فضائح وتمويل خارجي… آدامز ينهي ولايته منحازًا لدولة الاحتلال

في زيارةٍ خارجية وُصفت بأنها غير مفهومة في أيامه الأخيرة بالمنصب، أثار عمدة نيويورك المنتهية ولايته، إريك آدامز، جدلًا واسعًا بعد تصريحه في دولة الاحتلال بأنه “خدم” اليهود هناك خلال تولّيه رئاسة بلدية المدينة، في رحلة ممولة من أموال دافعي الضرائب، جاءت قبل أسابيع من تسليمه المنصب للعمدة المنتخب زهران ممداني.

وخلال جولة له في القدس الشرقية المحتلة يوم الأحد، قال آدامز أمام الحاضرين: “أردت أن أعود إلى هنا وأخبركم أنني خدمتكم حين كنت أشغل منصب العمدة، وأريد أن أواصل حمل اللقب الذي يعني لي أكثر من أي شيء آخر: أنا أخوكم”.

تصريحاتٌ اعتُبرت دليلًا جديدًا على ما وصفه منتقدون بـ”تدخل خارجي في السياسة الأمريكية”، وأثارت موجة غضب على منصات التواصل، حيث تساءل كثيرون: من كان يخدم آدامز حقًا؟

وذكر مكتبه أن رحلته التي تستمر لعدة أيام تشمل لقاء مسؤولين في دولة الاحتلال وزيارة مواقع دينية وتاريخية، بينما سخر كثيرون من المفارقة بين خطابه هناك، وبين الأزمات المتصاعدة داخل نيويورك.

صورة مناقضة تمامًا لزهران ممداني

بدت الرحلة كنقيض كامل لموقف العمدة المنتخب زهران ممداني، الذي سُئل خلال الحملة الانتخابية: ما الدولة الأولى التي سيزورها إن فاز؟ فأجاب: “سأبقى في نيويورك”، فبالنسبة لمؤيديه، كانت تلك العبارة إعلانًا واضحًا بأن أولويته هي معالجة أزمات المدينة بدل الانشغال بجولات رمزية في الخارج—على عكس آدامز الذي غادر نيويورك في أيامه الأخيرة نحو دولة الاحتلال.

سجل من قمع المتظاهرين المؤيدين لفلسطين

شهدت فترة آدامز تصعيدًا ملحوظًا في التعامل مع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين من قمع مظاهرات إحياء يوم النكبة في بروكلين، إلى اقتحام خيم الاعتصام الطلابية في جامعة كولومبيا بقوة الشرطة.

وتقول منظمات حقوقية إن هذا النهج يشكل جزءاً من سياسة أوسع لتجريم النشاط الداعم لفلسطين، فيما يواصل آدامز الدفاع عن سلوك الشرطة ويصف المحتجين بأنهم ” يُستخدمون من قبل محرضين خارجيين”.

وتفاقم الغضب بعد تسريبات كشفت أن رجال أعمال داعمين لدولة الاحتلال ضغطوا على آدامز لإصدار أوامر للشرطة بقمع الاعتصامات الطلابية، مقابل دعمه سياسياً ومالياً، كما أن رحلاته السابقة إلى دولة الاحتلال نظمتها منظمات مؤيدة مثل اتحاد UJA الفدرالي ومجلس العلاقات اليهودية.

المحطة الأولى إسطنبول… حين تلاحقه فضائح المال الأجنبي

وكانت قد وجهت لائحة اتهام فدرالية لـ آدامز تتعلق بقبوله تبرعات غير قانونية ومزايا شخصية من رجال أعمال أتراك ومسؤول حكومي تركي منذ عام 2014، خلال تولّيه رئاسة منطقة بروكلين وترشحه لمنصب العمدة.

وتكشف اللائحة—الممتدة لـ57 صفحة—أن آدامز حصل على رحلات فاخرة وإقامات فندقية ومكاسب أخرى، مقابل استخدام نفوذه لتسهيل افتتاح مقر القنصلية التركية في مانهاتن، رغم مخاوف تتعلق بسلامة المبنى، كما تتهم اللائحة حملته بالتحايل عبر “متبرعين وهميين” لإخفاء مصادر أموال أجنبية واستغلال نظام التمويل العام للانتخابات.

ورغم نفيه ارتكاب أي مخالفة، إلا أن الفضيحة قوّضت مصداقيته بشدة وأذكت سؤالًا محوريًا يتردد اليوم بأعلى صوت: من كان يخدم آدامز على مدى سنوات؟

وقد عاد هذا السؤال بقوة بعد انتشار الفيديو الذي صرّح فيه بالقول: “لقد خدمتكُم” في إشارة إلى دولة الاحتلال، إذ أعاد كثيرون مشاركة أخبار قمعه للمحتجين المؤيدين لفلسطين ساخرين: “نعم، لقد خدم دولة إسرائيل بالفعل”.

مدينة غارقة في الأزمات… وعمدة يختار أن يسافر بعيدًا

مع تفاقم أزمة التشرد، وارتفاع أسعار السكن، وازدياد الضغط على الخدمات الأساسية، أثار قرار آدامز السفر للخارج في أيامه الأخيرة استياءً واسعًا بين سكان المدينة، وتفاقم الغضب بعد أن وقف في مدينة محتلة ليقول: ” لقد خدمتكم”—ليس لسكان نيويورك، بل لجمهور في دولة الاحتلال.

ومن وجهة نظر الكثيرين، تندرج تصريحاته هناك، ضمن نمط ممتد لسنوات: عمدة يصطف مع دولة الاحتلال سياسيًا وأمنيًا، بينما يُعامل الأصوات المؤيدة لفلسطين داخل مدينته بريبة وأحيانًا بعداء.

في المقابل، تصاعدت شعبية ممداني بفعل موقفه المبدئي حين قال: “سأبقى في نيويورك”، حيث أصبحت تلك الجملة بالنسبة لكثير من سكان المدينة، وخاصة العرب والفلسطينيين والمسلمين، تعبيرًا عن قيادة ترتكز إلى المسؤولية المحلية، في مقابل قيادةٍ أخرى تفضّل الرمزية الخارجية والتحالفات المشبوهة.

وتضيف فضيحة التمويل التركي طبقة جديدة من التعقيد؛ فالقضية لا تتعلق فقط بقبول مزايا غير قانونية، بل تثير مخاوف عميقة حول تأثير شبكات خارجية وأصحاب نفوذ على قرارات آدامز، من سياساته الأمنية إلى انخراطه المتكرر مع دولة الاحتلال.

مقالات ذات صلة