بقلم هيلاري وايز
كلفت الأمم المتحدة ثلاثة خبراء بارزين في القانون الدولي لمراقبة الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في الأعوام ما بين 2001 و 2022.
في كتابهم الجديد بعنوان “حماية حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة: العمل من خلال الأمم المتحدة”، يكتب المؤلفون ريتشارد فالك وجون دوغارد ومايكل لينك عن عملهم وخبراتهم كمحققين تابعين للأمم المتحدة.
تتيح التقارير للقارئ أن يتابع التفاصيل المؤلمة حول التشرذم المستمر للأراضي الفلسطينية، ونزع الملكية، والسيطرة على الفلسطينيين.
يأتي الكتاب في وقت يبدو فيه أنه حتى الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي التي وثقوها قد تجاوزتها الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية المتطرفة.
ومن بين الخبراء الثلاثة، كان جون دوغارد، وهو محامي حقوق إنسان جنوب أفريقي حارب الفصل العنصري في بلده لعقود، المقرر الخاص الوحيد الذي مُنح حق الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 2001 واستطاع السفر دون عوائق حتى أثناء الانتفاضة الثانية.
أسوأ من الفصل العنصري
تمكن دوغارد من مقابلة منظمات وأشخاص محليين، بما في ذلك الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي كان فعليًا قيد الإقامة الجبرية في ذلك الوقت.
وتوصل دوغارد إلى استنتاج مفاده أن الوضع هناك كان، في الواقع، أسوأ بكثير مما كان عليه الوضع في موطنه الأصلي، حيث فاقت أعداد المدنيين من القتلى وأعداد المنازل المدمرة تلك الأرقام في جنوب افريقيا، وتجاوزت القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين، الذين اصبحوا يعتمدون على المجتمع الدولي، تلك القيود التي فرضت في بلاده، في تجاهل واضح من قبل إسرائيل كقوة محتلة لمسؤولياتها تجاه الفلسطينيين بموجب القانون الدولي.
ونتيجة للوضوح والدقة الكبيرين في تقارير دوغارد تم منع المقررين الخاصين اللاحقين من الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تم القبض على ريتشارد فالك، الذي كان سيصبح خليفة لدوغارد لدى وصوله فلسطين قبل أن يتم ترحيله.
أما لينك، وهو محامي كندي تم تكليفه بالمهمة في العام 2016، لم يحاول حتى دخول الأراضي المحتلة، إلا أن ثلاثتهم اعتمدوا على ثروة من الأدلة التي جمعتها المنظمات الحقوقية والقانونية، الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، من الذين كانوا يعملون على الأرض، واستطاعوا التحدث إلى الفلسطينيين في الدول المجاورة.
وكما كان متوقعًا بشكل كافٍ، فقد تعرض المحامون الثلاثة جميعًا لتشهير شديد بسبب تقاريرهم – خاصةً فالك، الذي ربما يكون أكثر المقررين صراحةً، حيث كتب عن دهشته لتعيينه في المنصب من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتوقع أن يتم اختيار مرشح أكثر “تعاطفا” مع إسرائيل.
لم تكن إسرائيل نفسها عضوًا في مجلس حقوق الإنسان في ذلك الوقت، ومن المفارقات أن الولايات المتحدة، التي كانت ستعارض تعيينه بلا شك، كانت قد انسحبت احتجاجًا على التحيز المزعوم ضد إسرائيل.
وقوبل تعيين فالك غير المتوقع بإهانات من السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، وموجة من رسائل الكراهية والتهديدات بالقتل و”معاداة السامية”.
وعلى الرغم من منعه من دخول إسرائيل أو الضفة الغربية، فقد تمكن فالك من ترتيب الدخول إلى غزة عبر مصر في العام 2012، بعد وقت قصير من الهجوم الإسرائيلي على غزة والمعروف باسم عملية عمود السحاب، حيث شاهد الدمار بنفسه، ولسوء الحظ، جعل انقلاب السيسي في مصر عام 2013 الوصول إلى غزة أمرًا مستحيلًا.
وتمكن التقارير، التي تشكل الجزء الرئيسي من الكتاب القارئ من متابعة التفاصيل المؤلمة للتشرذم المتزايد للأراضي الفلسطينية، وممارسات نزع الملكية والسيطرة على الفلسطينيين.
وتعتبر جميع السياسات الإسرائيلية بالطرد والاستيطان وضم الأراضي وفي نهاية المطاف الفصل العنصري ممارسات غير قانونية بموجب القانون الدولي.
