فضيحة “حصان طروادة” في بريطانيا: عندما يتم التشكيك في المسلَّمات، فمن يمكنه تحديد الحقيقة؟

من ملفات الحكومة في تعزيز الإسلاموفوبيا في بريطانيا

بقلم بيتر أوبورن وجون هولمود

هل سمعت عن قضية “حصان طروادة” التي حملت ادعاءات حول تآمر إسلاميين للسيطرة على مدارس مدينة برمنغهام البريطانية من قبل؟! من صاغ القصة وسماها “فضيحة”؟ هل كانت حقاً كذلك؟ أم أن من صاغ القصة أراد أن تكون له الكلمة الأخيرة بصرف النظر عن الحقيقة؟ سنسلط الضوء على كل تلك التساؤلات في سطور هذا التقرير.

في ديسمبر عام 2022، أصدرت مؤسسة الأبحاث البريطانية “بوليسي إكستشينج” تقريراً مطولاً لما أسمته “فضح حملة منسقة لإعادة كتابة التاريخ حول فضيحة (حصان طروادة)”، والتي تتمحور حول تهم موجهة للمجتمع المسلم في برمنغهام ومحاولته “السيطرة” على المدارس الحكومية فيها، تقرير جاء في إطار الرد على برنامج بودكاست أطلقته صحيفة النيويورك تايمز البريطانية بهدف كشف الحقيقة وراء قصة “حصان طروادة”.

وقد كشف برنامج البودكاست المذكور كيف تم رفض رسالة كانت مركز الفضيحة في البداية باعتبارها خدعة من قبل المسؤولين والشرطة، وبدلاً من محاولة تحديد هوية كاتب الرسالة أولاً، ذهبت الجهات المسؤولة فوراً إلى استجواب المزاعم المطروحة بالرسالة عن مؤامرة إسلامية، دون الأخذ بالحسبان تأثير ذلك على الطلاب والمعلمين والمحافظين في المدارس التي خضعت لذلك التحقيق الذي أمر به وزير التعليم آنذاك، مايكل جوف، عام 2014 بعد أنباء عن تسريب تفاصيل الرسالة إلى وسائل الإعلام.

تطرق البودكاست إلى كشف العلاقة بين جوف وقائد شرطة مكافحة الإرهاب السابق، بيتر كلارك، حيث قام جوف بتعيين كلارك قائداً لشرطة مكافحة الإرهاب وقتها، فكانت النتيجة التي خلص إليها البث الصوتي بسبب ذلك، هي أنه على الرغم من تحقق شرطة مكافحة الإرهاب من أن الرسالة كانت خدعة فقط، إلا أنه تم “استخدام الرسالة كفرصة  لمعاقبة عدد من المدارس التي يجري التكهن حول تطرف محتمل فيها”.

تجدر الإشارة هنا إلى أن جوف، الذي لا يزال وزيراً للإسكان اليوم وشخصية مؤثرة في حزب المحافظين، شارك في كتابة مقدمة تقرير “بوليسي إكستشينج” حول قضية “حصان طروادة، حيث كان الرئيس المؤسس للمؤسسة عام 2022.

وصف جوف ومسؤولين آخرين بودكاست النيويورك تايمز بأنه “مهزلة مليئة بالأخطاء والإغفالات”، وأنه “حرك حملة تظلم من قبل نشطاء إسلاميين يسعون لتقويض عمل الحكومة لمكافحة التطرف”،  معتبراً أن “هذه الحقائق ليست مفتوحة للنقاش، لا ينبغي أن يكون من الضروري إعادة تأكيد ما حدث في تقرير جديد مثل هذا (تقرير النيويورك تايمز)” على حد تعبيره.

بودكاست النيويورك تايمز لم يكن الهدف الوحيد موضع انتقاد التقرير، بل تطرق التقرير في أحد فصوله إلى انتقاد كتاب هذه المقالة على اعتبار أن كتابتهم حول الأمر “دفاع” عن صندوق “بارك فيو” التعليمي الذي يدير عدداً من المدارس التي جرى التحقيق فيها في برمنغهام.

ويجب التنويه هنا إلى أن الهدف من هذه المقالة هو تحدي الأخطاء الجسيمة في الوقائع والتفسيرات التي جعلت التقرير موضع تساؤل حول ما إذا كان يجب اعتباره “الكلمة الأخيرة”، خاصة بعد تصريحات “ويليام شوكروس” الذي تم تعيينه لمراجعة برنامج الحكومة “بريفنت” لمكافحة “التطرف الإسلامي، التي دعا فيها إلى “تفعيل استراتيجية مكافحة التطرف الإسلامي بشكل أكثر حدة”.

“مركز الأبحاث الأكثر نفوذاً في المملكة المتحدة”!

تدلل حصة “بوليسي اكستشينج” الكبيرة في حياكة خرافة “مؤامرة حصان طروادة”، على وزنها وحجم تأثيرها على سياسة الدولة البريطانية، في ظل كل من حكومتي العمال والمحافظين على حد سواء، تجاه المجتمعات المسلمة في بريطانيا.

وتصف المؤسسة نفسها بأنها “مركز الأبحاث الأكثر نفوذاً في المملكة المتحدة”، وتعزو ذلك إلى دور موقعها على الانترنت في التحول الذي حصل منذ حكومة ديفيد كاميرون، نحو التركيز بشكل أكبر على قضايا مكافحة التطرف وإعادة صياغة استراتيجية لها من خلال برنامج “بريفنت”.

في مجال التعليم مثلاً، ترى المؤسسة أن تقريراً أصدرته عام 2010، خلص إلى أن المدارس الدينية “كانت عرضة لتأثير التطرف”، ساهم بإنشاء قسم سُمي “مجموعة العناية ومكافحة التطرف” داخل وزارة التعليم بهدف “منع تدريس الآراء الدينية المتطرفة في المدارس”، وقد لعبت هذه الوحدة دوراً رئيسياً لاحقاً في تشكيل انطباع القسم تجاه مزاعم قضية “حصان طروادة”، كما كان دور جوف مؤثراً في ترسيخ نظرة معادية للمسلمين لدى المحافظين الجدد بدعوى “تهديد إسلامي” متصور في قلب الحكومة!

هناك عدد من الأخطاء وعيوب التفكير الواردة في تقرير “بوليسي اكستشينج”، سوف تتوقف عندها هذه المقالة، أخطاء كانت السبب في كتابة المقال بالأصل.

ونبدأ بمقدمة جوف التي أشار فيها إلى “الاستيلاء على المدارس العلمانية الحكومية” توجد مدارس دينية أجل، لكن لا يوجد شيء اسمه مدرسة حكومية علمانية في بريطانيا، لأن كل المدارس الممولة من القطاع العام يجب عليها قانوناً تقديم عبادة جماعية يومية وتوفير تعليم ديني إلزامي، وبطبيعة الحال، طابع العبادة هذا سيغلب عليه الطابع المسيحي، أما المدارس التي فيها أغلبية غير مسيحية، في حالة مدارس “حصان طروادة” كان غالبية الطلاب مسلمين، يمكن الحصول على شكل عبادة مختلف بنص القانون ذاته، وفي حال بعض المدارس المستهدفة فهم يمارسون العبادة الإسلامية منذ سنوات فيها.

من ناحية أخرى، فإن وجوب التزام المدارس بتقديم عبادة يومية محط جدل في حد ذاته، حيث دافعت وزارة التعليم عن هذا المبدأ سابقاً، في وقت دعا فيه معلمون إلى إلغائه في ضوء نتائج أظهرت أن أقل من نصف سكان إنجلترا وويلز باتوا يعتبرون من المسيحيين، ولكن متحدثاً باسم قسم العناية ومكافحة التطرف في الوزارة أكد على أن “العبادة الجماعية تشجع التلاميذ على التفكير في مفهوم الإيمان والدور الذي يلعبه في المجتمع، كل مدرسة قادرة على التكيف مع حاجات تلاميذها”.

أدى فشل جوف في فهم ما أشار إليه المعلمون من تغير في بيئات المدارس وخلفيات الطلاب إلى عواقب مهمة، فكل مدرسة لا يطلق عليها دينية تعتبر علمانية بشكل تلقائي من وجهة نظر أصحاب “مؤامرة حصان طروادة”، مما يعطي الفرصة لتقديم أي شكل من أشكال العبادة الجماعية للمسلمين على أنه محاولة إسلامية لفرض “تأثير ديني لا داعي له”، مثل اعتبار “بث الأذان في ملعب المدرسة” مثلاً “أمراً يحركه تيار مسيس ومتشدد”، الأمر الذي لا ينطبق في النظر إلى دق جرس الكنيسة في مدرسة ذات غالبية مسيحية كان هؤلاء المسؤولون يوماً من طلابها.

ومن المثير للقلق، أن تقرير شرطة مكافحة الإرهاب برئاسة بيتر كلارك، الذي اعتبره تقرير “بوليسي اكستشبنج” حقيقة موثقة، ارتكب الخطأ ذاته في توصيف حالة المدارس باعتبارها “محاولة متعمدة لتحويل مدارس الدولة العلمانية إلى مدارس دينية في كل شيء ما عدا الاسم”، كما ادعى أن صندوق “بارك فيو” المتهم، استولى على مدارس أخرى بناء على اقتراح وزارة التعليم، التي تعمل على تحويل المدرسة التي تفشل ضمن القطاع العام لتصبح أكاديمية داخل صندوق ائتماني تديره وترعاه مدرسة ناجحة.

لو افترضنا جدلاً أن هناك “حصان طروادة” فعلاً في القضية، فإن جوف وإدارته قد ساهمت بشكل أو بآخر بحصوله، وهو أمر تغاضى تقرير “بوليسي اكستشينج” عن معالجته، معتبراً أن “حبكة المؤامرة” تمحورت حول تقويض مديري المدارس الناجحين، وللمفارقة، فإن المدارس الناجحة هي ذاتها التي تم اتهامها “باستيلاء” مزعوم!

“نمط متسلسل” بلا أدلة؟!

هناك مشكلة أخرى في تقرير شرطة مكافحة الإرهاب، وهي قبوله لإفادات مجهولة الشهود، الأمر الذي يناقض مبدأ العدالة الطبيعي في سياق التحقيق، فأولئك الذين تم انتقادهم في التقرير لن يتمكنوا من الرد على الادعاءات ضدهم، فضلاً عن نقل تلك الإفادات عبر تقارير ووكالة تمويل التعليم بالإضافة إلى تسريبها للصحافة.

المشكلة كانت في المنهجية المتبعة من قبل تقرير الشرطة، الذي عمل على تقديم الادعاءات بشكل يوحي بوجود “نمط متسلسل”، كما أقر التقرير بأن صندوق “بارك فيو” طعن بكل تلك الادعاءات، خاصة أن “أنماط السلوك المحددة التي لوحظت لم تكن تنطبق على كل المدارس” باعترافهم، كما أن هذا النهج يعني بالضرورة أن أياً من تلك الادعاءات لن يصل إلى محكمة قانونية، فهي في أحسن الأحوال شائعات نشرها محقق لديه فهم غير كافٍ لعمل المدارس لا سيما تفاعلها مع الحكومة والدين في بريطانيا، فهي ليست “حقائق” كما يصفها مدعوها إذن!

يمكن طرح مثال هنا على أحد أمثلة التطرف المزعومة التي استند إليها تقرير “بوليسي اكتشينج”، وهي الادعاء بأن “مقطع فيديو جهادي” تم عرضه على التلاميذ، مثال انتقل بطريقة شفهية من لسان شخص يدعى كيرشو كان مكلفاً بمهمة التحقيق في موضوع المدارس من قبل مجلس بلدية برمنغهام، خلال جلسة برلمانية دُعي إليها عام 2014، لكنه أكد على أن أنه كان يعتقد أن محتوى الفيديو غير مناسب.

ومن جهة أخرى، قال كيرشو أيضاً أنه لم يشارك في أي من قضايا سوء السلوك المرفوعة ضد موظفين في مدارس برمنغهام من قبل وكالة “الكلية الوطنية للتعليم والقيادة”، والتي كانت مسؤولة آنذاك عن التحقيق في مزاعم سوء سلوك ضد المعلمين، ولكن أياً من محامي وزارة التعليم لم يقدم أي دليل على أي فيديو مزعوم.

مثال آخر لإشكالات التقرير، تمثلت في حديث التقرير عن “فصل بين الجنسين في مواد مثل الرياضيات” في عدد من المدارس التابعة لصندوق “بارك فيو”، دون تقديم أدلة واضحة على ذلك، ولم يرد في التقرير فصل إلا في مدرستين، حيث أشار التقرير إلى أنه في “بعض الفصول التي تمت ملاحظتها كان الأولاد يجلسون في المقدمة والفتيات حول الحواف، وفي دروس أخرى جلس كل من البنات والأولاد على جانبين متقابلين في نفس الطاولة، لاحظنا دروساً أخرى كانت مختلطة، إلا أن حصة التربية البدنية منفصلة وهو أمر غير معتاد” حسب وصف التقرير الذي اعتبر ذلك عدم امتثال لتشريعات المساواة!

