فوارق حاسمة بين الاحتجاجات الطلابية الداعمة لغزة وتلك المناصرة لفيتنام

بقلم جون ريس 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

تحولت الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة ضد الحرب على غزة إلى شرارة لسلسلة عالمية من الاحتجاجات الطلابية تنبثق من حركة أوسع وتغذيها في نفس الوقت، مما يدفع هذا الحراك كلما تصاعد نحو الثورية.

وتواجه إدارات الجامعات ذات الاهتمام بالأعمال التجارية تحديات بسبب مطالب الطلاب، في حين تؤدي محاولات السلطات للتعامل مع الاحتجاجات إلى مزيد من التطرف.

ولا تزال هذه الملاحظات حول الحراك الطلابي التضامني مع فلسطين تتكشف الآن، لكنها يمكن أن تصبح أيضاً إعادة سرد تاريخي للاحتجاجات الطلابية على حرب فيتنام.

إن أوجه التشابه بين الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة وتلك التي اندلعت احتجاجاً على غزو فيتنام ملفتة للنظر، ففي الستينات، كانت الحركة الطلابية المناهضة للحرب هي الأكبر في الولايات المتحدة، لكنها أصبحت عالمية، واليوم نحن أمام ذات النمط.

في الولايات المتحدة، تضرر 140 حرماً جامعياً في 45 ولاية من إضرابات الطلاب أو اعتصاماتهم، وها هو النشاط الطلابي قد امتد الآن إلى أكثر من 30 دولة حول العالم وإن كان بوتيرة أقل مما هو عليه في أمريكا حيث باتت الاحتجاجات في أستراليا وكندا والمملكة المتحدة وهولندا من بين أكثر الحركات فعالية.

وفي عام 1968، نشط الحراك عقب هجوم تيت الفيتنامي، تماماً كما هو الحال اليوم حيث تفعل الحراك بسبب رفض عدوان الاحتلال على غزة، وفي كلتا الحالتين، كان النجاح العسكري في صالح القوى الاستعمارية ومؤيديها، لكن النصر السياسي كان من نصيب المقاومة في الحالتين أيضاً.

لقد نجح هجوم تيت في تحويل الرأي العام العالمي ضد حرب الولايات المتحدة في فيتنام، تماماً كما أدى الهجوم على غزة إلى العزلة السياسية لدولة الاحتلال على الساحة العالمية.

“قابلة للاستبدال وغير مهمة”

كانت حركة الاحتجاج الطلابية أقوى في الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فقد كانت جامعة وارويك وكلية لندن الجامعية وسوس وأكسفورد وكامبريدج وبريستول وكوين ماري في لندن من بين أوائل الجامعات التي انطلق فيها حراك الطلبة.

وفي الستينيات والآن، هناك حركة احتجاج أوسع تلهم الحركة الطلابية، فقد عارضت حركات الستينيات خصخصة التعليم ومركزته كخط إنتاج.

فقد قال ماريو سافيو، زعيم طلاب بيركلي في الستينيات، أن الطلبة كانوا يتفاعلون ضد مبدأ العيش في “جنة المستهلكين المطلية بالكروم” التي تريدنا “أن نكبر لنكون أطفالاً مهذبين”.

لكنه قال أيضاً: ” أقلية مهمة أظهرت أنها تفضل الموت على أن تصبح نمطية وقابلة للاستبدال وغير ذات أهمية”.

وبعد أكثر من جيل من التراجع في قطاع التعليم العالي، بالكاد يتفاعل طلبة اليوم ضد جنة المستهلك، لكنهم رأوا، حتى بشكل أوضح من جيل الستينيات، كيف يبدو النظام الجامعي مسوقاً بالكامل على طراز الشركات.

إنهم يعرفون جيداً ما يعنيه أن يتم التعامل معهم على أنهم “نمطيون وقابلون للاستبدال وغير ذوي أهمية”.

فوارق مهمة

غير أن هناك أيضاً ثمة اختلافات مهمة، فخلال الستينيات، كانت الحركة في الولايات المتحدة مدفوعة جزئياً بمعارضة التجنيد الإجباري، أما حركة اليوم فليس لديها مثل هذا الحافز المباشر.

وفي المملكة المتحدة، هيمن الطلاب على الحركة المناهضة لحرب فيتنام، وشكلوا أكثر من نصف المسيرات الكبرى المناهضة للحرب، ليس هذا هو الحال اليوم، فقد كانت الحركة الجماهيرية تحتشد على نطاق غير مسبوق لمدة ثمانية أشهر قبل أن ينتقل الطلاب إلى العمل في المملكة المتحدة.

وفي المملكة المتحدة، بلغ عدد أكبر المظاهرات المناهضة لحرب فيتنام عام 1968 نحو 100 ألف شخص، وهو عدد يقل عن عدد المشاركين في أصغر مسيرات فلسطين المتكررة الذي بلغ 150 ألفاً، وتتضاءل أمام أكبر المظاهرات لأجل غزة والتي بلغ عدد المشاركين فيها 800 ألف شخص.

علاوة على ذلك، لم تخرج في عامي 1967 و1968، سوى مسيرتين وطنيتين واسعتي النطاق في المملكة المتحدة، بينما شهدت الأشهر الثمانية الماضية 14 مظاهرة وطنية من أجل فلسطين.

ربما تكون الحركة الطلابية لعام 2024 في المملكة المتحدة أكثر انتشاراً مما كانت عليه في عام 1968 وحده، لكن شكل العمل لم يصبح جذرياً كما كان في عام 1968.

وفي عام 1968، ذكرت الصحيفة الثورية “بلاك دوارف” المدعومة من قبل من أبرز الناشطين المناهضين لحرب فيتنام، طارق علي، أن جامعة إسيكس كانت “إما في حالة اضطراب جزئي أو كلي” من شباط/فبراير إلى حزيران/يونيو، لكن يجب أن يتصاعد الحراك الطلابي بشكل كبير قبل أن يتم تقديم مثل هذا الادعاء لأي كلية اليوم.

غضب واسع النطاق

هناك اختلاف آخر أيضاً، ولكن عند الفحص الدقيق يتبين أنه تشابه بين الحراك الداعم لغزة وذاك الذي كان يدعم فيتنام.

ففي عام 1968، كان حزب العمال في حكومة المملكة المتحدة، وكان هارولد ويلسون رئيساً للوزراء، وعندما تحدث ويلسون في مجلس مدينة شيفيلد في كانون الثاني/يناير 1968، أحاط حوالي 3000 محتج بالمبنى وهم يهتفون “اخرج ويلسون!”، ورشقوا الشرطة التي تحمي رئيس الوزراء بالبيض والطماطم.

وفي آذار/مارس من ذلك العام، تعرض وزير من حزب العمال للسخرية في جامعة مانشستر، وبعد أسبوع حاصر الطلاب سيارة وزير الدفاع دينيس هيلي في كامبريدج.

واليوم، وبطبيعة الحال، فقد أصبح المحافظون في السلطة، ومع ذلك، فإن حزب العمال الذي يتزعمه كير ستارمر يعكس بشكل وثيق موقف حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك بشأن فلسطين وأمور أخرى كثيرة، مما أدى إلى غضب واسع النطاق ضد حزبه، وهو الغضب الذي يفترض تقريباً أنه لن يكون مختلفاً عما هو عليه لدى أولئك الموجودين حالياً في السلطة في حال فوزه المرجح في الانتخابات العامة المقبلة.

ومهما كان التوازن الدقيق بين الاستمرارية والانقطاع بين الحركات الطلابية في الستينيات واليوم، فمن المؤكد أن كلاهما على نطاق مهم تاريخيًا.

مهما كان التوازن بين الاستمرارية والانقطاع دقيقاً لدى الحركات الطلابية في الستينيات واليوم، فمن المؤكد أن الحالتين كانتا ذاتي أهمية تاريخية، وإذا لم تصبح الحركة الطلابية بارزة أو راديكالية كما كانت في الستينيات، فإنها في المقابل أقل عزلة بكثير

في الستينيات، كانت حركة القوة السوداء عنصراً مهماً في التطرف على مستوى المجتمع في الولايات المتحدة، ولكن لم تكن هناك دائرة انتخابية مماثلة في المملكة المتحدة في ذلك الوقت، أما اليوم، فيساهم المجتمع المسلم على نطاق أكبر بكثير في التعبئة من أجل فلسطين.

ومع ذلك، وكما تظهر استطلاعات الرأي، فإن الدعم للفلسطينيين يشمل المجتمع بأكمله، إذ يريد اثنان من كل ثلاثة أشخاص في المملكة المتحدة وقف إطلاق النار في غزة، وهو نفس المطلب الذي ورد على لافتات المظاهرات الداعمة لفلسطين.

الطلاب ليسوا طليعة لهذه الاحتجاجات، لأن قطاعات أوسع بكثير من المجتمع تملك ذات الموقف تجاه النضال الفلسطيني، وقد أظهرت قدرة ملحوظة على التعبئة بشكل مستمر ومتكرر على مدار أشهر وعلى نطاق واسع، لكن اتساع نطاق العمل الطلابي في هذا الاتجاه بات ظاهرةً جديدة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة