بقلم عمر عاشور
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
“نحن بحاجة إلى تغيير الوضع الأمني، نحن بحاجة إلى الاستعداد الكامل للمناورات البرية والعمل”، هذا ما قاله مؤخراً اللواء أوري جوردون، قائد الجبهة الشمالية لجيش الاحتلال لقواته وهو يأمرهم بالاستعداد لـ”مرحلة جديدة” من القتال في لبنان.
كانت الحملة حتى الآن عبارة عن سلسلة مترابطة من الهجمات متعددة المجالات، بهدف إضعاف موارد حزب الله فيما بقيت ألوية الاحتلال مركزة على هجومين آخرين في غزة والضفة الغربية المحتلة، وتقدّر دولة الاحتلال أنها، وعلى مدى الأيام العشرة الماضية، ألحقت أضراراً كبيرة بعدوها الإقليمي الأقوى حزب الله.
ففي 17 و18 سبتمبر/أيلول، انفجرت آلاف أجهزة النداء المحمولة ومئات أجهزة الاتصال اللاسلكية في وقت واحد تقريباً في جميع أنحاء لبنان وسوريا، مما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف، وبعد يومين، قتلت غارة جوية للاحتلال ما لا يقل عن 45 شخصاً، بينهم اثنان من كبار قادة حزب الله هما إبراهيم عقيل وأحمد وهبي، ثم، استهدفت سلسلة من الغارات الجوية يوم الاثنين 1600 عنصر يزعم أنهم يتبعون لحزب الله في العملية التي أطلق عليها اسم “سهام الشمال”.
لقد أدت الغارات الجوية التي استهدفت تدمير مخازن الصواريخ والمدفعية التابعة لحزب الله إلى ارتقاء أكثر من 550 شخصاً، بما في ذلك النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 1800 آخرين، وما زالت عملية الاحتلال في لبنان مستمرة.
فهل هذه بداية لحرب شاملة، كما توقعت في وقت سابق من هذا العام، حتى مع التقليل من أهمية هذه الفكرة أو رفضها في أماكن أخرى؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف من المرجح أن يقاتل الاحتلال في الأسابيع والأشهر المقبلة؟
نجاح تكتيكي
وعلى النقيض من الهجمات الآلية والمدرعة التي استخدمت في المناطق الحضرية في غزة على مدى العام الماضي، قاتل الاحتلال حتى الآن عن بعد وبطريقة خفية في لبنان، بهدف الحد من الخسائر ومعالجة نقص القوى البشرية لديه.
ومن المرجح أن العملية التي أسفرت عن انفجارات أجهزة النداء استغرقت سنوات من التحضير، وأعتقد أن هذا لم يكن مجرد تسلل إلى سلسلة إمداد من المفترض أنها كانت آمنة بقدر ما شمل على الأرجح تصنيع أجهزة الاتصالات “الآمنة” التي اختارها جهاز الأمن التابع لحزب الله، ثم تسليمها بنجاح إلى وحداته.
ولا يعتبر تصنيع العبوات الناسفة داخل الأجهزة المصنعة مفهوماً جديداً، حتى أن تنظيم الدولة الإسلامية، وهو قوة غير تابعة لدولة، أتقن هذه العملية، ومن المرجح أن يكون سيناريو التصنيع أكثر ترجيحاً لأن تفخيخ (ونقل) 5000 جهاز اتصال بمتفجرات تقليدية تعتمد على النترات من شأنه أن يشكل كابوساً لوجستياً، ويمكن اكتشافه في الموانئ البحرية والمطارات، وسوف تحمل الشحنات معها ربع طن على الأقل من المتفجرات.
وفي كل الأحوال، كان الهجوم نجاحاً تكتيكياً بالنسبة لجيش الاحتلال وأجهزة أمنه، وربما نجح في تحييد ما يصل إلى 1500 عضو من حزب الله مؤقتاً، كما نجح في إرهاب المدنيين، وفقاً لمبدأ الضاحية، وربما نجح في استعادة صورة أجهزة استخبارات الاحتلال القادرة على كل شيء والرادعة بعد إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وكما هو الحال في غزة وربما في الضفة الغربية المحتلة، فلا تزال الاستراتيجية القابلة للتحقيق في جنوب لبنان غير واضحة أو غير موجودة
فقد كانت العملية أيضاً بمثابة ترقية هائلة في حرب العبوات الناسفة عن بعد، والتي تستخدمها الجماعات الإرهابية عادةً، لقد كانت العبوات مموهة ومخفية وقاتلة وعشوائية، مثل هذه التكتيكات الملغومة محظورة من قبل المملكة المتحدة وغيرها من جيوش حلف شمال الأطلسي.
ثم، في يوم الاثنين، شن الاحتلال نحو 500 غارة من خلال أكثر من 1000 طلعة جوية على لبنان، ولوضع نطاق هذه الحملة وكثافتها في منظور صحيح، فقد حققت القوات الجوية الإسرائيلية التفوق الجوي فوق سماء مصر في 5 يونيو/حزيران 1967 بعدد أقل من الطلعات الجوية.
ويزعم جيش الاحتلال أن الضربات استهدفت هياكل القيادة والسيطرة والاتصالات، بهدف الحد من قدرة الحزب وزرع الفوضى في صفوفه.
وفي الواقع، خلال الأيام العشرة الماضية، عملت إسرائيل على تدمير الركائز الأربع لما أسميه “ثورة الصواريخ” لحزب الله وهي الدقة (الصواريخ الموجهة ومجموعات التوجيه)، والاتصالات (ضرورية بين المدفعية الصاروخية ووحدات الطائرات بدون طيار)، والمراقبة/الاستشعار (طائرات بدون طيار قصيرة ومتوسطة المدى يمكنها “رؤية” إسرائيل)، والمدى (بما في ذلك صاروخ فاتح 110 الموجه وصاروخ زلزال 2 غير الموجه.
من شأن هذه الهجمات أن تشكل إما عملية تحضير لغزو بري، أو نسخة مطورة من عملية “قص العشب”، وهي عبارة يستخدمها الاحتلال لوصف العمليات العسكرية الدورية واسعة النطاق التي تسبب أضراراً جسيمة للبنية الأساسية والمناطق المدنية.
ومنذ الصيف، نشرت دولة الاحتلال مجموعة كبيرة من القوات في الشمال، بما في ذلك ألوية من الفرقة النظامية السادسة والثلاثين للقيادة الشمالية، وفرقة المظليين النخبة 98 وفرقة المدرعات الاحتياطية 146، كما استدعت مؤخراً لواءين احتياطيين إضافيين، لقد فتحت إسرائيل جبهة جديدة في لبنان في حرب لا يمكنها إنهاؤها وبالتالي فإن المجموعة القتالية الحالية التي تم تعبئتها في الشمال تتجاوز حجم أربع فرق، مع ما يقرب من 16 لواء.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الألوية الإسرائيلية صغيرة نسبياً بسبب نقص القوى البشرية، حيث تضم بعض الألوية أقل من ألفي جندي، فإن حجم هذه المجموعة يظل ثلاثة أمثال حجم القوة الإسرائيلية التي غزت لبنان في يوليو/تموز 2006.
ونظراً لتعدد الهجمات التي تتراوح بين زرع الألغام عن بعد، وعمليات التسلل الاستخباراتي، والضربات الجوية المتطورة لقطع الرؤوس، فمن المرجح أن تشكل هذه العملية تمهيداً لغزو بري، بهدف إضعاف حزب الله بشكل أكبر.
ويبدو أن المزيد من التعبئة للقوات البرية يشير إلى أن مرحلة الاقتحامات المدرعة والمناورات الآلية باتت مسألة وقت دون الحاجة إلى التساؤل عما إذا كان ذلك سيحدث من الأساس، ولكن في دورات تحليل المعارك، فإن الدرس الأول الذي يتعلمه الطلاب هو أن للعدو دوماً صوت، ومن هنا فإن السؤال الكبير يظل مطروحاً هل يمتلك حزب الله القدرات الكافية لشن هجوم بالجودة المطلوبة والاستمرار بالكميات اللازمة، أم أن إسرائيل نجحت في إضعاف قدراته؟
والواقع أن الجهات الفاعلة الإقليمية تشكل أهمية أيضاً، لقد تم تسليط الضوء على حق النقض الإيراني ضد شن حرب شاملة باعتباره سبباً للاستجابة المحدودة نسبياً من جانب حزب الله، ومن الصعب التحقق من ذلك، ولكن استناداً إلى عقدين من دراسة القوى غير الحكومية، فمن الواضح لي أن العديد منها، بعيداً عن التصور الشعبي، تتمتع بالقدرة على التصرف وتعمل بشكل مستقل عندما يتعين عليها ذلك.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن هذه تظل خطة عملياتية، ومثلها كمثل “الهدف النهائي” في غزة وربما في الضفة الغربية المحتلة، فإن الاستراتيجية القابلة للتحقيق في جنوب لبنان تظل غير واضحة أو غير موجودة، وفي فصل “الهجوم بالحيل” من كتاب “فن الحرب”، صاغ صن تزو ذات مرة عبارة “الاستراتيجية بدون تكتيكات هي أبطأ طريق إلى النصر والتكتيكات بدون استراتيجية هي الضجيج الذي يسبق الهزيمة”، وينطبق تصريحه على الطريقة الإسرائيلية الحالية في الحرب: التكتيكات القاتلة، والعمليات الاستنزافية، وعدم وجود استراتيجية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)