرطة والجنود دعموا عناصر الميليشيات المؤيدة للفصل العنصري بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية، وساعدوا بأنفسهم على ارتكاب الجرائم، عبر نقل المهاجمين والامتناع عن صدهم ومشاركتهم الهجوم.
وقد زرعت بريتوريا عملاء سريين في هذه الجماعات التي كانت حدودها القانونية في أنشطتها غامضة للغاية، حيث شاركوا بأنفسهم بشكل مباشر في الأنشطة المسلحة للميليشيات، حتى أن حركة المقاومة الأفريقانية (AWB)، وهي منظمة يمينية متطرفة مركزية، زعمت أن حوالي 40 إلى 60% من الجنود والشرطة هم من مؤيدي الميليشيات اليمينية المتطرفة.
ظلت هذه الجماعات اليمينية المتطرفة إلى أواسط الثمانينات متورطة في أعمال مسلحة معزولة وعشوائية.
ومنذ إعلان دي كليرك عن الإصلاحات السياسية أوائل عام 1990، ازداد عنف مجموعات اليمين المتطرف وأصبح أكثر تنسيقاً، وشمل اغتيال مناهضي الفصل العنصري، والذبح العشوائي وإطلاق النار، وتنفيذ الهجمات العشوائية، واستخدام المتفجرات على نطاق واسع.
على غرار اليمين المتطرف في جنوب إفريقيا، مارس اليمين الإسرائيلي المتطرف أيضًا هجمات عنيفة بمشاركة أطراف متعددة، فخلال العقود السابقة، نشطت جماعاته في خلايا سرية تحت الأرض وعادة ما يكون الجناة ملثمون عند تنفيذ هجماتهم في الأماكن العامة.
وفي الحالات النادرة التي تم فيها الكشف عن المتطرفين منفذي الاعتداءات وتوقيفهم، كانوا يزعمون أنهم ضحايا الاضطهاد السياسي، كما حدث مع “السرية اليهودية” التي نفذت أعمالا إرهابية في السبعينيات والثمانينيات.
ينطبق الأمر على ما سمّاه الشاباك “التنظيم المتمرّد” الذي خرج منه الإرهابي الذي أحرق منزل عائلة دوابشة، وكذلك مجموعة المستوطنين التي اختطفت الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وعذبته وقتلته.
ومنذ بداية عام 2023، لم يعد نشطاء اليمين المتطرف يشعرون بالحاجة إلى الاختباء عقب وصول حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
وخلال شاط / فبراير، شارك قرابة 400 ناشط يميني متطرف في مذبحة حوارة، حيث قضوا ساعات في إحراق عشرات المنازل وأقنان الدجاج والمحلات التجارية ومئات السيارات.
وفي حزيران/ يونيو، وصل نحو 150 ناشطاً من اليمين المتطرف إلى قرية عوريف ورشقوا الفلسطينيين بالحجارة، ونفذ نحو 100 ناشط مذبحة في قرية اللبّن الشرقية شملت التخريب وإضرام النار بعشرات المحال والمركبات والمنازل، ونفذ نحو 200 ناشط مذبحة في قرية ترمسعيا شملت إحراق عشرات المنازل والسيارات.
لم يعد هناك ما يدعو النشطاء الإسرائيليين من اليمين المتطرف للعمل تحت الأرض، فقد تم الترتيب للمذابح علناً وعبر شبكات التواصل الاجتماعي ومجموعات WhatsApp، بمشاركة أعضاء الحكومة وائتلافها في الكنيست ومساعديهم.
كانت تحركات مئات النشطاء تجاه القرى الفلسطينية واقتحامهم لها مكشوفة، وبثتها وسائل إعلام إسرائيلية وسكان فلسطينيون ومنظمات حقوقية، وهي من الأساس منطقة مغطاة بكاميرات الجيش والشرطة الأمنية، ورغم كل هذا، تواصلت المذابح لساعات طويلة أحيانًا.
مثلما كان يحدث في جنوب إفريقيا، اكتفى رجال الشرطة والجنود الإسرائيليون بالوقوف متفرجين وسمحوا لنشطاء اليمين المتطرف بإكمال المذابح، ولم يخجل الجيش الإسرائيلي حتى من نشر بيان يقول أن مثيري الشغب الإسرائيليين حالوا بينه وبين التعامل مع الإرهاب، ما يعني أنه يعتبر نشطاء اليمين أنفسهم ليسوا إرهابيين ولا يرى في المذابح التي يرتكبونها أعمالاً إرهابية.
وعلى الأرجح، فإن من بين رجال الشرطة والجنود والضباط من يقيم في مستوطنات المنطقة أو ينتمي إلى اليمين المتطرف، كما أن استخدام بعض نشطاء اليمين المتطرف لأسلحة الجيش في المذابح تشير، على أقل تقدير، إلى أنهم جزء من قوات حماية المستوطنات التي يديرها الجيش.
من الممكن، مثلما هو الحال في جنوب إفريقيا، معرفة تلقي نشطاء اليمين المتطرف الإسرائيلي للمساعدة من ضباط الجيش والشرطة لتنفيذ مخططاتهم.
وعلى عكس الأعوام الأخيرة من فترة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لم يلجأ نشطاء اليمين المتطرف الإسرائيلي إلى المذابح الكبرى لتخريب الإصلاحات أو محادثات السلام مع القيادة الفلسطينية.
إن النظر إلى المذابح على أنها أعمال انتقامية أمر مضلل أيضًا، فالاعتداءات على المستوطنين الإسرائيليين ليست سوى ذريعة لاختيار موعد المذابح، وليست ما يحفزهم، في الواقع، هذه أحداث للاحتفال بالفصل العنصري الإسرائيلي والتفوق اليهودي.
المذابح هي نتاج طبيعي لتطور الفصل العنصري الإسرائيلي عندما يصبح أعضاء الحكومة والائتلاف مؤيدين علانية للحاخام اليميني المتطرف مئير كاهانا، ويحرضون على ارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي للسكان الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.
المذابح ليست وسيلة، بل هي الهدف نفسه.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)