فقط في بريطانيا! إذا كنت مسلماً وأُغلق حسابك البنكي فلن يكترث بك أحد! أما إذا كنت مثل “نايجل فاراج” فستقوم الدنيا ولا تقعد

بقلم بيتر أوبورن

ترجمة وتحرير مريم الحمد

كل وسيلة إعلام بريطانية كبرى نشرت ما كشف عنه السياسي الشعبوي البريطاني، نايجل فاراج، من أنه سوف يتم إغلاق حساباته المصرفية دون تفسير وحتى إشعار آخر، فقد مُنح خبر فاراج مساحة واسعة في أشهر صحف بريطانيا مثل الغارديان والاندبندنت و الفايننشال تايمز والتلغراف وغيرها، حتى تمت مقارنة بريطانيا في الآونة الأخيرة بالصين الشيوعية، ولا يعد هذا مجرد مبالغة فارغة!

في عالمنا الحديث، بعد الحساب المصرفي مهماً بقدر اهمية الكهرباء وحتى الماء، فبدونه لا يمكن للشخص السفر إلى الخارج، إيقاف حسابك يضعك في مكان المجرم الذي تصبح معه حياتك الطبيعية أمراً مستحيلاً، وقد حدث هذا مع العديد من الأشخاص في العقد الأخير، فمنهم من فقد وظيفته، ومنهم من اندثر عمله، ولكن لم يكترث أحد لقصص الكثيرين منهم رغم أنهم مواطنون بريطانيون، والسبب أنهم مسلمون!

قبل 4 سنوات، أذكر أنه على إثر مؤتمر الإيغور العالمي الذي ساهم في رفع الوعي تجاه قضية المسلمين الصينيين، تم حظر تحويلاتي المصرفية، وتجاهلتني وسائل الإعلام البريطانية تماماً، حتى أني لجأت لزملائي الصحفيين من أجل الحديث عن القضية، ولم أهتم لأمر الحظر رغم أنه تم إدراج المؤتمر في القائمة السوداء باعتباره يدعم “جماعات إرهابية” بناء على معلومات الصين المضللة.

في موضع آخر، كنت قد كتبت عن كيفية قيام الإنتربول بمنع إحدى المؤسسات الخيرية البريطانية، الرائدة في تقديم الإغاثة والتنمية للفلسطينيين في الضفة وغزة، من جمع الأموال.

كان المسلمون الذين انخرطوا في السياسة هم أول من عانى من ثقافة الإلغاء، بعد أن تم استبعادهم بشكل منهجي من الحياة البريطانية ولم يعترض أحد! 

 كما وصفت كيف فُقد الرئيس التنفيذي لمؤسسة قرطبة، أنس التكريتي، وعائلته دون إبداء أسباب، أيضاً كيف جُرد حساب مسجد فينزبري بارك بعد إدراجه تحت مسمى “منظمة إرهابية”.

أذكر أنني عندما قمت أيضاً، قبل عقد من اليوم، بالكشف عن تلقي حملة التضامن الفلسطيني رسائل مفاجئة من المصارف التي تتعامل معها بعد أن أغلقت حساباتها دون سابق إنذار، تم حجت تقريري من صحيفة الديلي تلغراف بعد نشره بوقت قصير، أما قضية فاراج، فقد أعطتها الديلي تلغراف مساحة كبيرة!

سلطوية شريرة

عندما كان جورج أوزبورن وزيراً للخزانة، أثرت الموضوع معه بشكل شخصي، وشرحت محنة المسلمين المحرومين من حساب مصرفي، ولكن تبين أن ذلك كان مضيعة للوقت، فعندما يكون من فقد حسابه مسلماً لا أحد يهتم!

 أما في قضية فاراج، فتتسابق الأقلام والأصوات للدفاع عنه ويقفز السياسيون إلى دائرة الاهتمام بالأمر، حتى قام وزير الخزانة الحالي، جيريمي هانت، بالاستجابة واعداً بإتخاذ إجراءات فورية، بوصف القضية “مصدر قلق مطلق، ولا ينبغي حرمان أحد من حسابه عقاباً على حرية التعبير” حسب ما نقلت الديلي ميل عن مصدر في وزارة الخزانة البريطانية.

عندما أصبح فاراج، الذي يمثل التعجرف الذي تمارسه الطبقة الوسطى الانجليزية البيضاء، مهدداً بذات الشيء، تحول الأمر إلى فضيحة وطنية، وتهديداً لحرية التعبير

مقارنة ظالمة حقاً بين اللطف الذي خاضت به الحكومة المعركة نيابة عن فاراج، وعدم الاكتراث بمصير المسلمين البريطانيين الذين تعرضوا لنفس القضية على مدى سنوات، فهذا يدل على أمرين، أولهما الإسلاموفوبيا الهيكلية التي سممت وسائل الإعلام والسياسة البريطانية لفترة طويلة، ولذلك عندما يُغلق حساب لبريطاني مسلم لا أحد يهتم.

وهناك نقطة ثانية أكثر عمقاً، وهي أنه منذ انضم توني بلير إلى ما يسمى “الحرب على الإرهاب”، كان المسلمون البريطانيون ساحة الاختبار لذلك النوع الجديد من السلطوية الشريرة، فقد كان المسلمون الذين انخرطوا في السياسة هم أول من عانى من ثقافة الإلغاء، بعد أن تم استبعادهم بشكل منهجي من الحياة البريطانية ولم يعترض أحد! 

عندما فقد مسلمون بريطانيون حساباتهم قبل عقد من الزمن، لم يحرك فاراج ولا أي سياسي بريطاني ساكناً للدفاع عنهم، ولكن اليوم عندما أصبح فاراج، الذي يمثل التعجرف الذي تمارسه الطبقة الوسطى الانجليزية البيضاء، مهدداً بذات الشيء، تحول الأمر إلى فضيحة وطنية، وتهديداً لحرية التعبير، واضطهاداً سياسياً تسبب في مقارنة بريطانيا بالصين الشيوعية!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة