غزة بعد إعلان وقف إطلاق النار: بين مشاعر الفخر والألم ورحلة البداية من جديد

احتفل النازحون الفلسطينيون في قطاع غزة بالإعلان عن وقف إطلاق النار، وعبروا عن ارتياحهم وفي ذات الوقت خشيتهم على أمل أن يصمد الاتفاق الذي طال انتظاره.

فهذه شروق شاهين، وهي صحفية فلسطينية في دير البلح، قالت لموقع ميدل إيست آي أن “مشاعرها متضاربة ومختلطة للغاية، ونحن نحبس أنفاسنا”.

وعزت الصحفية الفلسطينية هذه المشاعر إلى التجربة الطويلة من خيبة الأمل، قائلة “كانت هناك جولات عديدة من المفاوضات التي كانت تخفق أمام شروط الجانبين المتفاوضين، وكنا نقع في اليأس في كل مرة بعد أن نشعر بالأمل”.

وأضافت: “أما هذه المرة، فنحن نشعر وكأن هناك جدية في المفاوضات ولاحظنا ضغوطًا دولية على جميع الأطراف، لذلك، نحن نتجه نحو وقف إطلاق النار”.

وسيشهد وقف إطلاق النار، الذي سيتم تنفيذه على ثلاث مراحل بدءاً من 19 يناير/كانون الثاني، عودة عدد لا يحصى من الفلسطينيين النازحين إلى مدنهم وبلداتهم.

ومن المتوقع أيضاً أن تصل المساعدات الإنسانية الملحة إلى الفلسطينيين الذين يحتاجونها بشدة، وأن يُسمح للجرحى الفلسطينيين بتلقي العلاج في الخارج.

وأوضحت شاهين: “نحن متحمسون للوقت الذي نتمكن فيه من التنفس بشكل طبيعي، ومتحمسون للنوم دون صوت الطائرات الحربية، ودون القصف والغارات”.

وتابعت: “كصحفية، أنا متحمسة لقضاء صباح دون وداع الشهداء، ودون الفراق بين الأقارب، ودون ألم الجرحى الذين أصيبوا بغارات الاحتلال الجوية على غزة”.

وتنحدر شاهين من بلدة جباليا الشمالية، إحدى أكثر المناطق تعرضاً لعدوان الاحتلال في القطاع الفلسطيني المحاصر.

وعلى الرغم من قصف منزلها وهدمه، تقول شاهين إنها قد تتمكن أخيراً من تقديم التعازي لأقاربها الذين فقدوا أحباءهم ورؤية جيرانها مرة أخرى، مشيرة إلى أنها متحمسة أيضاً “للقاء بقية أفراد عائلتي الذين رفضوا المغادرة أثناء الحرب”.

أما إيهاب عبد العزيز، 27 عاماً، من بيت لاهيا في شمال غزة، والنازح الآن في دير البلح، فعبر بدوره عن مشاعر تخلط فيها السعادة بالحزن، مثل حال شاهين.

ومن أمام مستشفى شهداء الأقصى قال لميدل إيست آي: “لقد فقدت العديد من أبناء العم والأصدقاء، قد يتم إعادة بناء المباني، لكن الأشخاص الذين فقدناهم لن يعودوا أبدًا”.

“أول شيء سنفعله هو تقديم التعازي لأولئك الذين فقدوا أحباءهم، ومحاولة استعادة جثث أقاربنا المدفونين تحت الأنقاض، أنا أحمد الله أن نجانا، وأدعو من أجل سلامة الجميع، وخاصة أهل غزة، نحن حريصون على العودة إلى شمال غزة والالتقاء بالأشخاص الذين ظلوا هناك وما زالوا ينتظرون عودتنا” – إيهاب عبد العزيز، نازح فلسطيني

ورغم شعوره بالارتياح لنجاته، إلا أنه اعترف بألم الخسارة قائلاً “لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي لكوني على قيد الحياة، ولكن في الوقت نفسه، أشعر بحزن شديد على أصدقائي الذين استشهدوا، لا شيء يمكن أن يعوض خسارتهم”.

