بقلم هشام أبو عون
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
قبل أكثر من 25 عامًا اخترت تخصص طب الأطفال لأنهم مستقبلنا ويستحقون أفضل الخدمات الصحية وأقصى درجات الرعاية من الجميع، لكن اليوم، ومن المستشفى الذي أعمل فيه على رعاية الأطفال في غزة، يبدو أن الوصول إلى هذا المستقبل يزداد ابتعاداً.
في مدينة غزة، نشهد أحد أعنف الاعتداءات العسكرية التي مررنا بها، المباني السكنية الشاهقة تُسوى بالأرض تمامًا بفعل غارات جيش الاحتلال، وأوامر التهجير القسري المستمرة تجبر آلاف المدنيين على النزوح من منازلهم مرة أخرى، في مشهد كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
نحن منهكون، والجميع وصل إلى أقصى حدود قدرته على التحمل، ولا أعلم حتى إن كنت سأبقى على قيد الحياة غدًا أم لا.
وتتضاعف هذه المعاناة بسبب حملة التجويع المتعمدة التي يفرضها جيش الاحتلال، إلى جانب نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية الحيوية التي نحتاجها لمواجهة ما يبدو وكأنه إبادة جماعية لا نهاية لها.
أدير حاليًا وحدات العناية المركزة للأطفال وحديثي الولادة في مستشفى جمعية أصدقاء المرضى الخيرية في مدينة غزة، والتي تأسست بدعم من منظمة Medical Aid for Palestinians.
وحاليًا، هناك 19 مريضًا تحت رعايتي، بينهم ثلاثة أطفال في العناية المركزة للأطفال، وعشرة حديثي الولادة في وحدات العناية المركزة ودرجات مختلفة من رعاية حديثي الولادة.
جميع هؤلاء تقريبًا في حالة حرجة، وهم ضحايا مباشرة لهجمات جيش الاحتلال، حيث فقد بعضهم أطرافه، وتمزقت أعضاء أخرى بالرشقات النارية، أو سحقوا تحت أنقاض المباني المتساقطة.
لا مأوى آمن للأطفال
في إحدى الحالات، دُمر منزل عائلة بالكامل، أُخرجت الأم، التي كانت في الشهر الثامن من الحمل، من تحت الأنقاض، وخضعت لعملية قيصرية طارئة.
أما طفلها فأُدخل إلى وحدة العناية المركزة لدينا، حيث قضى ثلاثة أسابيع بسبب النوبات المتكررة الناتجة عن نقص الأكسجين إلى الدماغ، وهذا المشهد يتكرر يوميًا تقريباً.
ويصل الأطفال إلى المستشفى بأوزان ضئيلة وهم يعانون من سوء التغذية، وأمهاتهم بلا مأوى آمن، ولا مياه نظيفة، ولا طعام.
إنهن مجبرات على تحمل القصف المستمر، والتشريد، والخوف اليومي، ونشهد معدلات مرتفعة جدًا للولادات المبكرة، نتيجة هذا التوتر والضغط النفسي الشديد.
وبسبب الحصار العقابي الذي تفرضه دولة الاحتلال، يفتقر مستشفانا إلى حاضنات الأطفال حديثي الولادة، وأسرّة العناية المركزة للأطفال، وأجهزة التنفس الصناعي، وحتى الأدوية الأساسية وحليب الأطفال.
ولا توجد لدينا شبكة أكسجين مركزية، ونعتمد كليًا على عدد قليل متناقص من أسطوانات الأكسجين.
يموت الأطفال هنا ببساطة لأننا نفتقر للمستلزمات التي تبقيهم على قيد الحياة، مهما بذلنا من جهود، وهذا هو أبسط حق من حقوق الطفولة أعني الحق في تلقي الرعاية الطبية حتى في أقسى الظروف.
ومع استمرار غزو مدينة غزة وتهجير السكان، تصبح العواقب على المستشفيات ومرضاي كارثية للغاية، وأنا يومياً أعيش الخشية من أن تتلقى مستشفانا أمر تهجير قسري من جيش الاحتلال.
لكن نقل الأطفال المرضى الذين نتولى رعايتهم يكاد يكون مستحيلًا، فتحريكهم بدون معدات متخصصة وإجراءات طبية دقيقة سيؤدي حتمًا إلى وفاتهم.
أما نحن كأطباء وممرضين، فسوف نبقى صامدين حتى اللحظة الأخيرة، ولن نتخلى عن مرضانا، وسنبقى بجانبهم حتى النهاية.
هذا على الرغم من القتل غير المسبوق وغياب الإنسانية الكامل وسط إبادة غزة، فقد قُتل أكثر من 1,700 عامل صحي منذ بداية حرب دولة الاحتلال على غزة، بمعدل أكثر من اثنين من زملائي يوميًا.
استهداف متعمد للكادر الطبي
ورغم أننا نقع تحت الحماية بموجب القانون الدولي، إلا أننا لا نُعفى من الاستهداف، وغالبًا ما يكون متعمدًا من قبل جيش الاحتلال.
التجربة المروعة لزملائنا العام الماضي في مستشفى الشفاء مثال واضح على ذلك، فعندما اقتحم جيش الاحتلال المستشفى، تم إعدام عدد من الأطباء والممرضين والمرضى ودفنهم بالبلدوزرات داخل أرض المستشفى.
يجب أن تخجل البشرية من هذه الجرائم ضد الإنسانية، فهل ستكون هذه نهاية زملائي وزميلاتي وأنا فقط لأننا نقوم بعملنا ولا نتخلى عن مرضانا؟
أنا لست مجرد طبيب، بل فلسطيني يعيش هذه المأساة تحت الهجوم المستمر، أمر بكل يوم تقريبًا بلا وسائل أساسية للبقاء، ومع خوف كبير على عائلتي زوجتي، أطفالي ووالدتي التي أتركها كل يوم ذاهبًا للعمل، مع علمي أني قد لا أراهم مرة أخرى.
حوالي ثمانية أطفال حاليًا في المستشفى يحتاجون إلى دعم طبي ومعدات للبقاء على قيد الحياة، ولا يجب تركهم يموتون، نعم يجب أن يحظى جميع أطفالنا بالحماية والرعاية.
إن أبسط حق من حقوق الطفولة وهو الحق في تلقي الرعاية الطبية حتى في أسوأ الظروف لا يمكن تجاهله، ولا أستطيع تخيل ترك طفل مريض يواجه الموت وحده، بل إن فعل ذلك بحد ذاته جريمة ضد الإنسانية وضد الطفولة نفسها.
نحن، الشعب الفلسطيني، نحب الحياة، نحن بشر مثل الجميع، لدينا مستقبل، أطفال، أحلام وطموحات نسعى لتحقيقها، أوقفوا هذه الإبادة، كفى حروبًا، كفى دمارًا، ساعدونا على الحياة.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)