غولدا.. محاولة إسرائيلية بائسة لتجميل وجه قبيح

بقلم ندى إيليا

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لم تكن توقعاتي كبيرة عندما دخلت السينما لحضور فيلم “غولدا“، الذي تدور أحداثه حول رئيسة وزراء إسرائيل السابقة إبان حرب 1973 ضد الجيشين المصري والسوري، فقد وصفت مجلة “هوليوود ريبورتر” الفيلم بأنه سيرة ذاتية تظهر فيه رئيسة وزراء إسرائيل الوحيدة على أنها “قائدة عسكرية فذة ودبلوماسية ماهرة”. 

من الواضح لمن يشاهد الفيلم أن المخرج، غاي ناتيف، لم يكن يريد أن يظهر لنا الكثير عن “الإنسان” في داخل الشخصية التي صورها “كأسطورة”، فلم يركز إلا على ما يزيد من كونها أسطورة داخل الفيلم!

في ذلك الوقت، كانت “الأسطورة غولدا مائير”، أيقونة نسوية في الولايات المتحدة، حين كانت تشغل منصب رئيسة وزراء إسرائيل الرابعة من عام 1969 حتى عام 1974، حتى تم التصويت لها، في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب خلال تلك الفترة، باعتبارها “المرأة الأكثر إثارة للإعجاب” في الولايات المتحدة، متفوقة بذلك على السيدة الأولى آنذاك بيتي فورد، وبات نيكسون زوجة الرئيس السابق آنذاك ريتشارد نيكسون.

كانت الزعيمة الإسرائيلية، ذات البشرة البيضاء والصهيونية الليبرالية، هي الوجه الموجود على ملصقات الحركة النسوية الأمريكية، كتب فوقها “ولكن هل يمكنها الكتابة؟”، وذلك في معرض الاستنكار خلال حملة تنتقد النمطية الجنسانية في مكان العمل.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فهي محتقرة مبغوضة لأنها المرأة التي قالت يوماً “لا يوجد شيء اسمه فلسطينيين”، وأشارت إلى أن “العرب يكرهون اليهود أكثر مما يحبون أطفالهم” إلى جانب عشرات التصريحات الأخرى المسيئة.

لم يخبرنا الفيلم لماذا هاجمت مصر وسوريا إسرائيل في أكتوبر عام 1973، فالهدف الحقيقي وراء الهجوم كان استعادة الجولان وسيناء اللتان احتلتهما إسرائيل عام 1967، بدلاً من ذلك، نرى مائير في الفيلم تحذر من تهديد تواجهه إسرائيل “إذا ما استولى السوريون على مرتفعات الجولان”!

الحقيقة أن القليلين ممن يحبون تكرار ما تقوله غولدا حول إنكار الوجود الفلسطيني يدركون ما تعنيه تلك التصريحات، أي مدى عمق جذوره في النظرة الأوروبية التي ترى أن وجود الشعب ليس سبباً للشرعية في ظل غياب الدولة بالمفهوم الأوروبي القومي الحديث، وعليه فإن إنكار مائير، لا يعني إنكارها لوجود الفلسطينيين كبشر، ولكن إنكار حقوقهم، لأن فلسطين لم تكن دولة مستقلة وفق المعايير الأوروبية! 

وقد نقلت الكتب عن غولدا قولها “متى كان هناك شعب فلسطيني مستقل مع دولة فلسطينية؟ كانت جنوب سوريا قبل الحرب العالمية الأولى، ثم فلسطين معها الأردن، ولم يكن الأمر كما لو كان هناك شعب فلسطيني في فلسطين يعتبر نفسه شعباً فلسطينياً، فجئنا وطردناه وأخذنا وطنه منه، لم يكونوا موجودين”!

العقلية الاستعمارية

هذه هي العقلية التي أدت إلى حرمان السكان الأصليين لأمريكا في جزيرة السلحفاة من حقوقهم في السيادة، فهم لم يكن لديهم حدود ولا نظام سياسي على مقاس الغزاة الأوروبيين، وعلى ذات النهج بنيت الصهيونية، عقلية استعمارية عبر عنها وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، هذا العام، معتبراً أن التاريخ الفلسطيني والأمة الفلسطينية غير موجودة!

إذا ما عدنا لأي شيء مكتوب عن تلك الحقبة التي تتحدث عنها مائير، فسوف نرى خطأها الواضح، فقد تأسست صحيفة فلسطين في أوائل القرن العشرين، وقد كانت العملة مختومة في ذلك الوقت بـ “فلسطين” وليس “جنوب سوريا”.

من ناحية خطاب النسوية، كان الإسرائيليون أكثر اعتدالاً في توصيفها من الأمريكان، حيث تذكر أحد المراجع، شالفي/ هايمان المختصة بالنساء اليهوديات، أن غولدا “كانت ملكة نحلة، امرأة تصعد الى القمة، ثم تسحب السلم إلى الأعلى خلفها، ولم تمارس صلاحيات السلطة لتلبية الاحتياجات الخاصة للمرأة، أو تعزيز النساء الأخريات، أو تعزيز مكانة المرأة في المجال العام، فالحقيقة هي أنه في نهاية فترة ولايتها، لم تكن أخواتها الإسرائيليات في وضع أفضل مما كن عليه قبل توليها منصبها”.

غولدا لا تمثل صورة القائد الأخلاقي البطولي التي أراد صناع الفيلم إثارة إعجابنا بها، لاشك أن المقصود كان تعزيز الدعاية الإسرائيلية، لكن فيلم “غولدا” عمل على إغراقها بدلاً من ذلك!

جاءت مراجعات فيلم “غولدا” معتدلة على أقل تقدير، فقد وصفت قناة Bad Movie Reviews المختصة بمراجعة الأفلام على يوتيوب، الفيلم بعبارات مثل “ممل وخافت”، كما أن الفيلم “سطحي للغاية” بوصف صحيفة واشنطن بوست.

لم يخبرنا الفيلم لماذا هاجمت مصر وسوريا إسرائيل في أكتوبر عام 1973، فالهدف الحقيقي وراء الهجوم كان استعادة الجولان وسيناء اللتان احتلتهما إسرائيل عام 1967، بدلاً من ذلك، نرى مائير في الفيلم تحذر من تهديد تواجهه إسرائيل “إذا ما استولى السوريون على مرتفعات الجولان”!

افتراءات هجومية!

تلعب الممثلة هيلين ميرين دور غولدا في الفيلم، وهو ما اعتبرته صحيفة ديترويت نيوز “ضياعاً لموهبتها”، حيث وصفت الصحيفة الفيلم بأنه “مزعج ومتشدد”، فالفيلم يتركز حول “دفاع إسرائيل عن نفسها” باعتبار ذلك “حق” يتم تذكيرنا به، والحقيقة أن لا يوجد “حق” في الدفاع عن احتلال غير قانوني، بدلاً من ذلك عليه إنهاء الاحتلال!

وصفت صحيفة لوس أنجلوس تايمز، وهي صحيفة ذات توجه صهيوني واضح، الفيلم بـ “الباهت”، وأن “أفضل ما فيه وربما الوحيد المثير للاهتمام هو أداء ميرين”، ومن الغريب أن الصحيفة وتحت عنوان “هل يجب أن يلعب اليهود فقط دور اليهود؟” أثارت الجدل حين وضع الممثل برادلي كوبر أنفاً صناعياً في تجسيده لشخصية يهودية مشهورة، هو ليونارد بيرنشتانين، فيما لم تقم الجدل في فيلم “غولدا” رغم أن ميرين تضع أيضاً أنفاً صناعياً وترتدي بدلة سمينة لتصوير شخصيتها!

يبدو أن الذين ذكرتهم ممن كتبوا عن الفيلم مثلي، لم يتأثروا بالضجة الترويجية التي أحاطت بالفيلم، وهذا أمر جيد، فقد كنت قلقة من تحقيق الفيلم نجاحاً كبيراً يساهم في تعزيز صورة إسرائيل، ويزيد من الهاسبارا الصهيونية، في وقت تظهر فيه إسرائيل بأمس الحاجة إليه، فالسرد الصهيوني الذي يتخلل الفيلم يمكن اختصاره بالقول أن “هذا هو عام 1948 مرة أخرى”، كما قالت مائير، وكأن إسرائيل هي التي تعرضت للهجوم عام 48 وليس الفلسطينيين!!

في الفيلم، تزعم مائير أيضاً أن “العرب” وتقصد المصريين والسوريين، فلم يرد ذكر الفلسطينيين أبداً في الفيلم، لا يحزنون على موتاهم، في حين أن مقتل كل جندي يهودي في المعركة يثقل كاهل روحها، وتلك افتراءات صهيونية أخرى تزين الفيلم!

رغم ذلك، فالتأثير العام للفيلم عكس تلك الصورة، ففي الفيلم نرى دولة ترغب في استخدام طاقتها النووية للاحتفاظ بالأراضي التي استولت عليها بشكل غير قانوني، وسياسية لعوب ترغب في انتزاع الأسلحة من الولايات المتحدة، فغولدا لا تمثل صورة القائد الأخلاقي البطولي التي أراد صناع الفيلم إثارة إعجابنا بها، لاشك أن المقصود كان تعزيز الدعاية الإسرائيلية، لكن فيلم “غولدا” عمل على إغراقها بدلاً من ذلك!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة