بقلم فكتوريا بريتن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد دفع الصحفيون والأطباء حياتهم ثمناً لعمليات الاغتيال مراراً، مثل شيرين أبو عاقلة التي قتلت على يد قناص إسرائيلي في جنين عام 2022، وفي غزة تم استهداف عدد من الصحفيين وعائلاتهم في الحرب الحالية، لأن تغطيتهم كان لها الدور الأبرز في تكذيب الرواية الإسرائيلية وتعرية الفشل الأخلاقي للقادة الغربيين.
وفي الضفة، فإن نقل الصحفيين للحقيقة قد جعلهم ورثة أحد أعظم الصحفيين الفلسطينيين، غسان كنفاني، وكأنه ما زال يعيش بعد 51 عامًا من اغتياله على يد الموساد الإسرائيلي في بيروت!
ربما يكون الآن الوقت المناسب لمشاهدة فيلم “المخدوعون” المقتبس من رواية كنفاني ” رجال في الشمس”، فالفيلم بمثابة تحفة فنية، تصور حياة الفلسطينيين في المنفى ما بعد النكبة، وهو من إخراج المصري توفيق صلاح، الذي أنجزه عام 1972 في سوريا، وقد تم منع عرضه لعقود، لأن الفيلم كان بمثابة صورة كشفت خيانة العالم العربي للاجئ الفلسطيني.
تدور أحداث الفيلم في الخمسينيات من القرن الماضي حول حياة 3 رجال فلسطينيين كانوا لاجئين في العراق، يائسون بعد الدمار الذي تسلل إلى حياتهم بعد نكبة عام 1948، وفي القصة ينتمون إلى 3 أجيال، التقوا صدفة في مدينة البصرة، خلال بحث كل منهم عن طريق للهرب عبر الصحراء إلى الكويت التي كانوا ينشدون فيها عملاً وحياة جديدة
في ظل ما يحدث اليوم، يرجع صدى الفيلم ليحاكي واقعاً فلسطينياً يتكرر اليوم بالألم والظلم والعنف والحرمان، وكأن ذلك هو الأمر الطبيعي، تمامًا كما كانت في ذلك الوقت.
يستند فيلم “المخدوعون” إلى رواية كنفاني الشهيرة “رجال في الشمس” التي تدور أحداثها في الخمسينيات ونشرت في عام 1962، ولما لم يتمكن مخرج الفيلم صلاح من الحصول على الدعم الكافي في مصر لإنتاج الفيلم، ذهب إلى دمشق حيث تعاون مع بعض الممثلين الكبار من وسط فني ثري، أبرزهم بسام لطفي أبو غزالة، اللاجئ الفلسطيني من طولكرم، والسوريين محمد خير حلواني. وعبد الرحمن الراشي وصالح خلوكي والمصور بهجت حيدر.
لقد تم إنتاج الفيلم في الأصل عام 1972 وعُرض آنذاك في مهرجانات في موسكو وتونس، ثم عرض بنسخة مرممة في مهرجان لندن السينمائي بعد ذلك بسنوات، بمبادرة من مشروع السينما العالمية التابع لمؤسسة الفيلم وسينيتيكا دي بولونيا، بالتعاون مع عائلة صلاح الذي كان قد توفي وقتها، والمنظمة الوطنية للسينما، وبتمويل من مؤسسة عائلة هوبسون/لوكاس.
تدور أحداث الفيلم في الخمسينيات من القرن الماضي حول حياة 3 رجال فلسطينيين كانوا لاجئين في العراق، يائسون بعد الدمار الذي تسلل إلى حياتهم بعد نكبة عام 1948، وفي القصة ينتمون إلى 3 أجيال، التقوا صدفة في مدينة البصرة، خلال بحث كل منهم عن طريق للهرب عبر الصحراء إلى الكويت التي كانوا ينشدون فيها عملاً وحياة جديدة.
يائسون محطمون
يستخدم الفيلم تكنيك الفلاش باك باستحضار ذكريات الماضي لبناء الشخصيات وحياتها بشكل واضح، ليصبحوا مشابهين لنماذج حقيقية نعرفها أو سمعنا عنها في الحياة الواقعية.
الشخصية الأكبر سناً يدعى أبو قيس، وهو يشعر بالقهر بسبب فقدان أرضه الحبيبة، التي كانت هويته، كما أنه يخجل من واقعه الفقير العاجز في مخيم للاجئين.
آخر كلمات الرواية كانت، “لماذا لم تطرقوا جوانب الخزان؟ لماذا لم تضربوا جوانب الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟”
أما الشخصية الثانية وهو الأسد، والذي يكون في أوائل الثلاثينيات من عمره، فيقترض 50 دينارًا من عمه من أجل القيام برحلة البحث عن عمل ومستقبل، مقابل القرض كان مجبراً على الزواج من ابنة عمه، وتظهر في القصة كيف تمت الصفقة بسبب واقع المخيم المرير حيث يريد والدها تزويجها، وسرعان ما يتم خداع الأسد في أحداث القصة ويُترك عالقًا في الصحراء بعد أن دفع أكثر من نصف ديناره، فيضطر للعودة ليبدأ من جديد!
أما الرجل الثالث فاسمه مروان، ويبلغ من العمر 16 عامًا فقط، وهو يريد أن يصبح طبيبًا، كان شقيقه الأكبر يقيم في الكويت، ويرسل الأموال للأسرة كل شهر، لكنه أرسل إلى مروان رسالة خاصة يخبره فيها أنه تزوج ولن يرسل المزيد من المال، وعليه ألا يخبر والديه، بل يجب عليه التوقف عن الذهاب إلى المدرسة وتحمل عبء إعالة الأسرة.
ويزيد الطين بلة أن والد مروان، الذي كان يشكو باستمرار من ظروفه المعيشية ويسيء معاملة زوجته، يقوم بهجر الأسرة فجأة، في ظل تلك الظروف يعُرض على مروان فرصة زواج من امرأة فقدت ساقها، ووالدها على استعداد لإعطائه منزلاً مقابل ذلك.
اغتيل كنفاني في انفجار سيارة مفخخة للموساد مع ابنة أخته لميس نجم في بيروت عام 1972، وجاء في نعيه في صحيفة ديلي ستار اللبنانية أنه “كان كوماندوزًا رغم أنه لم يطلق النار أبدًا، ولكن كان سلاحه قلم حبر جاف وساحته صفحات الصحف”
إلى جانب الثلاثة الرئيسيين، هناك عبد الخيزورام وهو سائق الشاحنة الفلسطيني الذي يساوم الثلاثة من أجل إيصالهم إلى الكويت، يساومه الأسد بشراسة، فهو لا يريد الدفع حتى يصل، وفي ظل صراعهما على الطريق، تظهر أجزاء من ذكريات خيزورام أيضًا.
لقد كان خيزورام مناضلاً تم أسره وإخصاؤه عام 1948، فكان كلما تذكر العملية تسيل دموعه، وينتهي به الأمر إلى القيام بعمل شاق حيث يعمل سائقاً ذهابًا وإيابًا بمفرده عبر الصحراء القاسية من أجل رجل ثري في الكويت.
موت على طريق الصحراء
يشعر الأربعة بتعب شديد أقرب للموت في الصحراء، فهم معلقون بلا حماية من الشمس، تكسو الرمل شعرهم ووجوههم، كما أنهم مضطرون للدخول إلى خزان الشاحنة الفولاذي شديد الحرارة مرتين أثناء العبور على المراكز الحدودية، وفي داخل الخزان ينظر بعضهم إلى بعض وقد أدركوا أنه لا عودة.
عندما يتوقف خيزورام بعد مسافة في الصحراء يفتح لهم الباب، يسحبهم بقسوة ويستعجلهم، ثم يشرب كمية من الماء ويصب بقيتها فوق رأسه وجسده، وهم ينظرون إليه ويشعرون بعدم الإنسانية التي تتم معاملتهم بها، ثم يقول فجأة أن مروان يمكنه الجلوس في مقعد الراكب مع أبو قيس، فكلاهما نحيف.
يزداد الجو توترًا مع اقترابهم من الحدود الثانية، ويعرف الثلاثة جيدًا ما ينتظرهم عندما ينزلقون عائدين إلى داخل الخزان، تمر الدقائق على الحدود ببطء مع مضايقة حرس الحدود الكويتيين للسائق خيزورام، وفي هذه الأثناء تظهر لقطة الشاحنة في الخارج يخرج منها صوت طرق من الخزان، لكن لا أحد يسمع ذلك.
نداء بلا جدوى
في دقائق الفيلم الأخيرة، يلقي أبو الخيزورام بعض الملابس من نافذة الشاحنة، ثم يظهر الرجال الثلاثة وهم يرتدون ملابسهم الداخلية في مكب للقمامة في الصحراء، وآخر كلمات الرواية كانت، “لماذا لم تطرقوا جوانب الخزان؟ لماذا لم تضربوا جوانب الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟”
في حياته وكتاباته، كان كنفاني يحرص على تمثيل صوت “قرع الدبابة”، وذلك يرجع إلى خلفيته الثورية، حيث كان متحدثًا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد اغتيل في انفجار سيارة مفخخة للموساد مع ابنة أخته لميس نجم في بيروت عام 1972، وجاء في نعيه في صحيفة ديلي ستار اللبنانية أنه “كان كوماندوزًا رغم أنه لم يطلق النار أبدًا، ولكن كان سلاحه قلم حبر جاف وساحته صفحات الصحف”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)