بين الشائعات والقصص الجديدة

في موضع آخر، زعم تقرير “بواليسي اكستشينج” أن مدير إحدى المدارس عرض التلاميذ لما أسماه “الإجهاد” كشكل من أشكال العقاب، وهنا استند التقرير إلى قصة نقلتها البي بي سي عن سماح معلمين بالعقاب وليس التحريض عليه كما جاء في التقرير، بالإضافة إلى أن المعلم الذي أدلى بذلك التصريح تمت محاسبته، ولم يكن ضمن المعلمين الذين اتهموا بسوء السلوك لاحقاً  في التقرير، معلومات تم التغاضي عنها عند كتابة التقرير، مشكلة تتكرر باستناد التقرير إلى تقارير وقصص خبرية قد لا تكون محايدة وتحمل وجهة نظر جزئية أو حتى عدائية في بعض الأحيان.

يلجأ تقرير “بوليسي اكستشينج” مراراً وتكراراً إلى استخدام عبارة “مزعوم”، أمر يدل، في تقرير يدعي أنه “سجل وثائقي”، على ضعف صلاحية الحصول على المعلومات والوثائق، مما جعل التقرير معتمداً بشكل كبير على الشائعات، تماماً مثل تقرير شرطة مكافحة الإرهاب، ففي أحد الأمثلة، يقتبس التقرير من بيان إعلامي صادر عن شبكة نساء مسلمات في بريطانيا، يزعم أن “أحد الموظفين الذكور في مدرسة ما اخترق هاتفاً جوالاً لفتاة وأبلغ والديها عن محتوياته” دون التحقيق في الحادثة، تخيل أن أول من نقل القصة هو أندرو جليجان، الذي صار باحثاً في “بوليسي أكستشينج” لاحقاً.

يوجد سياق مهم مفقود أيضاً في تقرير “بوليسي اكستشينج”، فهناك إشارات متكررة في التقرير  حول انتقاد تعليم نظرية الخلق في مدارس “بارك فيو”، وللمفارقة، فهو أمر من المفترض أن يكون متجانساً مع ما ورد في تقرير شرطة مكافحة الإرهاب تحت عنوان “تعليم الإيمان كحقيقة”!

جاء في التقرير أن ” نظرية الخلق تم تدريسها كحقيقة في دروس العلوم وغيرها، حتى أنه تم الإفادة بكلام طالب قال أنه مصنوع من الطين ولا يوجد تطور، هذا ما قاله لنا السيد حسين (القائم بأعمال المدرسة)”، ولكن ما لم يشر إليه التقرير هو أن محاميي الدفاع دحضوا مزاعم قائد الشرطة كلارك حول نظرية الخلق خلال جلسات الاستماع، حيث تبين أن التصريحات التي تم الإدلاء بها في إحدى التجمعات داخل المدرسة، مثل “نحن جميعاً مصنوعون من طين”، تم استخدامها لتقديم حجج ضد العنصرية، وهذا سياق بعيد عن الادعاء.

حجة “سوء السلوك” تتهاوى

أحد أهم أوجه قصور تقرير “بوليسي اكستشينج” هو الضعف في تعامله مع تهمة “سوء السلوك” ضد المعلمين في المدارس المستهدفة، فقد تم إلغاء جلسات الاستماع التي من المقرر أن تكون فرصة المعلمين للطعن في الادعاءات المقامة ضدهم، مما أدى إلى انهيار القضية المرفوعة ضدهم “بسبب تقنية قانونية” كما جاء في التقرير، حيث أن الجلسات “أُلغيت” من قبل لجنة الاستجواب “بعد أن فشل محامو وزارة المالية في الكشف عن الأدلة التي طلبها محامو المتهمين، ولم يكن بين يدي محامي وزارة المالية إلا أدلة من شهود قُدمت بشرط عدم الكشف عن هويتهم”.

في نهاية المطاف، سقط الادعاء في القضية في مايو عام 2017، وذلك بعد أن سلم محامي الادعاء مذكرة إلى اللجنة تؤكد أن الادعاء لم يطلع اللجنة بشكل واضح على المواد التي استخدمها في بناء إفادات الشهود، مما يعني أن القضية لم تسقط بسبب “فني”، كما ورد في التقرير، وإنما بسبب تضليل لجنة الاستجواب بعد أخذ شهادات الشهود المجهولين وإعادة تقديمها للجنة على اعتبار أنها مستقلة عن إفادات شرطة مكافحة الإرهاب التي جاءت بالشهود المجهولين ابتداء!

رداً على الكشف عن كل ذلك في حلقة البودكاست، اعتبر تقرير “بوليسي اكستشينج” أن الحلقة “أخفقت” في الكشف عن مواد وأدلة في صالح الدفاع في القضية، ولكن التقرير تجاهل النتيجة التي توصلت إليها اللجنة وهي أنه في الظروف الخاصة المتعلقة بهذه القضية، كان هناك “إساءة استخدام للعملية لدرجة الإساءة إلى إحساس الفريق بالعدالة والانضباط”.

من المشاكل في تقرير “بوليسي اكستشينج” أيضاً، أنه قام في عدة مواضع بتضليل الحديث عن التوجيهات الدينية في المدارس البريطانية، وتعد تلك نقطة مهمة لأن الدين من أهم نقاط الخلاف في قضية “حصان طروادة”، خاصة في ظل قانون المساواة الذي صدر عام 2010، والذي يعطي الدين حقوقاً محددة من المفترض أن تكون محمية بموجب القانون، ولا يقتصر هذا على المسلمين، بل ينسحب على جميع المعتقدات الدينية، فالمدارس ملزمة بأخذ آراء الأهل والمؤسسات المحلية في الاعتبار عند تطوير المواضيع الدينية في المناهج الدراسية.

لقد دفع فشل التقرير في فهم التوجيهات الدينية في المدارس البريطانية إلى طرحه تساؤلات حول التسهيلات التي يجب تقديمها في ضوء تنوع المعتقدات الدينية، وكيف يمكن تطبيق تلك التسهيلات على المبادئ الإسلامية المتنوعة، كالفصل بين الجنسين في دروس التربية البدنية وفي تعليم الثقافة الجنسية والعلاقات باعتبارها مشاكل محتملة، بالرغم من أن إرشادات وزارة التعليم تسمح بذلك بوضوح.

يتلاعب التقرير كذلك في توصيف الهدف من برنامج “بريفنت”، والذي بموجبه يجب على مقدمي الخدمة بما في ذلك المعلمين والمحاضرين وغيرهم في سلك التعليم، “القيام بواجب الحفاظ على الناس من الانجرار إلى الإرهاب” كمتطلب، ووفقاً لوزارة الداخلية، فإنه بحلول عام 2019، تلقى أكثر من مليون فرد تدريبات على اكتشاف علامات التطرف والتطرف المحتمل”.

ويخصص التقرير فصلاً كاملاً للطعن في الرأي القائل بأن “قضية حصان طروادة كانت ذريعة تستخدمها حكومة معادية للإسلام لتبرير تفعيل ما جاء في برنامج بريفنت”، ولكن التهمة ليست خاطئة، حيث يمكن الاستدلال على ذلك من فحص استراتيجية مكافحة التطرف لعام 2015، التي نشأ منها برنامج “بريفنت”، ولكن تقرير “بوليسي اكستشينج” لا يشير إلى الاستراتيجية المذكورة، ومع ذلك فإن حجة التقرير تمثلت في أن “المدارس التي تم تحديدها كمجال مثير للقلق قبل قضية حصان طروادة”، مستشهداً بقصة فريق العمل المعني بالتطرف والذي أنشأه ديفيد كاميرون بعد مقتل جندي بريطاني عام 2013، غير أن التقرير لا يسرد القصة كاملة كما كانت.

حتى العام 2011، كانت استراتيجية برنامج “بريفنت” موجهة بشكل كبير نحو “التكامل” حتى أنه تم دمجها في واجب المدارس “لتعزيز التماسك المجتمعي”، وبعد قضية “حصان طروادة”، تم استبدال دور البرنامج من “تعزيز التماسك المجتمعي” إلى “تعزيز القيم البريطانية الأساسية”، أما تقرير “بوليسي اكستشينج”، فقد أشار إلى أن المخاوف بشأن التماسك المجتمعي كانت سببًا لفشل السلطة المحلية في التعامل مع الشكاوى المقدمة ضد بعض المحافظين.

مغالطات في التعبير

ينبع تلاعب تقرير “بوليسي اكستشينج” بأدوار برنامج “بريفنت” بين نصوصه من مشكلة أوسع ظهرت في التقرير، وهي المغالطة في التعبير، الأمر الذي ينطبق على توصيف الكتاب والنقاد الذين تناول التقرير آراءهم التي جادل فيها التقرير، مثل إشارة نقاد إلى أن مهمة برنامج “بريفنت” نابعة من قضية “حصان طروادة”، حيث جاء في التقرير: “من الخطأ الإيحاء بأن مهمة برنامج “بريفنت” القانوني نشأ فقط بسبب حصان طروادة، لأن الفكرة موجودة قبل فترة طويلة من التحقيقات والتقارير المختلفة في عام 2014″.

ربما لم ينشأ برنامج “بريفنت” مع قضية حصان طروادة، إلا أن معظم النقاد يرون أن هدف البرنامج انتقل من اهتمامه بالاندماج في البداية، إلى اهتمام معلن في “تحدي الأيديولوجية المتطرفة” والإسلامية على وجه الخصوص.

وفي مثال آخر على المغالطة التي وردت في التقرير، ما وصف به رسالة نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية تنتقد فيها تقرير شرطة مكافحة الإرهاب ووزارة التعليم، معتبراً أن الرسالة كتبها “أفراد إسلاميون ومنظمات إسلامية جنباً إلى جنب مع مؤيديهم في أماكن أخرى”، في حين كان العديد من الموقعين من الأكاديميين، ولم يوقعوا على التقرير لأنهم “مناصرون” للإسلام السياسي، وإنما بسبب قلقهم على الدقة والمعايير العالية التي من المفترض انتهاجها في الخطاب العام.

من الملاحظات المهمة على تقرير “بوليسي اكستشينج” أيضاً، تكرار استخدام كلمة “ناشط” في وصف مصادر بودكاست النيويورك تايمز بهدف إضعاف رواية البرنامج، فقد جاء في التقرير مثلاً “لقد تم تبني البودكاست من قبل نشطاء وحلفائهم ممن أظهروا تعاطفاً مع قضية حصان طروادة”، وعلى ذلك يبني التقرير أن الأكاديميين الذين يختلفون مع رواية التقرير أقرب للنشطاء ويبتعدون عن المعايير العلمية والحياد لصالح موقف حزبي وسياسي، وهي نفس التهمة ضد الصحفيين، بمن فيهم صحفيو النيويورك تايمز.

تحقيق مستقل

يربط تقرير “بوليسي اكستشينج” بين قضية “حصان طروادة” وتغطية إعلامية أعقبت كارثة تعرف ب”كارثة هيلزبورو” عام 1989، والتي مات فيها 97  من مشجعي فريق ليفربول الإنجليزي بسبب تدافع الجمهور في استاد شيفيلد، حيث يتهم التقرير بيتر أوبورن كاتب هذا التحقيق بالتضليل من خلال ما كتب معتبراً أن أوبورن “افتقد إلى أي إحساس” بحسب تعبير التقرير، الأمر الذي بنظر التقرير يكرره أوبورن في تحقيقه حول قضية “حصان طروادة”.

يمكن الاستفادة من حادثة هيلزبورو بالفعل، فقد كان عمل اللجنة آنذاك فعالاً في فضح حملة الشرطة لإلقاء اللوم على مؤيدي الكارثة وتسليط الضوء على إخفاقات الشرطة والهيئات الأخرى، الأمر الذي أدى إلى تحقيق جديد عام 2016، تم على إثره إلغاء الحكم الأصلي بالوفاة العرضية، وإدانة متورطين من جهات مسؤولة بتحمل المسؤولية.

هناك حاجة ماسة الآن إلى إجراء تحقيق مستقل في قضية “حصان طروادة” كذلك، خاصة وأن تقرير “بوليسي اكستشينج” يصر على اعتبار الادعاء الذي أطلقه وزير التعليم آنذاك، مايكل جوف، “الكلمة الأخيرة”، رغم ما انطوت عليه كلمة جوف من تلاعب بالروايات وتعارض مع الحقائق التي حصلت فعلاً بين جدران تلك المدارس في برمنغهام البريطانية.

للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)

مقالات ذات صلة