فعلى سبيل المثال، فإن المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة تعتبر العقوبات الجماعية اختراقا للقانون الدولي وتنص بوضوح على عدم جوازها، حيث جاء فيها: “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي على جريمة لم يرتكبها هو شخصيًا”.
و بمخاطبتهم المجتمع المدني بدلاً من رؤساء الحكومات، فقد خلق خبراء الأمم المتحدة وعيًا عامًا أكبر بكثير لدى الشعوب وألهموا الحراك في جميع أنحاء العالم.
وأبشع أشكال العقاب الجماعي تتجلى في حصار غزة المتواصل منذ أكثر من 16 عاما، حيث يشكل الإغلاق عن طريق الجو والبحر والبر وحده شكلاً من أشكال العقوبة التي تطال جميع السكان.
إن تفاصيل وضعهم المتدهور من حيث الهجمات المتكررة وفقدان المرافق الأساسية والبنية التحتية وتدهور الصحة الجسدية والعقلية تجعل القراءة مروعة حقًا.
وفي وقت مبكر من العام 2007، تحدث دوغارد عن نظام سيطرة عنصري تستخدمه إسرائيل للحفاظ على احتلالها، ويعتقد المقررون أن هذه الجريمة بالذات والتي تعد مفارقة تاريخية مخزية في القرن الحادي والعشرين “قد تشكل كعب أخيل لطموحات إسرائيل بالاحتلال والضم”.
حدود نفوذ الأمم المتحدة
وجاء في سياق الكتاب كيف أن المحامين الثلاثة افترضوا أن شهادتهم التي لا تُدحض ستحفز المجتمع الدولي، وفي هذا، يصف لينك اعتقاده الساذج أنه بمجرد كشفه جريمة الحرب المتعلقة ببناء المستوطنات، سوف تتخذ الأمم المتحدة موقفا رادعا، لكن ما جرى فعليا كان إبعاده وبسرعة.
تولى دوغارد منصبه في الوقت الذي كان يُبنى فيه جدار الفصل على الأراضي الفلسطينية، وعندما تمكنت إسرائيل من تجاهل النتائج التي توصلت إليها محكمة العدل الدولية والاستمرار في بناء الجدار مع الإفلات التام من العقاب، أدرك دوغارد حينها مدى حدود نفوذ الأمم المتحدة.
ويثق فالك بأن فلسطين ستكون قادرة على تقديم قضية قوية للغاية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية – إذا سُمح بالتحقيق بالمضي قدمًا، لكن الثقل الأخلاقي للقانون الدولي يخضع مرارًا وتكرارًا للضغوط الجيوسياسية.
كانت هناك بالطبع استثناءات مشرفة، حيث تبنت النرويج وخاصة أيرلندا، باستمرار مواقف داعمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي أماكن أخرى، مستشهدة في كثير من الأحيان بنتائج المقررين.
إلا أنه في الندوة العامة الأخيرة عبر الإنترنت، حيث اجتمع الخبراء والزملاء الثلاثة لمناقشة عملهم، كان إحباطهم من الأمم المتحدة واضحًا، واتفقوا على أن المنظمة تكاد تكون “مصممة لتكون غير فعالة”.
لقد نجحت صلاحيات الفيتو للدول الخمس في مجلس الأمن ومصالح أمريكا الإستراتيجية في حماية إسرائيل في عرقلة مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان لدعم الحقوق الفلسطينية.
وفي خطاب الوداع الذي ألقاه أمام الأمم المتحدة، أشار لينك إلى “عدم استعداد ملحوظ للمجتمع الدولي لفرض أي من قوانينه وقراراته”.
ومع ذلك، في الفصل الختامي للكتاب، يصف المقررون الأثر العالمي لعملهم، فلقد تلقوا ردود فعل إيجابية ودعوات للتحدث من مئات المنظمات غير الحكومية وكيانات المجتمع المدني مثل الكنائس والجامعات والنقابات العمالية، وقد حققوا حتى تغطية في وسائل الإعلام الرئيسية.
وبمخاطبتهم المجتمع المدني بدلاً من رؤساء الحكومات، فقد خلقوا وعيًا عامًا أكبر بكثير وألهموا الحراك في جميع أنحاء العالم، كما ازدهرت حركة المقاطعة، رغم كل المحاولات لحظرها.
يمنحنا عملهم الأمل في أن الضغط يمكن أن يمارس على الحكومات من قبل جمهور مطلع كما حدث في جنوب إفريقيا، خاصة عندما لا يمكن تجاهل الطبيعة الفاشية الجديدة والصارخة لحكم إسرائيل.