بقلم عزام التميمي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، سمع العالم العديد من الساسة المشهورين يحذرون مرارا وتكرارا من أن عدوان الاحتلال على غزة لن يحقق أهدافه المعلنة المركزة في تخليص الأسرى وتدمير حماس.
لقد حذر الكثيرون من أنه لا يمكنك ببساطة قتل فكرة، ومن بين آخر الأصوات التي عبرت عن مثل هذه الرؤى، حتى قبل ساعات فقط من الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، الملتزم بالصهيونية بصرامة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي أعلن بشكل سيئ السمعة عند وصوله إلى تل أبيب بعد وقت قصير من هجوم حماس عام 2023 أنه جاء إلى إسرائيل ليس فقط كأمريكي، بل كيهودي.
لم يكن خلط اليهودية مع الصهيونية أعظم خطاياه بلينكن، ففي أكثر من 465 يومًا من الحرب على غزة، قتلت دولة الاحتلال، بدعم كامل من الولايات المتحدة، أو شوهت مئات الآلاف من الفلسطينيين، ودمرت البنية التحتية للمنطقة، وحولت أحياء بأكملها إلى أنقاض، بينما قضت على العديد من كبار قادة حماس.
غير أن الحملة فشلت في تحقيق ما تعهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتحقيقه لإسرائيل، حيث كان اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في النهاية بين الجانبين في قطر هو بالضبط ما اقترحه الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أشهر، في مايو/أيار 2024، وهو الاتفاق الذي قبلته حماس وقتها ورفضته إسرائيل.
لقد اجتمعت عدة عوامل لتسريع اتفاق هذا الشهر، بما في ذلك الدور الذي لعبه كل من الرئيسين الأمريكيين المنتهية ولايتهما والقادم، ولكن قبل كل شيء، دفع صمود وقوة شعب غزة، والخسائر الفادحة التي تكبدتها قوات الاحتلال في شمال غزة نتنياهو إلى الركوع.
مستنقع التعاون
يبدو أن كل الحديث عن غزة ما بعد حماس قد تبخر، فقد أثبتت الحركة، التي تم حظرها واعتبارها منظمة إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى، أنها لا تزال اللاعب الرئيسي على الجانب الفلسطيني، ومن الواضح أنه لم يكن هنالك بد من التفاوض مع حماس على اتفاق وقف إطلاق النار والتوقيع عليه.
وتزامن هذا الاختراق مع كشف القناع أكثر من أي وقت مضى عن السلطة الفلسطينية في رام الله ليس فقط باعتبارها خادمة للاحتلال، بل كجهاز أمني للاحتلال.
لقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قيام قوات السلطة الفلسطينية بفرض حصار وحشي على سكان جنين، وفرضت عليهم نفس أنواع العقوبات التي قد يتعرضون لها على أيدي قوات الاحتلال، بما في ذلك التجويع والقتل.
لم يعد أعضاء حماس في الضفة الغربية المحتلة هم الهدف الوحيد للتعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، فقد شرع الجانبان في مطاردة الشبان الفلسطينيين الذين تجرأوا على مقاومة الاحتلال أو حماية أسرهم من انتهاكات المستوطنين اليهود.
لقد وقف هذا النظام العالمي اللاإنساني متفرجًا، بينما كانت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين في غزة تتكشف
وشجعت حكومة الائتلاف اليمينية المتطرفة في إسرائيل المستوطنين اليهود وحفزتهم وسلحتهم، فشرعوا في الفوضى وترهيب الفلسطينيين ومهاجمتهم في منازلهم وحرق محاصيلهم واقتلاع أشجار الزيتون وحرق سياراتهم، كان الهدف هو دفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى النزوح من وطنهم، وبالتالي إحداث نكبة ثانية.
وفي خضم كل هذا، برزت حماس بالنسبة للعديد من الفلسطينيين باعتبارها الممثل الحقيقي للشعب، فهي التي تقود النضال الوطني من أجل التحرير، في حين تواصل السلطة الفلسطينية الغرق في مستنقع التعاون مع سلطات الاحتلال.
تعويض الخسائر
ولهذا السبب فإن تلخيص دولة الاحتلال لما تعتقد أنها ألحقته بحماس خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية ليس بالأمر المهم هنا، بل إن ما يهم حقاً هو ما يعتقده شعب فلسطين، وأنصارهم في مختلف أنحاء المنطقة والعالم.
فلا شك أن حماس قد خرجت من الحرب الأخيرة مصابة بجراح وكدمات، وعلى مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية فقدت بعضاً من كبار قادتها، وربما عدداً من مناصريها وعناصرها، ولكن الحركة لم تتوقف قط عن التجنيد، ويُعتقد أنها عوضت الكثير من خسائرها.
ولم تضعف الحرب ولا الحصار من عزيمة قوات المقاومة الفلسطينية في غزة، ولا خذلان الأنظمة العربية في المنطقة أو التآمر ضدها، ولا استمرار تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الحكومات الغربية.
وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين، فقد دافعت حركة المقاومة في غزة عن شعب غزة ليس فقط ضد همجية الاحتلال، بل وأيضاً ضد النظام العالمي الظالم الذي دعمه وزود جلادي الشعب الفلسطيني بالنفوذ السياسي والدبلوماسي وقام بتسليحهم، وبدون هذا الدعم، لم يكن من الممكن أن تستمر حرب الاحتلال على غزة كل تلك الفترة طويلة.
لقد أخذت الحركة العالمية المتنامية في دعم فلسطين تتحول بشكل مطرد إلى حملة ضد النظام العالمي القمعي والمنافق الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، والذي أثبت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أنه يشكل تهديداً للإنسانية.
والواقع أن المؤرخين في المستقبل قد يستنتجون أن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت بمثابة شرارة عملية أدت في نهاية المطاف إلى نهاية هذا “الاضطراب” الكوني، رغم أنها تسببت في دمار لا يوصف لغزة على يد دولة الاحتلال.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)