في تحدٍ لحرية التعبير… رئيس الوزراء البريطاني سوناك يرفض الدفاع عن بي بي سي أمام هجمة مودي!

بقلم عمران الملا وبيتر أوبورن

لوحظ في الأسابيع الأخيرة هجوم زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر المتكرر على رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في دلالة على أن الأخير أصبح ضعيفا بشكل ميؤوس منه، ولم يعد لائقاً للوظيفة التي يتولاها، وأصبح بطيئا جدًا في التعامل مع المتنمرين.

فمرة بعد مرة، يقود ستارمر هذه الهجمات في فقرة الأسئلة الموجهة لرئيس الوزراء.

ومؤخراً، ظهر متنمر جديد على سوناك هو رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي لا يقف رئيس الحكومة أيضاً في وجهه.

وقد عرفت حكومة مودي بهجماتها الوحشية على وسائل الإعلام الهندية، لدرجة أن هيئة مراقبة إعلامية دولية صنفت الهند عام 2022 في المرتبة 150 من أصل 180 دولة في مؤشرها لحرية الصحافة.

و الآن حولت حكومة مودي نيرانها إلى هيئة الإذاعة البريطانية المعروفة كواحدة من أكثر المؤسسات الإخبارية احتراما في العالم.

والمثير للصدمة أن لا سوناك ولا حكومته قد يحركا ساكنا للدفاع عن بي بي سي من هجوم رئيس الوزراء الهندي.

دعاية معادية

يرجع غضب مودي من بي بي سي إلى بثها فيلمًا وثائقيًا من جزئين أواخر كانون الثاني/ يناير حول علاقة رئيس وزراء الهند مع 200 مليون مسلم في بلاده.

ركز الجزء الأول من الفيلم على مذبحة عام 2002 ضد المسلمين في ولاية غوجارات الغربية، التي شهدت أعمال عنف عندما كان مودي رئيسا لحكومة الولاية وأسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص.

وكشف الوثائقي الذي بثته بي بي سي عن تقرير للحكومة البريطانية اعتبر مودي “مسؤولاً بشكل مباشر” عن تلك الأحداث.

وعلى الرغم من بثه في بريطانيا فقط، وتضمنه لمقابلات مع أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند الذين دافعوا عن مودي، فقد كان رد الحكومة الهندية شرسًا.

و حظرت حكومة مودي الفيلم ووصفته بـ “الدعاية المعادية والقمامة المعادية للهند”، وأمرت يوتيوب وتويتر في الهند بحظره على منصتيهما، ويبدو أن المنصتين امتثلتا لذلك.

وعندما حاول الطلاب في جامعة جواهر لال نهرو المرموقة عرض الفيلم الوثائقي، قطعت إدارة الجامعة الكهرباء وقيدت الوصول إلى الإنترنت، وفي جامعة دلهي، احتجزت الشرطة 24 طالبًا لمحاولتهم عرضه على الشاشات، دون أن يقول سوناك أو وزرائه أي شيء.

و في البرلمان، سأل سياسي من حزب العمال سوناك عن الفيلم الوثائقي، لكن رئيس الوزراء لم يبد أي محاولة للدفاع عن بي بي سي، وبدلاً من ذلك، أجاب بأنه “لا يتفق على الإطلاق” مع توصيف الهيئة لمودي.

وبعد أسابيع قليلة، شنت الحكومة الهندية هجومًا سافراً على بي بي سي، ففي 14 فبراير، وصل أكثر من اثني عشر مسؤولاً من دائرة ضريبة الدخل التابعة للحكومة الهندية إلى مكاتب الهيئة في دلهي ومومباي منفذين مداهمة ضريبية لمدة ثلاثة أيام، أو “مسحاً” كما تسميه الحكومة، ثم اتهمت وزارة المالية الهيئة بالتهرب الضريبي.

وبشكل لا يصدق، لم يصدر أي بيان يعبر عن قلق سوناك أو إدانته لهذه المضايقات الصارخة، ولم تبادر حكومة المملكة المتحدة إلى أي دفاع علني عن بي بي سي، والمثير للدهشة أن المفوضية البريطانية العليا في الهند، التي قيل إنها تراقب الوضع، لم تصدر أي بيان أيضاً.

مضايقة وترهيب

داخل الهند، تحدث العديد من الأفراد والمنظمات للهيئة، فقد قال آكار باتيل، رئيس مجلس إدارة منظمة العفو الدولية في الهند:” من الواضح أن السلطات الهندية تحاول مضايقة هيئة الإذاعة البريطانية بسبب الانتقادات التي توجهها في تغطيتها لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، كما يتم استخدام السلطات الواسعة لدائرة ضريبة الدخل بشكل متكرر كسلاح لإسكات المعارضة “.

واتخذت منظمة مراسلون بلا حدود، وهي منظمة رقابية على وسائل الإعلام، نفس الموقف، وجاء في بيان رسمي لها أن “هذه المداهمات تبدو وكأنها انتقام من هيئة الإذاعة البريطانية لنشرها فيلم وثائقي ينتقد رئيس الوزراء ناريندرا مودي قبل ثلاثة أسابيع”.

ووصف ناراسمهان رام، رئيس التحرير السابق لمجلة هندوسية إجراءات بلاده بحق البي بي سي بأنها محاولة “للرقابة” مشيرا إلى أنها “يمكن أن تكون انتقامية قليلاً”.

وعلق متحدث باسم الحزب الحاكم في الهند على المداهمة الضريبية عبر وصف بي بي سي بأنها “أكثر المنظمات فسادًا في العالم”، واتهمها “بنشر التقارير السامة والسطحية وذات الأجندة الموجهة”.

ومع ذلك، فإن حكومة سوناك لن تحرك ساكنا للدفاع عن واحدة من أكثر المنظمات الدولية التي تحظى بالإعجاب في بريطانيا وتتمسك بمبدأ حرية التعبير، وهذا أمر مهم للغاية للصحفيين الهنود الذي يتمتعون بالجرأة الكافية لانتقاد مودي.

إنهم قلقون للغاية لأنهم يعتقدون أن الهجوم على البي بي سي يمكن أن يشكل سابقة لمزيد من الاعتداءات على حرية الصحافة، فإذا كان من الممكن أن تواجه مؤسسة تحظى باحترام دولي مثل البي بي سي هذا الترهيب، فأي وسيلة إعلامية هندية يمكن أن تكون آمنة؟

خطورة تشجيع مودي

لقد بات الصمت غير العادي يصم الآذان، فبعد أن حظرت الصين بي بي سي في عام 2021، أعلن وزير الخارجية آنذاك دومينيك راب أن هذه الخطوة “تقييد غير مقبول لحرية الإعلام”.

وعندما شعرت بالقلق إزاء “الدعاية المتزايدة من الدولة الروسية” في عام 2022، منحت حكومة المملكة المتحدة البي بي سي 4.1 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 5 ملايين دولار) “لمحاربة التضليل الروسي”.

لكن في حالة الهند، ليس هناك ما يشير إلى أن الحكومة تبدي اهتماما، ولم يكن سوناك الخامل الوحيد، فوزير الخارجية جيمس كليفرلي الذي يعتبر نفسه مناصرا لحرية الرأي والتعبير لا يتحدث عن الهجوم الوحشي على مؤسسة وطنية بريطانية عظيمة في الهند.

ووصف رام صمت سوناك بأنه “مخز”، وقال بعد المداهمة الضريبية “إذا حدث شيء من هذا القبيل لمؤسسة هندية في المملكة المتحدة، ألن تصدر وزارة الخارجية أو مكتب رئيس الوزراء بيان يعبر على الأقل عن القلق؟ أعتقد أنهم سيفعلون ذلك”.

تخاطر حكومة سوناك بدعم سلطوية مودي في لحظة فارقة في تاريخ الهند، حيث يحذر الخبراء من احتمال مواجهة المسلمين الهنود للإبادة الجماعية.

الصحفي الهندي كاران ثابار، قال عن الهجوم على بي بي سي إنه ” ألحق الضرر ببلدنا وبسمعتها ومكانتها كدولة ديمقراطية، وهذا أمر يهمنا جميعًا كشعب هندي “.

من الصعب التفكير في رئيس وزراء بريطاني سابق كان يمكن أن يسمح لقوة أجنبية بالتخلص من حرية التعبير ومهاجمة مؤسسة بريطانية بهذه الطريقة، ومن الحري بالقول في أن ستارمر على حق وأن سوناك ليس على مستوى المنصب.

للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)

مقالات ذات صلة