شن جيش الاحتلال عدواناً واسعاً جديداً على مخيم جباليا للاجئين منذ الأربعاء الماضي، فيما يمكن اعتباره جزءاً من تنفيذ “خطة الجنرال” المثيرة للجدل.
ومن شأن إتمام تنفيذ هذه الخطة أن يشتمل على طرد لسكان وإخلائهم قسراً من كامل الأجزاء الشمالية من قطاع غزة.
وألقى جيش الاحتلال منشورات على المخيم ومناطق أخرى من شمال غزة يوم الاثنين، أمر فيها جميع الفلسطينيين بالنزوح جنوبا إلى “المنطقة الإنسانية” المكتظة بالفعل في المواصي.
وكانت قوات الاحتلال قد استهدفت المنطقة الإنسانية في المواصي مراراً وتكراراً إبان عدوانها المستمر على القطاع منذ أكثر من عام.
وقال أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال باللغة العربية، في مقطع فيديو نُشر على X يوم الأربعاء: “نكرر دعوتنا لكم في مخيم جباليا لإخلاء منازلكم وملاجئكم على الفور”.
وخاطب أدرعي السكان قائلاً: “هذه فرصتكم، انتقلوا الآن دون تأخير من ملاجئكم ومنازلكم إلى جنوب قطاع غزة”.
وجاءت تصريحات أدرعي في الوقت الذي توغلت فيه دبابات الاحتلال في جباليا حيث قصفت الطائرات المقاتلة المنطقة بعد أن أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء جديدة لسكان جميع مناطق شمال غزة تقريباً، وخاصة جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، حيث لا يزال هناك ما لا يقل عن 400 ألف فلسطيني.
وقال الدفاع المدني الفلسطيني أن الغارات استهدفت المدنيين ومنازلهم، ما “أثار الخوف والرعب الشديدين” بين السكان.
بدورها، ذكرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن فرقها تلقت نداءات عاجلة لإجلاء الضحايا لكنها لم تتمكن من الاستجابة بسبب شدة القصف.
وأفادت الجمعية أن “الجنود يطلقون النار على أي شخص يتحرك في منطقة بئر النعجة غرب جباليا شمال غزة”.
وفي الوقت نفسه، لجأ السكان إلى وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات محمومة تحذر من أنه “يتم القضاء على جباليا”.
وأسفر الهجوم المتجدد، الذي بدأ يوم الأحد عندما حاصرت دبابات الاحتلال المخيم، عن استشهاد 19 فلسطينياً على الأقل حتى الآن، وفقاً للدفاع المدني الفلسطيني، حيث حوصر معظم سكان جباليا داخل المخيم.
وقالت نادية هاردمان، الباحثة في هيومن رايتس ووتش، لموقع ميدل إيست آي: “مرة أخرى، نرى أدلة كارثية متزايدة على أن إسرائيل تبدو وكأنها قد ترتكب جريمة حرب تتمثل في التهجير القسري”.
وأضافت “لقد رأينا مراراً وتكراراً أن أوامر الإخلاء وضعت الناس في خطر، وأن مناطق الإخلاء ليست آمنة في الواقع والناس لا يعرفون إلى أين يذهبون”.
ووفقاً للسكان ومقاطع الفيديو التي قامت شبكة CNN بنشرها فقد تعرض الفلسطينيون الذين كانوا يحاولون الخروج من المخيم إلى إطلاق النار.
وقال محمد سلطان البالغ من العمر 28 عاماً لشبكة CNN: “كانت الطائرات بدون طيار تطلق النار على كل من يمر على الطريق، فأصيب ثلاثة أشخاص بالرصاص أمامي مباشرة”.
وأضاف في شهادته: “حاولت أنا وشقيقي مساعدة الجرحى للوصول إلى المستشفيات، حيث أصيبت فتاة صغيرة برصاصة في الرقبة، وأصيب والدها أيضاً”.
واستشهد حسن حمد، وهو صحفي يبلغ من العمر 19 عاماً يقيم في جباليا، في هجوم صاروخي للاحتلال على منزله يوم الأحد بعد تهديدات من مسؤولين إسرائيليين أمروه بالتوقف عن تصوير الهجمات الإسرائيلية في غزة.
وقال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أن العديد من الأهالي يرفضون مغادرة منازلهم، مدركين أنه لا يوجد مكان آمن في غزة يمكنهم الذهاب إليه.
وذكر في منشور على منصة X أن ما لا يقل عن 400 ألف شخص “محاصرون” في شمال غزة، حيث “لا نهاية للجحيم”، محذراً من أن “الجوع ينتشر ويتعمق مرة أخرى في ظل عدم توفر الإمدادات الأساسية “.
وأضاف أن الاقتحام أجبر ملاجئ وخدمات الأمم المتحدة على الإغلاق، وبعضها أغلق لأول مرة منذ بدء الحرب قبل أكثر من عام.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود أن الهجوم حول المنطقة إلى “أرض قاحلة غير صالحة للعيش”.
وهذا هو التوغل الثالث الذي تشنه قوات الاحتلال على جباليا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث أدى هجوم بري وجوي استمر 20 يوماً في مايو/أيار، إلى تدمير المخيم.
“خطة الجنرال”
وتأتي هذه الهجمة المتجددة وسط مخاوف من أن يكون جيش الاحتلال قد شرع بتنفيذ خطة وضعها اللواء المتقاعد جيورا إيلاند لإخلاء شمال غزة من سكانه البالغ عددهم 400 ألف نسمة لإفساح المجال أمام إقامة “منطقة عسكرية مغلقة”.
وتدعو “خطة الجنرال”، التي أطلقت في حملة تلفزيونية إسرائيلية، إلى التطهير العرقي لشمال غزة، محذرة من أن أولئك الذين سيبقون هناك سيواجهون المجاعة.
وقال إيلاند الشهر الماضي: “الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به هو إبلاغ ما يقرب من 300 ألف من السكان الذين بقوا في شمال قطاع غزة أننا نأمركم بالمغادرة”.
وأضاف: “في غضون أسبوع، ستصبح أراضي شمال قطاع غزة بأكملها منطقة عسكرية”.
وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت تقارير أن حكومة الاحتلال تدرس الخطة، حيث ذكرت وكالة رويترز أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وصف الخطة بأنها “منطقية”.
وأفادت هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية “كان” أن التوغل المتجدد في جباليا قد يشير إلى تنفيذ الخطة.
وأفادت الشبكة يوم السبت أنه: “سيتم تطهير المنطقة الشمالية بأكملها من قطاع غزة وفقاً لخطة الجنرال، وسيتم إجلاء السكان بالكامل وإعلان المنطقة الشمالية بأكملها من قطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة”.
وأصدرت قوات الاحتلال يوم الثلاثاء أوامر طرد لثلاثة مستشفيات رئيسية في شمال غزة هي كمال عدوان والعودة والمستشفى الإندونيسي، ومنحتها 24 ساعة فقط للمغادرة.
وهدد جيش الاحتلال “بمصير مماثل لمستشفى الشفاء، من تدمير وقتل واعتقال”، في حال عدم إخلاء المستشفى، بحسب بيان لوزارة الصحة في غزة.
وأفادت وزارة الصحة في القطاع أن قوات الاحتلال حاصرت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، محذرة من نفاد الوقود منه.
وقالت أن أحد المسعفين احتجز أثناء مرافقته لمريض تم نقله، على الرغم من جهود التنسيق.
يذكر أن مستشفى كمال عدوان هو المستشفى الوحيد المتبقي في شمال غزة المتخصص في خدمات الأمومة وغسيل الكلى، وهو يستضيف حالياً نحو 60 مريضاً.
ووفقاً لمنظمة المعونة الطبية لفلسطين (MAP)، قام موظفو مستشفى كمال عدوان بإخراج الخدّج من وحدة حديثي الولادة، لكنهم أفادوا بأن سيارات الإسعاف أوقفت عند نقاط التفتيش الإسرائيلية على الرغم من تأكيد إقامة “الممر الآمن” إلى مستشفى آخر من قبل جيش الاحتلال.
وأبلغ مدير المستشفى، الدكتور حسام أبو صفية، موقع Drop Site News أنه يرفض المغادرة، قائلاً “طالما أن هناك مرضى، فلن أغادر، أنا هنا منذ بدء الإبادة الجماعية، وأنا مصمم على الاستمرار في مساعدة شعبي”.
وقالت منظمة أكشن إيد غير الحكومية أنها “منزعجة بشدة” من أوامر الطرد لمستشفيات شمال غزة.
وحذرت في بيان على X من أن “هذا يؤثر على جميع المرضى والطاقم الطبي والأفراد المصابين بأمراض خطيرة في العناية المركزة والنساء الحوامل والمواليد الجدد في الحاضنات”.