بقلم غادة عابد
ترجمة وتحرير مريم الحمد
مثل كثير من الفلسطينيين في غزة، لم تشعر ربى زيارة وعائلتها بالأمان منذ بدء القصف الإسرائيلي للقطاع المحاصر بعد 7 أكتوبر،
وعندما أمرت إسرائيل سكان شمال القطاع بالتوجه جنوبًا، لجأت العائلة إلى منزل أحد الأقارب في مخيم النصيرات للاجئين، وسرعان ما لحقتهم غارة جوية أسفرت عن مقتل ابن عم ربى وإصابة عدد من أفراد العائلة.
بعد ذلك،قررت عائلة ربى العودة إلى منزلهم المكون من 3 طوابق في حي النصر بمدينة غزة، لأنهم شعروا أنه ما من خيار آخر، مع أنه القرار جعلهم في خضم القتال منذ بدء التوغل البري الإسرائيلي.
تقول ربى أنه “على مدى الأسابيع القليلة الماضية، كانت هذه المنطقة محاطة بأحزمة نارية”، فهذا هو المصطلح الذي يستخدمه السكان المحليون لوصف القصف الإسرائيلي المتواصل للمنطقة.
لم تجد عائلة ربى الأمان داخل جدران منزلها، وفي الخارج كانت المغامرة أخطر بكثير، فقرروا أخيراً التجمع في وسط المنزل، في محاولة للابتعاد عن الرصاصات التي اخترقت جدران المنزل الخارجية.
وفي وصف ذلك تقول ربى “كنا ننام في وسط المنزل، لم نتمكن من النوم في الغرف، فقد كانت الطائرات بدون طيار تعمل في سماء المنطقة دون توقف والرصاص كان يدخل إلى الشقة”.
حزم حمراء
مع بداية المعركة البرية من قربهم، لاحظ أفراد الأسرة سحبًا من الدخان الكثيف ثم شعاعًا أحمر للمعدات التي يستخدمها الجنود الإسرائيليون يخترق الظلام، كما استخدم الجنود عبوات ناسفة لاقتحام بوابة المنزل، قبل أن يتقدموا إلى الطابق الأول.
في الطابق الأول، التقوا باثنين من أصهار زيارة وزوجاتهم، وهنا استجوب الجنود المجموعة قبل أن يكملوا طريقهم إلى الطابق الثاني، والذي عثروا فيه على أحد أقارب زيارة، فأجبروه على خلع ملابسه، قبل أن يلتقطوا معه صورة مع العلم الإسرائيلي في الخلفية، ثم يأتي بعد ذلك الطابق العلوي الذي كانت تقيم فيه ربى مع زوجها وعدد من الأقارب.
استخدم الجنود المتفجرات في كل غرفة، مما أدى إلى ترويع الأطفال في المنزل، بحسب ربى، فإن أحد الأقارب، كان يعاني من الصرع، وقد أصيب بنوبات أثناء المداهمة وتعرض للضرب على أيدي الجنود حتى فقد وعيه، ثم أجبروه على الاستلقاء على بطنه ووضعوا الأصفاد بإحكام حول معصميه، وضربوه بأعقاب بنادقهم.
أحزمة نارية
نقل الجنود الأسرة بعد ذلك إلى غرفة المعيشة حيث تم استجوابهم بلغة عربية ركيكة، بتهمة الانتماء لحماس كما تقول ربى، وقد حاول بعض الأقارب مناقشة الجنود بالعبرية والإنجليزية من أجل توضيح أنهم مدنيون، تقول “يتحدث والد زوجي العبرية فأخبرهم أننا مدنيون” إلا أن الجنود رفضوا لم يأخذوهم على محمل الجد.
كما أشارت ربى إلى أن الجنود وضعوا قناصًا داخل المبنى قبل أن يأخذوا الرجال معصوبي الأعين إلى غرف نوم فردية للاستجواب،
ثم أمروا الأسرة بجمع الأمتعة والتوجه إلى الخارج.
النساء نزحوا للجنوب والرجال تم اعتقالهم
في الخارج، كان هناك دبابات وجرافات إسرائيلية منتشرة في المنطقة، تم توجيه أفراد الأسرة إلى باب جانبي بالقرب من إحدى مدارس الأونروا، حيث قام الجنود بتصنيفهم حسب العمر والجنس، كما قاموا بتصويرهم أثناء ذلك.
بعد ذلك، تم إرسال النساء والأطفال إلى الجنوب، فيما تم اعتقال الرجال للاستجواب.
خلال رحلة النزوح على طول شارع النصر، شاهدت العائلة الدمار في مكان كان في السابق منطقة مزدحمة، قبل أن تتناثر فيه الجثث وبرك الدماء والمتاجر المدمرة.
قام النازحون للجنوب برفع العلم الأبيض كلما ظهرت الدبابات، وعند وصولهم إلى شارع الرمال، شاهدوا المزيد من الدبابات تقترب حتى قام أحد المدفعيين بتوجيه سلاحه نحو المجموعة، فبدأ الأطفال بالبكاء ورفعت النساء علماً أبيض.
كلما مروا بدبابة حاولوا البحث عن طريق آخر، وفي طريقهم شاهدوا الشوارع مليئة بالجثث والكراسي المتحركة المكسورة والحيوانات المتحللة، تقول ربى أنها كانت ترى الجنود يختارون الناس من بين الحشود، ويفصلونهم عن عائلاتهم للاعتقال والاستجواب.
عندما وصلوا الجنوب، بدأت رحلة البحث عن أقاربهم الذكور، فمن خلال مساعدة منظمات قانونية في تركيا وإسرائيل، اكتشفت ربى أن معظمهم قد تم نقلهم من غزة على يد الإسرائيليين إلى سجن في منطقة النقب، حيث تعرضوا لمعاملة وحشية، وأضافت “لقد تعرضوا للضرب والإساءة بلا هوادة، فضلاً عن أعمال العنف القاسية”.
لم تنسَ ربى مصير زوجها، تقول “ما زلنا لا نعرف مصير زوجي، فأنا أشعر أن ما عشناه كان عاطفياً أكثر من اللازم، أطفالي ما زالوا خائفين، يسألونني عن والدهم كل يوم”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)