غزة تبدأ عاماً جديداً بلا تعليم.. وطلابها يطاردون لقمة العيش بدلاً من الدروس

بقلم مها الحسيني

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

في الوقت الذي بدأ أكثر من 2.5 مليون طالب في دولة الاحتلال عامهم الدراسي الجديد يوم الإثنين، يواجه أكثر من 660 ألف طفل في غزة عاماً ثالثاً من الحرمان من التعليم، وسط حرب إبادة شاملة حوّلت المدارس إلى أنقاض وأحالت مستقبل جيل كامل إلى المجهول.

كانت ليان عبد الرحمن، البالغة من العمر 19 عاماً، طالبة مفعمة بالطموح، تتقن الإنجليزية وتتهيأ للتقديم إلى الجامعات، لكن مسيرتها توقفت بفعل العدوان، وتأخرت طلباتها الدراسية لعامين، وهي تحاول اليوم التقديم عبر الإنترنت وتكافح آثار الصدمة بعد فقدان والدها وعدد من أفراد عائلتها في قصف الاحتلال.

وتقول شقيقتها إسراء (33 عاماً): “هي منهكة نفسياً وتبكي باستمرار، لديها موعد لتقديم الطلب الأسبوع القادم عبر الإنترنت، لكنها لا تصدّق ذلك، كل يوم تسألني: هل فعلاً سأقدم طلب الالتحاق بالجامعة؟”.

مدارس غزة هدف مباشر

وكان تقرير لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قد حذّر من أن أكثر من 660 ألف طفل في القطاع حُرموا من الدراسة للعام الثالث على التوالي. 

ووفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية الذي أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية في أبريل/نيسان الماضي، فإن 97% من مدارس غزة تعرضت لأضرار متفاوتة، فيما تلقّت 432 مدرسة أي نحو 77% من إجمالي مدارس القطاع إصابات مباشرة منذ السابع من أكتوبر 2023.

وتقول وزارة التربية الفلسطينية إن تعليم نحو 700 ألف طالب قد توقف عن الدراسة، وحُرم أكثر من 70 ألفاً من التقدم لامتحانات الثانوية العامة خلال العامين الماضيين.

حرب على التعليم

ويحاول فتية غزة ببسالة كبيرة استكمال تعليمهم لكنهم يفعلون ذلك وسط ركام المباني وصدمات نفسية عميقة ومعركة يومية للبقاء على قيد الحياة.

فهذا عبد العزيز، شقيق ليان (16 عاماً)، كان طالباً متفوقاً في إحدى مدارس الأونروا، لكنه اليوم، وكما تقول شقيقته إسراء “لم يعد يتذكر حتى في أي صف يدرس، لقد أصبح اهتمامه كله منصباً على العمل والمهنة، وترك الدراسة تماماً”.

أما يارا خالد (40 عاماً)، فتقول إن أبناءها كانوا يدرسون في المدرسة الأميركية بغزة وكانوا متفوقين، لكن الحرب غيرت حياتهم بالكامل. 

وتضيف: “الآن كل تفكيرهم بات منصباً على كيف نوقد النار، وهل لدينا خبز، وهل سيكون هناك طعام في اليوم التالي، لقد دمرت الحرب جيلاً كاملاً”.

“الحرب على التعليم أعمق وأخطر من هدم المباني، إنها حرب على وجود الشعب الفلسطيني نفسه” – يارا خالد، والدة طلاب مدارس من غزة

فصول في الخيام

ورغم أن معظم مدارس غزة قد دُمّرت، إلا أن مبادرات فلسطينية محلية تسعى لإبقاء جذوة التعليم حيّة. ففي مايو/أيار 2024، أسس معلم اللغة الإنجليزية أحمد أبو رزيق منظمة “عقول غزة العظيمة”، التي تدير شبكة مدارس خيام في أنحاء القطاع.

ويقول أبو رزق: “رأيت طفلاً يحمل حقيبته ويركض، ظننت أنه متأخر عن المدرسة، لكنني اكتشفت أنه يركض خلف مساعدات أُلقيت من الجو، كان يجمع حبات الأرز من التراب ليضعها في حقيبته، حينها قلت: كفى، يجب أن أفعل شيئاً”.

وتدير المنظمة اليوم 6 من أصل 50 مدرسة متبقية، وتقدم التعليم مجاناً لـ3,000 طفل يقول أبو رزق أنهم “يأتون إلى الصف وهم جياع، وكثير منهم يفكر بالهجرة، ويقضون ساعات في طوابير الماء والدقيق، مهمتنا أن نرسم ابتسامة على وجوههم رغم كل شيء”.

لكن التحديات تتفاقم مع استمرار العدوان، حيث يضيف المعلم: “قوات الاحتلال تطلق النار عشوائياً، إنهم لا يفرّقون بين مدرسة أو مستشفى أو منزل، والأهالي يخشون إرسال أبنائهم، وأعداد الطلاب تتناقص، لكن أن هناك حاجة إلى مستشفى لعلاج الأجساد، فإن هناك حاجة إلى مدرسة لتعافي الأذهان”.

ويوم الأحد الماضي، فقدت المدرسة اثنين من طلابها، محمد وداليا، اللذين استشهدا أثناء اللعب في الشارع، حيث يقول أبو رزق عن ذلك: “كانا مصدر أمل لأسرتيهما، والمدرسة كانت ملاذاً لهما، وقد خسرت المدارس منذ إنشائها تسعة طلاب”.

ويرى نيف غوردون، رئيس لجنة الحرية الأكاديمية في الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، أن ما يحدث ليس عرضياً، بل سياسة متعمدة.

ويقول: “من خلال تدمير البنية التعليمية والفكرية في غزة ومنع الأطفال من الوصول إلى المدارس، تعمل دولة الاحتلال على تقويض التنمية المستقبلية للقطاع بشكل ممنهج، حتى بعد انتهاء أعمال الإبادة”.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة