غزة بين الموت جوعًا أو قصفًا… والمجتمع الدولي يتفرج

بقلم أحمد أبو رتيمة

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

تهدف الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في غزة والتي دخلت شهرها التاسع عشر إلى تدمير كل أشكال الحياة وتفكيك أسس البقاء في القطاع المحاصر، فقد يموت سكان غزة جراء الغارات الصاروخية، أو المرض، أو الجوع، أو انهيار نظام الرعاية الصحية، فالكربات تنهك الأجساد حتى يُسيطر عليها المرض.

وفي غزة، كل طريق صار يؤدي إلى الموت الذي أصبح شائعًا ومألوفًا لدرجة أن الفلسطينيين قد يواجهون في آن واحد أنواعًا متعددة من الموت، كما هو الحال مع طوابير الناس الذين يصطفون أمام مطابخ الجمعيات الخيرية في محاولة لتجنب المجاعة، لكنهم يتعرضون لقصف طائرات الاحتلال أثناء انتظارهم.

حدث هذا مؤخرًا في منطقة المواصي الجنوبية، حيث قال أحد المتطوعين لموقع ميدل إيست آي: “كنت مشغولًا بتوزيع الطعام على الأطفال، وفي لمح البصر، انقلب كل شيء رأسًا على عقب”.

وأوضح مستذكراً تفاصيل ما جرى: “امتلأ المكان بالدماء، وارتفعت صرخات الأطفال والنساء، وتناثرت الأواني المملوءة بالطعام، وتحول المطبخ إلى كرة من نار”، وبالعموم، فإن التقارير الإعلامية المحلية تشير إلى أن دولة الاحتلال استهدفت 26 مطبخًا غذائيًا و37 مركزًا لتوزيع المساعدات في غزة منذ بدء العدوان في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي حين أن هذه المطابخ غالبًا ما تقدم طعامًا رديء الجودة، يقتصر عادةً على مواد غذائية أساسية كالعدس والفاصوليا والأرز، إلا أن الفلسطينيين على استعداد للانتظار لساعات في طوابير طويلة لمجرد الحصول على طبق وهو دليل على عمق الكارثة الإنسانية في غزة.

لقد فقدت العديد من العائلات القدرة على تأمين حتى الحد الأدنى من الطعام، وأصبحت هذه المطابخ المزدحمة ملاذهم الأخير لدرء الجوع.

حصار خانق

وقد أدى الازدحام نفسه إلى مآسٍ جديدة، مثل سقوط الطفل عبد الرحمن نبهان، البالغ من العمر خمس سنوات، في قدر من الطعام يغلي في ملجأ بمخيم النصيرات في يناير/كانون الثاني، فأصيب بحروق خطيرة وتوفي لاحقًا متأثرًا بجراحه.

ومنذ بدء الاحتلال لحرب الإبادة، انتشرت مطابخ الطعام في جميع أنحاء غزة وراح يديرها متطوعون ومنظمات خيرية تهدف إلى التخفيف من حدة الفقر والجوع على نطاق واسع، لكن قدرتها على تقديم هذه الخدمة تعطلت بسبب حصار الاحتلال الخانق على القطاع، بما في ذلك القيود المفروضة على دخول الإمدادات الغذائية الأساسية.

ومنذ مطلع مارس/آذار، لم تسمح سلطات الاحتلال بدخول شاحنة طعام واحدة إلى غزة، واضطرت جميع المخابز إلى الإغلاق بسبب نقص الوقود والدقيق، وعلقت معظم منظمات الإغاثة خدماتها أو قلصتها، فيما يواجه سكان القطاع، البالغ عددهم مليوني نسمة، كارثة حقيقية.

وفي الوقت نفسه، يعاني عشرات الآلاف من الأطفال في غزة من سوء تغذية حاد، مما يهدد مستقبلهم.

وقد قالت بشرى الخالدي، مسؤولة السياسات الإقليمية في منظمة أوكسفام، لموقع ميدل إيست آي: “يتناول الأطفال أقل من وجبة واحدة يوميًا ويكافحون للوصول إلى الوجبة التالية، الجميع يعيش على الطعام المعلب فقط، لا شك أن سوء التغذية والظروف الشبيهة بالمجاعة تنتشر في غزة”.

وصحيح أنه لا مبرر لاستخدام التجويع كأداة ضغط سياسي على شعب بأكمله، رجالًا ونساءً وأطفالًا على حد سواء، لكن دولة الاحتلال تواصل ممارسة هذه السياسة دون عقاب، حيث يُكثّف وزراء اليمين المتطرف خطابهم الإبادي حول منع “غرام واحد من الطعام أو المساعدات” من دخول غزة.

لقد رأى الاحتلال أن العالم يفتقر إلى أي إرادة جادة لمحاسبته على انتهاك القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، ولو اتخذ حلفاء دولة الاحتلال موقفًا حازمًا ضد سياسة العقاب الجماعي في غزة، لاضطرت إلى التراجع إلى حد ما، خوفًا من الإضرار بمصالحها وعلاقاتها الدولية، لكن هذا لم يحدث قط.

ولهذا السبب، فإن دولة الاحتلال ليست الطرف الوحيد المسؤول عن تجويع غزة، بل المسؤولية مشتركة بين كل من يواصل دعم الاحتلال بأي شكل من الأشكال، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا، ويشترك في المسؤولية كل من يلتزم الصمت، مانحًا الضوء الأخضر لمجرمي الحرب الصهاينة للمضي قدمًا في جرائمهم.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة