وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الثلاثاء الماضي إلى دولة الاحتلال للضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة عقب استشهاد قائد حركة حماس يحيى السنوار.
غير أن وقف إطلاق النار هو آخر ما يدور في أذهان أعضاء الكنيست ووزراء حكومة الاحتلال ومئات المستوطنين الذين اجتمعوا في اليوم السابق للتخطيط لمستقبل القطاع.
ولم يتضمن المؤتمر الذي تزامن عقده مع عيد العرش الديني السنوي اليهودي الذي يصادف خروج اليهود من مصر الحديث عن أي مفاوضات، بل ناقش موضوعاً واحداً هو الاستيطان في غزة.
فقد عقدت منظمة نحالا الاستيطانية المؤتمر على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من حدود غزة داخل منطقة عسكرية مغلقة وتحت حماية الجيش، فيما كان دوي نيران المدفعية المتواصل يقطع الخطب، ويلقى التصفيق وهتافات “الله يحفظ جنودنا الشجعان”.
كان العديد من الحاضرين للمؤتمر يحملون رشاشات أو مسدسات، لكن المنظمين طالبوهم “بعدم إطلاق النار في حالة تسلل إرهابي، دعوا الأمن يتولى الأمر من أجل سلامة الجميع”.
وكان من بين الحاضرين في المؤتمر داعمون للاستيطان من الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وأستراليا.
وارتدت إحدى العجائز من ملبورن ملصقاً كتب عليه باللغة العبرية “غزة جزء من إسرائيل” وحملت أخرى شعاراً يقول “كان كاهانا على حق”.
وحمل عدد من الحاضرين في المؤتمر ملصقات تحتفل بمائير كاهانا، الحاخام المولود في الولايات المتحدة والإرهابي المدان الذي دعا إلى إجبار الفلسطينيين على الرحيل من وطنهم.
وتفاخرت زعيمة نحالا دانييلا فايس خلال المؤتمر، بأن العائلات اليهودية مستعدة للانتقال إلى حافة حدود غزة، مدعية أن منظمتها دخلت بالفعل في صفقة بقيمة “ملايين الدولارات” لوحدات سكنية مؤقتة تمهيداً للاستيطان في القطاع.
وزعمت: “ستشهدون كيف يذهب اليهود إلى غزة وكيف يختفي العرب منها”، الأمر الذي قد يكون فرصة ثمينة لأور يومتوفيان، الذي يعمل في مجال العقارات وهو ناشط في حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف الذي يتزعمه وزير الأمن الإسرائيلي إيتامار بن غفير.
وقال يومتوفيان أن استيطان غزة سيكون “حلاً جيداً لمشكلة العقارات،،نحن دولة صغيرة وهناك أرض كبيرة هنا يمكننا استخدامها”.
وعندما سُئل عن موعد احتلال غزة، أجاب: “أولاً وقبل كل شيء، في أقرب وقت ممكن”.
وعندما سُئل عن قيمة العقارات المطلة على البحر في غزة، أجاب: “صفقة العقارات في تل أبيب بجوار البحر تكلف 20-50 مليون شيكل (5 ملايين دولار إلى 13 مليون دولار) وهنا يمكننا البيع بسعر رخيص”.
وقال يومتوفيان إنه كان في المركز السادس عشر على قائمة المرشحين البرلمانيين لحزب القوة اليهودية، وتوقع أن يكون زعيمه، بن غفير، رئيس وزراء إسرائيل القادم بعد نتنياهو.
ويرفض منظو المؤتمر أن يتم النظر إليه باعتباره حدثاً هامشياً، في تصور الطموحات الجامحة لحركة الاستيطان، فأصحاب المال الكبير وكبار الساسة لديهم مصلحة في مستقبل غزة.
وقد حضر المؤتمر وزراء كبار في الحكومة وأعضاء في الكنيست، بمن فيهم العديد من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.
ومن بين الحاضرين أيضاً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يتولى أيضاً مسؤولية الإدارة المدنية في الضفة الغربية والذي دعا إلى ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة فوراً.
ولكن بن غفير كان نجم العرض، حيث انضم إلى الرقص الجماعي وأشاد به العديد من الحاضرين الآخرين باعتباره رئيس الوزراء القادم.
وأكد بن غفير أن الهجمات التي قادتها حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، والتي قُتل فيها نحو 1200 إسرائيلي واختطف المئات غيرهم، قد غيرت عقلية الإسرائيليين.
وقال: “نحن أصحاب هذه الأرض، وهم يدركون أن تصرف إسرائيل باعتبارها المالك الشرعي لهذه الأرض هو ما يثبت الوقائع”.
وقال لجمهوره أن دولة الاحتلال ستشجع ما أسماه “النقل الطوعي لجميع مواطني غزة”، مضيفًا “سنقدم لهم الفرصة للانتقال إلى دول أخرى لأن هذه الأرض ملك لنا”.
وبن غفير وسموتريتش من كبار أعضاء الائتلاف الذي يقوده حزب الليكود والذي يحكم إسرائيل، حيث كشفت التجارب الحديثة أن هذين الزعيمين الاستيطانيين يحصلان على ما يريدانه.
ويرجع هذا جزئياً إلى الدعم الشعبي المتزايد، ولكن قبل كل شيء لأن حكومة نتنياهو ستسقط بدونهما كما أن القوة الغاشمة تدعم رؤية بن غفير لغزة خالية من الفلسطينيين.
وأشارت زعيمة نحالا دانييلا فايس إلى هذه القوة الاستيطانية الجديدة خلال حديثها عن تصريح نتنياهو في وقت سابق من هذا العام بأن فكرة الاستيطان في غزة “غير واقعية”.
وأشارت إلى أن كثيرين قد أبدوا نفس الملاحظة بشأن الضفة الغربية، التي اجتاحها اليوم المستوطنون الإسرائيليون.
وقالت فايس: “لدينا الدعم السياسي والدعم العام وخبرة 55 عاماً من الاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) ومرتفعات الجولان، وفيها أكثر من 330 مستوطنة، لقد تراكمت لدينا الكثير من الخبرة للقيام بذلك”.
وقالت لحشد من الصحفيين الدوليين أن على الفلسطينيين من أهل غزة أن يذهبوا “إلى إنجلترا، إلى إفريقيا، إلى تركيا، تماماً كما انتقل أهل أفغانستان أثناء الحرب، مثل أهل سوريا، مثل الناس من أوكرانيا”.
وأكدت فايس أن الفلسطينيين “لن يبقوا في غزة بأي حال من الأحوال”.
“لا رحمة”
وأيد نواب الليكود الكثير مما قالته فايس، حيث ذكر عضو الكنيست أرييل كالنر أنه يجب إقامة “مستوطنات في شمال غزة وأماكن استراتيجية مثل ممر فيلادلفيا، مضيفًا أن العديد من أعضاء الليكود يؤيدون الخطة.
وقال أن غزة “ارتكبت هذه المذبحة عندما حصلت على العديد من الامتيازات التي لم تكن لديها من قبل”.
وتابع: “نحن بحاجة إلى فهم ما هو الإسلام المتطرف، وما هي السلطة الفلسطينية، لقد دعموا السابع من أكتوبر، إنهم يدعمون الإرهابيين، نحن بحاجة إلى أن يفهم العالم أنه يجب القضاء على مثل هذه الأنظمة، يجب أن يفهم المتحضرون أن هذه الأنظمة والأيديولوجيات البربرية هي أعداء الحضارة”.
وعندما سُئل عن رأيه في ما يسمى “خطة الجنرالات” التي يتم تنفيذها حالياً في شمال غزة، والتي يراها الكثيرون استراتيجية للتطهير العرقي لطرد الفلسطينيين من المنطقة أو قتل أولئك الذين يبقون، قال كالنر إنها “خطة معقولة للغاية”.
وأضاف “هناك خطط أخرى للقضاء على نظام حماس الشرير”، مؤكداً على ضرورة إضعاف حماس من خلال السيطرة على المساعدات الإنسانية.
وألقت عضوة أخرى في الكنيست من حزب الليكود، تالي جوتليف، بثقلها وراء المستوطنات في غزة، وقالت: “لقد أوضحت منذ اليوم الأول للحرب أن أحد أهدافنا يجب أن يكون احتلال شمال غزة”.
وضافت جوتليف: “ليس لدي شك في أن نتنياهو يدعم الاستيطان في غزة لأنه سيجلب المزيد من الأمن ليس فقط للمنطقة المحيطة بقطاع غزة ولكن لإسرائيل”.
وقالت: “سمح الناس في شمال غزة لمقاتلي حماس بالمرور في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ليس لدي رحمة، الرحمة الوحيدة التي لدينا هي أن نمنحهم الفرصة للمغادرة، يجب أن يغادروا ويذهبوا إلى الجنوب”.
يذكر أن عدداً من الإسرائيليين المحتجين على المؤتمر كانوا قد تجمعوا قرب موقع انعقاده وهم يلوحون بالأعلام الصفراء مطالبين بسرد أسماء الأسرى الإسرائيليين في غزة واتهموا منظمي المؤتمر بأنهم يضحون بحياة الأسرى في سبيل الحرب في غزة.
واكتسب المؤتمر أهمية رمزية إضافية لأن احتفال عيد الشكر في العام الماضي تزامن مع الهجمات التي قادتها حماس، حيث توافد الزوار إلى كيبوتس بئيري، لتكريم 132 إسرائيلياً قتلوا فيه في السابع من أكتوبر.
وعلى مد البصر، كانت أعمدة الدخان تتصاعد من مخيم جباليا للاجئين، الذي يتعرض حالياً لهجوم بالدبابات الإسرائيلية والغارات الجوية التي أسفرت عن استشهاد العشرات في الأيام الأخيرة، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.
وكان الإسرائيليون قد أوقفوا سياراتهم في موقع تجمع يسمح بمشاهدة استمرار النار وهي تشتعل في غزة.