بقلم بولين إرتيل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لم تتوقف ألمانيا عن التأكيد على دعمها الثابت لإسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، كما رفضت إدانة الفظائع المرتكبة في القطاع المحاصر حتى في الوقت الذي أصبح فيه الحلفاء الغربيون الآخرون، بما في ذلك الولايات المتحدة أكثر انتقاداً لسلوك إسرائيل العسكري.
خلال خطاب ألقاه أمام البوندستاغ أو البرلمان الألماني في أكتوبر الماضي، أعلن المستشار أولاف شولتس أنه “في هذه اللحظة، لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا وهو إلى جانب إسرائيل، وهذا ما نعنيه عندما نقول أن أمن إسرائيل هو من أسباب وجود الدولة الألمانية”.
على صعيد مماثل، تعهد سياسيون من مختلف الأطياف السياسية بتقديم الدعم الثابت لإسرائيل، ووعدوا بأن ألمانيا “تقف بثبات إلى جانب إسرائيل”.
إن القول بأن إسرائيل هي “سبب وجود الدولة” ليست بفكرة جديدة، بل يمكن القول أنها تنبع من خطاب ألقته المستشارة السابقة، أنجيلا ميركل، في الكنيست عام 2008، كما تكررت العبارة عدة مرات خلال الأشهر الماضية من قبل مسؤولين ألمان عقب 7 أكتوبر.
لم يتوقف هذا الدعم الألماني طوال أشهر الحرب المستمرة حتى اللحظة، حتى بعد اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث أدت هذه الإدانة الدولية، إلى فرض ضغوط على مؤيدي إسرائيل، مما أدى إلى دفع دول مثل كندا وهولندا إلى تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
أما ألمانيا، فقد زادت صادراتها بنحو 10 أضعاف، حيث بلغت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية 32 مليون يورو (34.7 مليون دولار) في عام 2022، ولكن بحلول نوفمبر من عام 2023، ارتفعت إلى 303 ملايين يورو، حتى باتت صادرات الأسلحة الألمانية تشكل 30% من مبيعات الأسلحة العالمية لإسرائيل.
هذا هو مستوى الدعم الألماني لإسرائيل والذي وصل لدرجة أن برلين باتت تواجه اتهامات بالتواطؤ في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، ومن أمثلة ذلك ما واجهته من اتهامات قدمتها نيكاراغوا إلى محكمة العدل الدولية مؤخراً، بتهمة تسهيل “الإبادة الجماعية” التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
من المدهش أنه بعد كل هذا، لا تزال الأصوات المنتقدة لإسرائيل في ألمانيا ضئيلة جداً، فعلى المستوى الوطني، كانت السياسية اليسارية ساهرة فاغنكنشت وأنصارها في البوندستاغ هم الأكثر صخباً من خلال مطالبتهم بفرض حظر فوري على الأسلحة ضد إسرائيل.
في تصريح لها في 2 إبريل، قالت فاغنكنخت: “يجب أن يتوقف القتل في غزة بالإضافة إلى الهجمات الإسرائيلية على الدول المجاورة على الفور”.
“ألمانيا صامتة وتقدم الأسلحة، السياسيون لا يتحدثون لأنهم لا يريدون تدمير حياتهم المهنية، لكنني لا أهتم، أنا ملتزم بالحقيقة” – هالوك يلدز- عضو مجلس مدينة فرانكفورت الألمانية
ومن جانبها، أشارت زميلة فاغنكنخت في الحزب وعضو البرلمان، سيفيم داغدين، والموجودة حاليًا في لاهاي كمراقب برلماني لجلسة الاستماع الألمانية في محكمة العدل الدولية، لموقع ميدل إيست آي إلى أنه “يجب على ألمانيا التوقف فورًا وبشكل مستقل بعد جميع جلسات الاستماع التي عقدتها محكمة العدل الدولية، ويجب أن يحظى موضوع صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بأهمية أكبر من الدفاع عن النفس”.
أعلام إسرائيل في مجالس البلدية في ألمانيا
على المستوى المحلي، حاول عدد من السياسيين في مختلف البلديات الألمانية القيام بخطوات لتتحول انتقاداتهم لإسرائيل إلى أفعال، على سبيل المثال، قدم الرئيس الفيدرالي لحزب التحالف من أجل الابتكار والعدالة (BIG) وعضو مجلس مدينة فرانكفورت، هالوك يلدز، طلبًا لإزالة العلم الإسرائيلي من أمام قاعة مدينة فرانكفورت خلال شهر رمضان.
أشار يلدز إلى أن العلم تم رفعه في أكتوبر الماضي “كعلامة على التضامن”، مشيراً إلى أن “علم دولة ترتكب إبادة جماعية معلق في قاعة مدينتنا، كيف من المفترض أن يحتفل المسلمون، وخاصة الفلسطينيون في فرانكفورت، بشهر رمضان بسلام؟”.
يذكر أن عدد السكان المسلمين في مدينة فرانكفورت بولاية هيسن يبلغ ما بين 100 ألف و150 ألف نسمة، أي ما يقرب من 15% من سكان المدينة، ومع ذلك، فلم يتم طرح اقتراح يلدز حتى على جدول أعمال برلمان فرانكفورت.
من جانب آخر، وخلال اجتماع لمجلس المدينة، طلب يلدز إضافة العلم الفلسطيني إلى قاعة المدينة، ناقلاً بذلك طلباً جاءه عبر البريد الإلكتروني من أحد المواطنين، فرد عمدة فرانكفورت، مايك جوزيف، بالقول: “في مسائل معاداة السامية، لا يوجد رأيان”.
تم في نفس الجلسة وخلال كلمة يلدز، كتم صوت ميكروفونه وتعرضه لصيحات الاستهجان من قبل أعضاء مجلس المدينة الآخرين!
أشار يلدز أيضاً إلى أن أول خطاب ألقاه حول هذا الموضوع في نوفمبر الماضي، تسبب بمغادرة 60% من أعضاء مجلس المدينة البالغ عددهم 93 عضواً الغرفة، حيث علق آنذاك بالقول أن “ألمانيا صامتة وتقدم الأسلحة، السياسيون لا يتحدثون لأنهم لا يريدون تدمير حياتهم المهنية، لكنني لا أهتم، أنا ملتزم بالحقيقة”.
“خلف الأبواب المغلقة، يأتي إلي الكثير من الناس ويقولون لي إن ما أفعله موقف شجاع وأنهم يدعمونه، لكن لا أحد يجرؤ على التحدث علناً، فالثناء خلف الأبواب فحسب” – فيصل ورداك- عضو مجلس مدينة فيسبادن عاصمة ولاية هيسن الألمانية
الوصول إلى انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر إجراؤها في يونيو 2024، ولذلك يسعى بالتعاون مع أحزاب أخرى ذات تفكير مماثل في جميع أنحاء أوروبا، إلى الترويج لخطة من 10 نقاط لرفع مستوى الوعي حول انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين، فهو يرى أنه “من الممكن الحصول على مقعد، وحتى لو كان مقعدًا واحدًا فقط فيمكننا تغيير شيء ما”.
“الثناء خلف الأبواب فحسب”
في تصريحه لموقع ميدل إيست آي، أشار زميل يلدز في الحزب و، إلى أن “الناس يخشون فقدان وظائفهم إذا تحدثوا”.
قبل أسبوعين، قدم وردك طلبًا لمراجعة العلاقات التجارية لمدينة فيسبادن مع شركة مواد البناء هايدلبيرج ماتريالز، المعروفة بتشغيل محجر كبير بالقرب من قرية الزاوية في الضفة الغربية المحتلة من خلال فرعها المملوك بالكامل لشركة هانسون الإسرائيلية، حيث يتم جلب الموارد المعدنية المستخرجة إلى إسرائيل ولا يستفيد منها الفلسطينيون، الذين يعتبرون المالك الشرعي للمواد الخام، وفقاً للقانون الدولي.
على إثر ذلك، طالب ورداك مجلس مدينة فيسبادن بالكشف عن المعلومات المتعلقة بالمشاريع الجارية بين المدينة وشركة هايدلبيرج ماتريالز، سواء عقود البناء أو التوريد وما هي المبادئ التوجيهية الموضوعة لضمان احترام القانون الدولي.
خلال كلمة ألقاها أمام برلمان مدينة فيسبادن في 21 مارس، قال ورداك: “من العار أن تقوم شركة ألمانية باستخراج الموارد على حساب الفلسطينيين وعلى حساب حقوق الإنسان، والسؤال المركزي هنا هو: هل تذهب الأموال العامة إلى شركات مثل هايدلبيرج ماتريالز؟”.
في تلك الجلسة، صوت جميع أعضاء البرلمان، باستثناء ورداك وزميله في الحزب، ضد الاقتراح وتم رفضه.
علاوة على ذلك، فقد رد عمدة فيسبادن، غيرت أوفي ميندي، على خطاب ورداك باعتباره “لا علاقة له بالسياسة المحلية للمدينة”، وذلك في تسجيل فيديو للجلسة البرلمانية التي أعقبت الاقتراح.
بعد 4 أيام من رفض الاقتراح، قام سفير إسرائيل لدى ألمانيا، رون بروسور، بزيارة فيسبادن، حيث صرح رئيس وزراء ولاية هيسن، بوريس راين، أن “هيسن تقف بثبات إلى جانب إسرائيل”.
تعبيقاً على الحادثة، أوضح ورداك لموقع ميدل إيست آي أنه “خلف الأبواب المغلقة، يأتي إلي الكثير من الناس ويقولون لي إن ما أفعله موقف شجاع وأنهم يدعمونه، لكن لا أحد يجرؤ على التحدث علناً، فالثناء خلف الأبواب فحسب”، وأضاف: “آخرون يقولون أنني لا أستطيع تغيير أي شيء، ولكن أنا لا أعتقد ذلك، يمكنك أن ترى من خلال المثال الذي قدمته أن كل صوت مهم، ويمكن لأي شخص أن يفعل شيئًا ما”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)