بقلم أندرياس كريج
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تشير نظرة سريعة على الفريق الذي عينه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للإشراف على سياسة الشرق الأوسط إلى أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة ستحظى قريباً بحلفاء أيديولوجيين مقربين في البيت الأبيض.
فمن ماركو روبيو وزيراً للخارجية، إلى المذيع في قناة فوكس نيوز بيت هيجسيث وزيرا للدفاع، مروراً بمايك هاكابي سفيراً لدى تل أبيب، وستيف ويتكوف مبعوثا للشرق الأوسط، فإن هذه التعيينات تحمل دلالات واضحة، فكل واحد منهم لم يربط نفسه بحسب بإسرائيل، بل وأيضا بالروايات المتطرفة للصهيونية الدينية المجسدة في الحكومة الحالية هناك.
وفيما كان روبيو وهاكابي على وجه الخصوص يدفعان بهذه الروايات على مسار حملة ترامب لأسباب سياسية، فإن جميع المعينين سوف يواجهون الآن اختباراً للواقع عندما يتعلق الأمر بصياغة وتقديم سياسة متماسكة للشرق الأوسط.
أولا، إن من شأن دعمهم الواضح لسياسة الحكومة الإسرائيلية غير المستقرة المتمثلة في الإبادة العسكرية لمبدأ المقاومة أن يسبب احتكاكاً مع الهدف الشامل لترامب لإنهاء جميع الحروب في المنطقة.
فعلى مدى الأشهر الثلاثة عشر الماضية أثبت نتنياهو مراراً وتكراراً أنه يفضل العمليات العسكرية طويلة الأمد لأهداف استراتيجية واضحة، على اتخاذ مسارات دبلوماسية تنهي القتال وخاصة في الحرب على غزة، حيث استنفدت الأهداف العسكرية، وأهدرت مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين لإبقاء نتنياهو في السلطة، ولم يعد الرهائن إلى ديارهم، وارتقى عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
وفي لبنان، لن تتمكن إسرائيل من تحقيق أكثر من إذلال حزب الله، الذي يواصل إطلاق الصواريخ باتجاهها، لكن يبدو أن الحرب ضد حزب الله خرجت عن نطاق السيطرة، حيث أعادت إسرائيل توجيه أهداف حربها ضد “محور المقاومة” الإيراني بأكمله مستهدفة سكان لبنان على نطاق أوسع.
وفي حين ستعود إدارة ترامب إلى حملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، فإن البيت الأبيض الجديد سيسعى يائسًا لتجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران، وتفويض هذا العبء إلى الشركاء الإقليميين.
جماعات الضغط الخليجية
وتتمثل نقطة الاحتكاك الثانية والمهمة بنفس القدر في اعتماد سياسة ترامب الإقليمية على دول الخليج، ففي حين ستحاول جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل بيع الروايات لرفاق ترامب الأيديولوجيين، فإن لدى جماعات الضغط الخليجية المختلفة جيوب عميقة تشابكت بالفعل مع شبكات الأعمال حول ترامب.
لقد بنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر علاقات واسعة النطاق مع محيط ترامب، وهي جميعاً مدعومة باستثمارات مربحة، وعلاوة على ذلك، يعلم ترامب أنه لن يحتاج إلى جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل لإعادة انتخابه، لأن هذه ستكون ولايته الأخيرة.
غير أن جماعات الضغط الخليجية قادرة على توفير سبل مربحة للتقاعد ليس فقط لترامب وعائلته، بل وأيضاً للعديد من الذين عينهم في مناصب السلطة، ولن يكون من السهل التوفيق بين مصالح دول الخليج ومصالح إسرائيل بقيادة نتنياهو.
وفيما يتصل بغزة، فهناك ثمة معارضة قوية لما أشار إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأسبوع الماضي باعتباره “إبادة جماعية” ارتكبتها إسرائيل.
إن تصميم وتنفيذ السياسة في الشرق الأوسط يتطلب قدراً عظيماً جداً من التوازن مقارنة بمنح الأولوية للحديث عن أفكار الصهيونية في تعليق على قناة فوكس نيوز، وعلبه، فإن ضم الأراضي في غزة والضفة الغربية لن يكون مقبولاً لدى شركاء واشنطن في الخليج، ومن المرجح أن يمثل خطاً أحمر لن يجرؤ ترامب وأيديولوجيوه على تجاوزه.
ومع ذلك، وفي غياب استراتيجية أميركية واضحة للحرب الإسرائيلية على الجبهات المتعددة، يبقى أن نرى ما إذا كان الخليج قادراً على تقديم أي شيء ملموس يمنع إسرائيل من خلق أمر واقع لا رجعة فيه على الأرض.
ينذر هذا بدوره بقلب التقدم الضئيل الذي أحرزته الولايات المتحدة في دفع دول الخليج إلى التطبيع مع إسرائيل، حيث أوضحت المملكة العربية السعودية خطوطها الحمراء: لن تنضم إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى يتم تلبية مطالب الدولة الفلسطينية.
وسيجد فريق ترامب من الإيديولوجيين في الشرق الأوسط أن تشجيع اليمين المتطرف في إسرائيل سيجعل من غير المقبول على نحو متزايد بالنسبة للمملكة تطبيع العلاقات.
الرواية المحرضة على الحرب
فيما يتصل بإيران، تجد دول الخليج نفسها في موقف مختلف عما كانت عليه في عام 2017، عندما دخل ترامب البيت الأبيض لأول مرة، وفي غضون ذلك، أدى غياب القيادة الأميركية الجديرة بالثقة إلى تنويع دول الخليج لشبكاتها وشراكاتها العالمية بشكل فعال، حتى باتت اليوم أقل اعتماداً على واشنطن مما كانت عليه قبل سنوات.
وعلاوة على ذلك، أصبحت دول الخليج الآن أكثر وعيا بنفوذها في مواجهة الولايات المتحدة، حيث أصبح التعاون والمصالحة هو عنوان اللعبة السياسية في الخليج في السنوات الأخيرة، وهناك إجماع في الخليج على أن إشراك إيران في الحلف أفضل بكثير للأعمال التجارية من حشرها في الزاوية مما يدفعها للقيام بعمليات تخريبية بالوكالة.
وفي هذا الصدد تبدو جهود المصالحة، وخاصة بين الرياض وطهران على مدى العامين الماضيين غير قابلة للتراجع. وبالتالي، من حيث ممارسة “أقصى قدر من الضغط“، لن تتمكن إدارة ترامب من الاعتماد كثيرًا على دعم عواصم الخليج هذه المرة.
وفي ذات الوقت، لا يمكن تنفيذ رواية إسرائيل المحرضة على الحرب لتغيير النظام إلا إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لسكب قدر كبير من الدماء والأموال في الصراع، وهو ما من شأنه أن يتناقض بشكل أساسي مع أحد مبادئ ترامب القليلة المتمثلة في عدم الدفع بالمزيد من الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط.
وفيما تسيطر الأيديولوجيا بعمق على أحاديث فريق ترامب عن إسرائيل للاستهلاك المحلي، فإن تصميم وتنفيذ السياسة في الشرق الأوسط يتطلب توازنًا أكبر بكثير من تقديم نقاط الحديث الصهيونية في تعليق على قناة فوكس نيوز.
سوف يأتي اختبار الواقع بسرعة خاصة إذا كان ترامب مهتمًا حقًا بصفقة كبرى لتأمين إرثه ماليًا وسياسيًا، ويمكن الحصول على صفقة القرن، ولكن فقط إذا كان ترامب قادرًا على استخدام نفوذ واشنطن لإبقاء نتنياهو وحلفه تحت السيطرة.
إذا تم استغلال ترامب وفريقه كما استغل نتنياهو الرئيس جو بايدن، فإن الزعامة الإقليمية للولايات المتحدة ستستمر في التراجع.
تم نشر هذا المقال لأول مرة على موقع عرب دايجست
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)