بقلم عبد أبو شحادة
ترجمة وتحرير مريم الحمد
إذا ما توقفنا عند إقالة رئيس الشاباك رونين بار مؤخراً، فليس هناك جانب “جيد” للقصة، هناك جانب شرير فقط ويمكن أن يقابله أحمق شرير إن صح التعبير.
بعد يومين من إعلان إقالته، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورة لبار إلى جانب رئيس أركان الجيش المعين حديثاً، إيال زمير، أثناء قيادة الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على السكان المدنيين في غزة، قبيل ساعات الفجر وقت السحور.
عندما دخل وقف إطلاق النار المفروض دولياً في غزة حيز التنفيذ، وجد نتنياهو نفسه في مأزق صعب، فقد التزمت حماس بشروط الصفقة وأطلقت سراح الرهائن الإسرائيليين على النحو المتفق عليه، الأمر الذي دفع عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى الأمل في إمكانية إطلاق سراح المزيد من الأسرى إذا احترمت إسرائيل التزاماتها
على أحد جانبي هذه القصة، يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقامر بصعود اليمين المتطرف في الغرب، وهي الأجندة التي عززتها معارضة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العدوانية للنظام العالمي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الإطار ذاته الذي أنشأ مؤسسات مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
يتصور نتنياهو اليوم عالماً حيث القوة العسكرية هي من تملي الواقع دون مساءلة، فمخاوفه الأساسية هي محاكمته بالفساد، وتحقيقات الشاباك المستمرة في التسريبات الإعلامية وفضيحة “قطر جيت”، التي تتمحور حول المعاملات المالية المشبوهة بين مساعدي نتنياهو وقطر.
وعلى الجانب الآخر يقف بار، الذي عينه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت عام 2021، ويمثل النخبة الأمنية في إسرائيل، التي تفهم التداعيات الأمنية طويلة المدى لمناورات نتنياهو السياسية، فتيار بار يدركون أن نتنياهو يستغل الحرب لتحقيق أهدافه السياسية، بينما يتهرب من تحمل المسؤولية عن دوره في الإخفاقات التي وقعت في 7 أكتوبر عام 2023.
في خضم ذلك، لا وجود للحديث حول حقوق الإنسان في إسرائيل، فالجدل بين هذه الشخصيات ليس أيديولوجياً ولا أخلاقياً، وإنما هو صراع صهيوني داخلي على السلطة، ولكن عواقبه سوف تكون غير مسبوقة بالنسبة للفلسطينيين وللمنطقة ككل!
استغلال النفوذ
مثله مثل قائد الجيش السابق هرتسي هاليفي ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يجسد بار روح المؤسسة الصهيونية القديمة والمتجذرة في مبدأ زئيف جابوتنسكي المتمثل في بناء “جدار حديدي” حول إسرائيل.
كان جابوتنسكي أيضاً يعتقد أن العالم العربي لن يتقبل إسرائيل أبداً، مما يجعل التفوق العسكري ضرورة، ورغم موقفه القومي، إلا أنه تمسك بالنهج الليبرالي الذي يعزز قيم الحقوق الفردية وفصل السلطات.
قبل أن تبدأ الإبادة الجماعية في غزة، كان نتنياهو وحلفاؤه يدركون أن الرأي العام الإسرائيلي ينظر إلى المؤسسة الأمنية باعتبارها بقرة مقدسة لا يمكن المساس بها، ولكن وخلال ذروة الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي، كانت المقاومة الأكثر تنظيماً ضد الانقلاب ولأول مرة من قبل أفراد الجيش والأمن السابقين.
لقد استفاد أفراد الجيش والأمن السابقين من نفوذهم على الجيش، حتى أنهم دعوا إلى رفض الخدمة في حالة اكتمال الانقلاب، كما اتخذ قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، الذي يضم أعضاء سابقين في وحدة الإنترنت العسكرية، موقفاً حازماً ضد الانقلاب القضائي.
لن يتوقف نتنياهو وشركاؤه عن متابعة طموحاتهم السياسية، لكن الحرب سوف تنتهي في نهاية المطاف، وعندها فقط سوف يدرك من يسمون أنفسهم بمعارضي نتنياهو أنهم كانوا مجرد بيادق في لعبته، وعندها فقط سوف يفهمون أنه في نظر العالم لا يوجد فرق كبير بينهم وبين اليمين المتطرف في إسرائيل
لن يتوقف نتنياهو وشركاؤه عن متابعة طموحاتهم السياسية، لكن الحرب سوف تنتهي في نهاية المطاف، وعندها فقط سوف يدرك من يسمون أنفسهم بمعارضي نتنياهو أنهم كانوا مجرد بيادق في لعبته، وعندها فقط سوف يفهمون أنه في نظر العالم لا يوجد فرق كبير بينهم وبين اليمين المتطرف في إسرائيل
أما نتنياهو، فقد اعتبر الإخفاقات الأمنية في 7 أكتوبر بمثابة فرصة للقضاء على معارضيه دون أي مساءلة سياسية، وهو أمر غير مسبوق حتى بالنسبة للإخفاقات الأصغر حجماً في الماضي، فقد كان نتنياهو مردكاً إلى أن حجم هجمات حماس سوف تحشد الرأي العام الإسرائيلي خلفه، من باب التعطش للانتقام والاستعداد لشن حرب غير منضبطة على غزة.
حتى أولئك الذين عارضوا الانقلاب القضائي داخل المؤسسة الأمنية، فقد انضموا في نهاية المطاف إلى تحركات نتنياهو الحربية، مما أدى إلى تضخيم رسائل الانتقام للجنود والرأي العام الإسرائيلي على حد سواء.
خلال ذلك، لم يغفل نتنياهو قط عن هدفه الحقيقي، وهو استكمال انقلابه القضائي، ففي اللحظة التي أتيحت له الفرصة، قام بتفكيك القيادة الأمنية واستبدالها بالموالين له.
وفي الوقت الذي كان فيه العالم يراقب الدمار في غزة، واصل نتنياهو وحلفاؤه إصلاحاتهم السياسية، حيث قام وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير بتطهير قوات الشرطة من كبار المسؤولين المعارضين، كما أعاد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش توجيه الميزانيات في الضفة الغربية المحتلة، ونقل السلطات الرئيسية من السلطات العسكرية إلى السلطات المدنية.
مجازفة كبيرة
عندما دخل وقف إطلاق النار المفروض دولياً في غزة حيز التنفيذ، وجد نتنياهو نفسه في مأزق صعب، فقد التزمت حماس بشروط الصفقة وأطلقت سراح الرهائن الإسرائيليين على النحو المتفق عليه، الأمر الذي دفع عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى الأمل في إمكانية إطلاق سراح المزيد من الأسرى إذا احترمت إسرائيل التزاماتها.
الأهم من ذلك أن وقف إطلاق النار نص على انسحاب إسرائيل من غزة، وهو الإجراء الذي كان نتنياهو يعلم أنه سوف يكون بمثابة انتحار سياسي، وفي نفس الوقت، كان الشاباك قد بدأ التحقيق في مكتبه، كما كان نتنياهو يكافح لتمرير ميزانية الدولة، حيث هدد المشرعون الحريديم بالتصويت ضدها بسبب نزاع حول التجنيد العسكري لمجتمعهم.
وبسبب تعقيدات موقفه، قرر نتنياهو التدخل بالكامل، معتمداً على الدعم الأمريكي، فاستدعى بار وأبلغه بإقالته، وقبل أن تكتسب الاحتجاجات ضد القرار زخماً، وفي الوقت الذي حذرت فيه المدعي العام الإسرائيلي من أن إطلاق النار لا يمكن أن يستمر دون وجود أسباب وجيهة، شن نتنياهو هجوماً مفاجئاً على غزة، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 400 شخص في ساعات قليلة!
لاشك أن التسلسل السريع للأحداث كان لصالح نتنياهو، فلم يكن لدى الجمهور الإسرائيلي الوقت الكافي للتعامل مع إقالة بار قبل أن يشتت القتال المتجدد انتباههم، كما عاد بن غفير إلى الحكومة وساعد في تأمين إقرار ميزانية نتنياهو.
من المأساوي أن حياة الفلسطينيين قد تحولت بالفعل إلى مجرد ضجيج في الخلفية في صراعات القوة الصهيونية الداخلية، ورغم أنه من السهل إلقاء اللوم كله على نتنياهو وحلفائه، إلا أن هذه الأزمة في حقيقتها مبنية على الافتراض الأساسي المتمثل في التفوق الصهيوني على حياة الفلسطينيين.
منذ بداية الحرب، لم يشكك أي سياسي أو حركة احتجاجية إسرائيلية جدياً في شرعية عمليات القتل الجماعي أو عواقبها على المدى الطويل، والسؤال هنا، إذا فشلت الحرب التي استمرت لأكثر من عام في تحقيق الأهداف العسكرية الإسرائيلية، فهل تنجح جولة أخرى من الضربات الجوية؟!
لن يتوقف نتنياهو وشركاؤه عن متابعة طموحاتهم السياسية، لكن الحرب سوف تنتهي في نهاية المطاف، وعندها فقط سوف يدرك من يسمون أنفسهم بمعارضي نتنياهو أنهم كانوا مجرد بيادق في لعبته، وعندها فقط سوف يفهمون أنه في نظر العالم لا يوجد فرق كبير بينهم وبين اليمين المتطرف في إسرائيل.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)