زعمت فرنسا يوم الأربعاء أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو “محصن” من الاعتقال الدولي وذلك بعد صدور مذكرة باعتقاله من المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد ذكرت في بيان لها، بعد أن أصدر قضاة المحكمة ومقرها لاهاي الأسبوع الماضي مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، أنها ملتزمة بالعدالة الدولية.
ويتهم المسؤولان في حكومة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث تواصل قوات الاحتلال عدوانها الدموي على القطاع.
وكانت فرنسا من بين أوائل الدول التي أعلنت أنها ستؤيد قرار المحكمة، على الرغم من أن المسؤولين فيها لم يعلنوا صراحة إنهم سيقومون باعتقال نتنياهو.
لكن الخارجية الفرنسية زعمت يوم الأربعاء أن نتنياهو مشمول بالحصانة كرئيس حكومة في السلطة لأن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية. وهذه هي المرة الأولى التي يتناول فيها عضو في المحكمة قضية اعتقال نتنياهو.
وكانت ذات حجة فرنسا قد استخدمت سابقاً من قبل الدول التي رفضت اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وعمر البشير رئيس السودان السابق، لكن المحكمة رفضت باستمرار تلك الحجج واعتبرتها لا أساس لها من الصحة.
ولا يتمتع رؤساء الدول بالحصانة أمام المحكمة الجنائية الدولية، حتى لو كانوا يحكمون دولة لم توقع على نظام روما الأساسي للمحكمة، وفقاً لأحكام سابقة وكذلك رأي خبراء علماء الحصانة الذين تحدثوا مع ميدل إيست آي.
وأصبحت جميع الدول الأطراف البالغ عددها 124 دولة في نظام روما الأساسي، بما في ذلك جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، ملزمة قانونًا الآن باعتقال نتنياهو وغالانت وتسليمهما إلى المحكمة.
ولا يمكن بدء المحاكمة غيابياً، وليس للمحكمة سلطات إنفاذ لقراراتها، لذلك يجب على الدول التعاون مع المحكمة من أجل تحقيق ذلك.
وتعد مذكرات الاعتقال جزءاً من تحقيق في جرائم الحرب بشأن الوضع في فلسطين، بدأ في عام 2021 من قبل المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية.
ورغم أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يمكن للمحكمة التحقيق مع مواطنين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم في فلسطين المحتلة، والتي تشمل قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية بحكم أن دولة فلسطين حصلت على العضوية في المحكمة عام 2015.
ومن غير الواضح لماذا قررت فرنسا الإعلان عن حصانة نتنياهو، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن الإعلان مرتبط باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان الذي بدأ سريانه يوم الثلاثاء، والذي لعبت فيه فرنسا دوراً ريادياً على الرغم من غضب الولايات المتحدة وإسرائيل من موقف باريس تجاه المحكمة الجنائية الدولية.
ما هي قواعد الحصانة بموجب نظام روما الأساسي؟
هناك قواعد مختلفة للحصانة للمسؤولين الحكوميين أمام المحاكم الوطنية والدولية.
وفي حين قد يزعم البعض أن نتنياهو يمتلك حصانة من المحاكم المحلية بصفته رئيس وزراء في الخدمة، فإن قواعد المحاكم الدولية لا لبس فيها في رفض الحصانة للأفراد الخاضعين لولايتها القضائية.
ووفقًا للمادة 27 من نظام روما الأساسي، فإن جميع المطلوبين متساوون أمام المحكمة، بما في ذلك رؤساء الدول أو الحكومات، ولا يمكن لأي حصانة بموجب القانون الدولي أن تمنع المحكمة من ممارسة ولايتها القضائية.
لكن هناك أيضًا ثغرة تقدم استثناءً للمسؤولين من الدول غير الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مثل إسرائيل.
“لم تجد أي محكمة دولية قط أن رئيس دولة أو فرد رفيع المستوى يتمتع بالحصانة أمامها، وكان الغرض من المادة 27 تثبيت هذا المبدأ” – ليلى السادات، المستشارة الخاصة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية
وقالت ليلى السادات، الخبيرة الرائدة في مجال الحصانات والمستشارة الخاصة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم ضد الإنسانية، لميدل إيست آي أنه في حين يُتوقع من إسرائيل وحلفائها أن يدافعوا عن الحصانة، فإن أحكام المحكمة الجنائية الدولية في الماضي قد سدت في وجوههم هذا الباب.
عمر البشير وفلاديمير بوتن
وأشارت السادات إلى أن حكم غرفة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية الصادر في 6 مايو/أيار 2019 في قضية البشير أكد بوضوح على عدم وجود حصانة على الإطلاق لرئيس دولة أمام محكمة دولية ذات اختصاص قضائي، على عكس ما هو متبع في المحاكم الوطنية.
وأضافت السادات أن ثغرة الحصانة الموجودة في المادة 98 (1) يجب قراءتها في سياقها وتفسيرها بطريقة تتفق مع هدف وغرض نظام روما الأساسي، مما يعني أنه لا ينبغي قراءتها لاستثناء الأحكام الواضحة للمادة 27.
وقد استخدمت المادة 98 (1) في الماضي من قبل الدول التي رفضت تسليم البشير وبوتن، وهما من مواطني دول ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية.
فعلى سبيل المثال، لجأت الأردن إلى هذه المادة عندما لم تعتقل البشير في عام 2017، ورفضت منغوليا اعتقال بوتن عندما زار البلاد في سبتمبر/أيلول، قائلة إنه يتمتع بالحصانة.
لكن المحكمة الجنائية الدولية في القضيتين رفضت ادعاء الحصانة واعتبرت أنه لا أساس لها من الصحة. وفي الشهر الماضي، قضت المحكمة بأن منغوليا انتهكت نظام روما الأساسي بفشلها في اعتقال بوتن.
وفي شرحها لمنطقها، قالت المحكمة أن المادة “تشير فقط إلى أعمال الأنشطة الحكومية التي تتم عادة في الخارج وتحميها الضمانات المتعلقة بالحصانة الدبلوماسية لبعض المسؤولين والمباني”.
وأضافت أن الإشارة إلى حصانة الدولة بموجب المادة 98 (1) تتعلق بحصانة الدولة وممتلكاتها، وليس قادتها أو مسؤوليها.
وقال ويليام شاباس، أستاذ القانون الجنائي الدولي البارز، لموقع ميدل إيست آي: “من المعقول أن نتوقع من الدائرة التمهيدية أن تتخذ موقفًا مماثلاً فيما يتعلق بنتنياهو وغالانت”.