“الحياة ستبدأ من جديد”

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد قتل عدوان الاحتلال على غزة أكثر من 46 ألف فلسطيني، لكن الخبراء يعتقدون أن حصيلة الشهداء أعلى بكثير، حيث صعّب تدمير الاحتلال لقطاع الصحة في غزة على السلطات تتبع كل حالات الفقد، ويُعتقد أن العديد من الجثث لا تزال تحت الأنقاض.

وقبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، غادر وائل الذي لم يذكر سوى اسمه الأول، مدينة رفح في جنوب القطاع إلى دير البلح على أمل أن يرى الحياة تستأنف في جميع أنحاء غزة.

وقال لـ ميدل إيست آي: “اليوم، بمجرد الإعلان رسمياً عن وقف إطلاق النار وتطبيقه في غزة، ستبدأ الحياة مرة أخرى على الرغم من الصعوبة وفقدان الشهداء والأحباء والأصدقاء والأقارب والجرحى”.

وقال وائل: “لقد فقدنا أصدقاءنا وأحباءنا، فقد أخي ساقيه وأصيبت ابنتي، وهي طفلة صغيرة، في عينها”، لكن وائل بدا على الرغم من كل ذلك متفائلاً بمستقبل شعبه.

وأضاف: “كشعب فلسطيني محتل منذ أكثر من 70 عاماً، اعتدنا على هذه القتل والتضحيات، واعتدنا على العودة، والانتفاضة على الرغم من القتل والخسائر، وبعد كل هذه التضحيات، سيقف شعبنا على قدميه مرة أخرى ويشكل حياته مرة أخرى حتى زوال الاحتلال”.

وتردد صدى شعور وائل لدى أحمد المحسن في خان يونس جنوب غزة، والذي يأمل أيضاً في العودة إلى مسقط رأسه رفح.

وقال محسن: “سواء دمر منزلي أم لا، فإن ما يهم هو العودة، بعيداً عن الحرب، لا يوجد مكان مثل المنزل، وسوف يستغرق الأمر الكثير من الوقت”.

وبالعودة إلى الصحفية شاهين، فإنها لا تستطيع الاحتفال كما يفعل الكثيرون في غزة بوقف إطلاق النار، وقالت “شعب غزة عاطفي، ربما يحتفل بعض الناس بوقف إطلاق النار، ولكنني شخصياً لن أفعل ذلك، احتراماً للشهداء”.

وترى شاهين أن وقف إطلاق النار حق للشعب الفلسطيني، وأنه كان من “واجب” كل دولة أن تضغط على الاحتلال للتوصل إلى اتفاق.

واستطردت الصحفية الفلسطينية قائلة “ولكن للأسف، لقد دعموا الاحتلال بكل أنواع الأسلحة التي ألقيت علينا وكانت السبب وراء قتلنا وإبادتنا الجماعية، ولن يكون احتفالنا سوى عودتنا إلى الشمال، إلى عائلاتنا”.

أما وائل فيحمل أمنية بسيطة تتمثل في العودة إلى الحياة الطبيعية، ويقول “أملنا هو العودة إلى الحياة الطبيعية، وأن يعود أطفالنا إلى المدارس، وأن تبدأ مستشفياتنا في العمل مرة أخرى، وأن يتمكن شعبنا من التحرك والسفر، وأن يتلقى جرحانا العلاج، نأمل أن تكون هذه بداية تحرير أرضنا بالكامل”.

وبدوره يؤمن محسن أن قطاع غزة سوف يعود “أكثر جمالاً من ذي قبل، ولكن هذا سوف يستغرق وقتاً طويلاً”.

ومن المتوقع أن تعود الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين في مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ويأمل الوسطاء أن تنجح المرحلة الأولى التي تستمر 42 يوماً في جعل وقف إطلاق النار دائماً.

وقال محسن: “لا نريد أن تعود الحرب، لقد خسرنا الكثير، وعانينا الكثير من الألم، ولم نعد نشعر بأننا على قيد الحياة منذ عام ونصف”.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن محسن يشعر بالفخر بصمود شعبه طوال الحرب، ويقول “ستظل غزة عنواناً للعالم أجمع، عنواناً للتغيير، وعنواناً لكل ما يتعلق بالنضال والمقاومة على وجه الخصوص”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة