في صحيفة النيويورك تايمز… هناك اسم لمعاداة السامية لكن ليس هناك متسع لمصطلح الإبادة الجماعية

بقلم حميد دباشي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

أنا أقرأ صحيفة النيويورك تايمز يومياً، كما يحدق عالم الأنثروبولوجيا الأوروبي القديم في سلوك قبيلة بعيدة لكي يرى من أي اتجاه تهب الرياح الصهيونية الليبرالية.

أوصي بشدة الأشخاص الذين تنقصهم العقلانية في التعامل مع الثقافة السياسية الشيطانية التي تمثلها صحف مثل النيويورك تايمز للقيام بذات الشيء، فليس عليهم قراءة التايمز أو ما شابهها للحصول على الأخبار والتحليلات، ولكن باعتبارها دليلاً أرشيفياً على الوحشية الليبرالية التي طالما سوقت نفسها على أنها “النظام العالمي”.

هل تتذكرون كيف تهافت واحتفى محررو التايمز والمراسلون وكتاب الأعمدة على استخدام كلمة “معاداة السامية” في أعقاب قيام عصابة من مثيري الشغب الإسرائيليين بالغناء والرقص على أنغام الإبادة الجماعية في أمستردام مؤخراً؟!

أظهر تقرير لموقع “الانتفاضة الإلكترونية” وجود تبادل داخلي للبريد الإلكتروني مع أحد كبار مديري التايمز  دفن فيه تحقيقاً أجراه مراسل هولندي حول مثيري الشغب الإسرائيليين

في 7 نوفمبر الماضي، قام بلطجية إسرائيليون بتصدير وحشيتهم المعتادة، وذلك قبل وبعد مباراة كرة قدم بين نادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي ونادي أياكس الهولندي في الدوري الأوروبي لكرة القدم في أمستردام، بل وتم إطلاق العنان لهم في عاصمة أوروبية ليراها العالم أجمع، فما الذي يفعله فريق كرة قدم إسرائيلي في مباراة كرة قدم أوروبية؟! صحيح، فإسرائيل مستعمرة أوروبية في آسيا ولكن تلعب في قارة الدول الحامية لها!

بناء على ذلك، لم يتردد البلطجية الإسرائيليون بتمزيق العلم الفلسطيني من واجهة أحد المباني وإحراقه، كما هاجموا وخربوا سيارات الأجرة التي يقودها سائقون عرب، وهم يهتفون طوال الوقت: “الجيش الإسرائيلي ينتصر، سنضاجع العرب، اللعنة على فلسطين، لماذا لا توجد مدرسة في غزة ولا يوجد أطفال هناك؟”.

تخيل لوهلة فقط لو تم إخراج كلمتي “عربي” و”فلسطيني” من هذه الشعارات للحظة، واستبدالهما بكلمتي “يهود” و”إسرائيليين”، فما الذي سيحدث؟!

إلى النيويورك تايمز

بمجرد ظهور أخبار البلطجة الإسرائيلية في أمستردام، سارعت صحيفة النيويورك تايمز إلى المناورة والتعرج في الخطاب لوضع كلمة “معاداة السامية” في العناوين الرئيسية.

جاء في أحد العناوين الرئيسية لمقالة بتاريخ 8 نوفمبر: “ما يجب معرفته عن الهجمات على مشجعي كرة القدم الإسرائيليين في أمستردام”، وفي التوضيح أن “المسؤولين الهولنديين والإسرائيليين وصفوا الاشتباكات التي تلت مباراة كرة قدم بأنها معادية للسامية”، كما تم استدعاء بريت ستيفنز، أحد كتابي الأعمدة الرئيسيين المؤيدين لإسرائيل العاملين بأجر في صحيفة التايمز، على الفور إلى العمل في نفس اليوم للتنديد بما وصفته الصحيفة بـ “عودة عصر المذبحة”.

لا تتردد صحيفة التايمز بالحديث بسخاء حول اتهامات وأكاذيب حول “معاداة السامية”، لكنها ترفض وصف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين بما هي عليه حقيقة، وهو أنها إبادة جماعية، كما أكد تقرير مؤخراً لمنظمة العفو الدولية

بدأ ستيفنس مقالته باستدعاء ذكرى أجداده الذين تعرضوا للعنف المعادي للسامية، ثم أضاف اقتباساً من مسؤول هولندي كتب على موقع اكس: “يتجول البرابرة على دراجات نارية في عاصمتنا ويصطادون الإسرائيليين واليهود”، وكأن المشاغبين الإسرائيليين لم يكونوا همجيين!

عندما حصلت أحداث أمستردام، لم يتم الترويج لسرد “معاداة السامية” و”المذابح” في أوروبا على الفور، حتى ظهر المسؤولون الإسرائيليون والهولنديون ومقال ستيفنس الصهيوني المتحمس في صحيفة التايمز.

بحلول اليوم التالي، سارعت النيويورك تايمز إلى إعلان الحادث على أنه معاد للسامية، فجاء في الصحيفة: “احتجاجات حانات أمستردام بعد هجمات معادية للسامية على مشجعي كرة القدم”، وفي 10 نوفمبر، انضم حتى جدعون ليفي، اليساري، إلى ستيفنز في إدانة “المذبحة” في صحيفة هآرتس.

خلال أيام قليلة، كانت النيويورك تايمز قد عززت مصطلح “معاداة السامية” كاسم رسمي لما حدث في أمستردام، فكتبت في عنوان مقال: “الفوضى والاستفزازات والعنف: كيف تكشفت الهجمات على مشجعي كرة القدم الإسرائيليين”، وفيه وصفت الأحداث مرة أخرى بأنها “اعتداءات معادية للسامية على مشجعي كرة قدم إسرائيليين زائرين، وهتافات وهجمات من قبل بعض الإسرائيليين”.

لم تنشر التايمز عشرات المقالات حول “الهجوم المعادي للسامية” المزعوم في أمستردام فحسب، بل أظهر تقرير لموقع “الانتفاضة الإلكترونية” وجود تبادل داخلي للبريد الإلكتروني مع أحد كبار مديري التايمز  دفن فيه تحقيقاً أجراه مراسل هولندي حول مثيري الشغب الإسرائيليين.

“معاداة السامية” مقابل الإبادة الجماعية

لا تتردد صحيفة التايمز بالحديث بسخاء حول اتهامات وأكاذيب حول “معاداة السامية”، لكنها ترفض وصف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين بما هي عليه حقيقة، وهو أنها إبادة جماعية، كما أكد تقرير مؤخراً لمنظمة العفو الدولية.

في وقت سابق من هذا العام، كشف صحفيون استقصائيون ومسؤولون على بعد أميال من وسط مانهاتن كيف قامت الصحيفة “بإصدار تعليمات للصحفيين الذين يغطون حرب إسرائيل على قطاع غزة بتقييد استخدام مصطلحي “الإبادة الجماعية” و”التطهير العرقي” و”تجنب” استخدام مصطلحي “الإبادة الجماعية” و”التطهير العرقي”، واستخدام عبارة “الأرض المحتلة” عند وصف الأراضي الفلسطينية، وذلك وفقاً لنسخة من مذكرة داخلية حصل عليها موقع The Intercept.

علاوة على ذلك، ووفقاً للتقرير، فإن المذكرة، “تطلب أيضاً من المراسلين عدم استخدام كلمة فلسطين إلا في حالات نادرة جداً، والابتعاد عن مصطلح مخيمات اللاجئين لوصف مناطق غزة التي استوطنها الفلسطينيون النازحون الذين طردوا من أجزاء أخرى من غزة وفلسطين خلال الحروب الإسرائيلية العربية السابقة”.

ولا يتوقف الأمر عند نشر صحيفة النيويورك تايمز لاتهامات كاذبة حول “معاداة السامية”، بل يتعدى ذلك إلى صنع مصطلحات سياسية مضللة، تخدم أجندة العسكرية الأمريكية، فيجد محررو الصحيفة أنفسهم مضطرين لوضع رؤوسهم بالرمال وعدم  الوقوف أمام الحقائق التي لا لبس فيها.

في حادثة أمستردام مثلاً، تم التقليل من الكراهية المعادية للعرب والمسلمين والفلسطينيين التي أظهرها المشاغبون الإسرائيليون، بينما وصف الغضب المشروع ضد مثل هذه البلطجة بأنه “معاداة للسامية”، وكأنه كان ينبغي على العرب والمسلمين والفلسطينيين الذين تعرضوا لهذه البلطجة أن “يديروا الخد الآخر” حتى لا يوصفوا بأنهم معادون للسامية.

اتحاد المسلمين واليهود حول العالم

لقد كان هناك تاريخ من الكراهية ضد اليهود في أوروبا والولايات المتحدة، فيما لم تكن حركة التحرير الوطني الفلسطيني قط جزءاً من هذه الكراهية يوماً.

الفلسطينيون يقاتلون من احتل وطنهم ليس لأنهم يهود، فهم يقاتلونهم لأنهم سرقوا وطنهم، وسوف يقاتلونهم حتى أنفاسهم الأخيرة

لقد أصبح اتهام العالم أجمع زوراً بمعاداة السامية، فقط لأنهم لم يصمتوا عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، أمراً روتينياً بين الصهاينة، ولذلك يجب فصل الاتهامات الكاذبة والمسيئة والخبيثة بمعاداة السامية من قبل الصهاينة عن مواطن معاداة السامية الفعلية، كما هو الحال عندما يرتدي النازيون الجدد الصليب المعقوف في الغرب.

منذ سنوات مضت، كنت كتبت، وما زلت أعتقد، أن معاداة السامية وكراهية الإسلام هما وجهان لعملة واحدة، ولذلك يجب أن يكون اليهود والمسلمون حليفان طبيعيان كلتا النوعين من الكراهية، فقيام الصهاينة بتبرير التطهير العرقي لفلسطين وإسكات العالم من خلال اتهامات مقززة بمعاداة السامية لم يعد ينفع.

لقد أصبح اليهود والمسلمون يحاربون الصهيونية والعنصرية ومعاداة السامية وكراهية الإسلام وكراهية الأجانب وأي مشروع كراهية آخر، ونحن أحوج من أي وقت مضى، في ظل الإبادة الجماعية التي تحصل في غزة، إلى أن نبقي المتضامنين اليهود بمكان قريب منا، فالصهاينة سرقوا فلسطين بنفس الشراسة التي سعوا فيها إلى سرقة اليهودية كديانة!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة